8 أبريل، 2024 8:19 ص
Search
Close this search box.

رواية عقلان.. رصدت واقع الريف اليمني في السبعينات والثمانينات  

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

“رواية عقلان” للشاعر والكاتب اليمني “محمد عبده الشجاع” صادرة في القاهرة 2020، رواية ثرية ورائعة تحكي عن الريف اليمني في فترة السبعينات والثمانينات من القرن الفائت، والصراعات السياسية وما نتج عنها من تعقيدات وتشابكات اجتماعية.

الشخصيات..

الشخصيات متعددة، تناولها الراوي بعمق، حيث غاص في دواخلها وأفكارها ومشاعرها وتغيراتها النفسية والاجتماعية، ومن الشخصيات الرئيسية التي تناولتها الرواية وركزت على عوالمها (عزيز وفائزة والشيخ عماد ووارثة وهزاع وصقر البصير، وعبد القادر الصوفي ومرام والضابط محمود). ومن الشخصيات الثانوية (الدمال وهيمانة وريحانة وقادرة والشيخ ماجد والمزينة حياة والدكتورة مارجريت وكريم وجدة عزيز وعبد الغني وأمل).

الراوي..

الراوي راو عليم، لا يظهر داخل الرواية، وإنما يحكي عن الشخصيات بتفان تام، وقد يظهر صوته في نهاية كل قسم حين يجمل الأفكار التي تناولها الحكي ويقدمها بشكل فلسفي أو في صورة أحكام عامة، لكنه يغوص داخل نفوس الشخصيات ببراعة وينقل كل ما تحسه وتشعر به من أفكار ومخاوف وأحلام.

السرد..

تقع الرواية في حوالي 500 صفحة من القطع المتوسط، انقسمت إلى فصلين بعنوان (عكاز في الظل، أشتات فصول) وهذان الفصلان انقسما إلى  28 قسما لكل قسم عنوان خاص به. الرواية محكمة البناء، ثرية تمتد على مدى عقدين من الزمان وتحكي عن شخصيات عديدة بالتناوب، وتتناول قضايا اجتماعية هامة دارت في الريف اليمني في الزمن الذي اختارته الرواية، متخذة من منطقة ريفية ما بين محافظتي تعز وإب مسرحا للأحداث ونموذجا للريف اليمني، وتنتهي الرواية نهاية مفتوحة.

الصراع السياسي..

حكت الرواية عن الصراع السياسي الذي دار في اليمن في فترة السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، حيث السلطة في الشمال تقاومها وتتصارع معها الجبهة الوطنية التي تنادي بالأفكار الاشتراكية ويتهمها الناس بالشيوعية، يختبئ أفراد الجبهة الوطنية في الريف والمناطق الوعرة ويستخدمون السلاح ضد السلطة وحتى ضد المدنيين،  ويفتشون عن المصاحف ليأخذوها من الناس.

في حين ترد السلطة بقسوة حيث تفتش بيوت الناس وتأخذ الشباب والرجال ومن تكتشف لديه سلاحا تعامله بوحشية، ومن تشك في انتمائه للجبهة الوطنية تحبسه لديها ولا يعرف أهله عنه شيئا، حيث ازدادت حالات الاختفاء القسري ولم تذكر الرواية هل تعذب السلطة هؤلاء الناس أم لا لكن يفهم ضمنيا أنها فعلت ذلك من حكاية “عبد الغني” والد عزيز الذي اختفى قسريا ثم عاد بعد فترة من الزمن وبعد استماتة أمه على أن تعرف مكانه.

كما تحكي الرواية عن استعانة السلطة بالإسلاميين والذين ينضمون تحت كيان يدعى الجبهة الإسلامية، وكيف يستقطب هؤلاء الإسلاميين الناس، حين يستشعرون سخط أحد ما من الأوضاع يلتفون حوله ويقنعونه بالانضمام إليهم والجبهة الإسلامية موالية للسلطة، وتستخدمها السلطة كذراع تهزم به الجبهة الوطنية وأفكارها وتوجاهتها.

بنية المجتمع اليمني في الريف..

تتناول الرواية أنماطا مختلفة من الشخصيات ومن خلال تلك الأنماط تنكشف لدينا بنية المجتمع اليمني في الريف، حيث يقف شيخ القبيلة على رأس السلطة في القرية، وفي الرواية يتمثل شيخ القبيلة في شخصية “الشيخ عماد”، الذي ترك قرية والده الذي كان يحكمها هربا من أشقاءه، وذلك إلى قرية أخواله ليصبح شيخا هناك، لكن رغم ذلك تمتلئ نفسه بصراعات ضخمة، حيث لا يثق في قوته وقدرته على حكم الناس في القرية، كما تتنازعه رغباته، يحب “وارثة” تلك الجارة التي تشاجرت مها زوجته “قادرة”، ويحاول أن يثبت جدارته كشيخ للقرية، لكنه دوما ما يفاجئ بأفعال أخيه “ماجد” والتي تحرجه أمام الناس، ويقرر في النهاية أن ينضم لجانب سلطة الدولة لكي يتقوى بها.

وهناك شخصيات المثقفين والفقهاء فشخصية “يوسف” ذلك الرجل الذي تعلم في المملكة السعودية، وتعلم القرآن وعلومه وعلوم الفقه لكن له منظوره ورؤيته الخاصة التي تميل للانفتاح والتعقل، والتعامل مع الدين بتمدن، في مقابل “عبد الفتاح” الذي درس في المملكة أيضا لكنه يميل إلى الانغلاق وإلى اعتبار نفسه سلفيا، لكنه متخبط مع ذلك ويتعامل بعجرفة مع الناس رغم أنه خطيب الجامع في القرية الذي يؤم الناس للصلاة ويعظهم وينصحهم، وابنه أيضا منتمي للجبهة الإسلامية ويستقطب الناس لها.

كما تناولت شخصيات عادية مثل جدة عزيز التي تقوم بأعمال أي امرأة في الريف من تربية الماعز وخبز الطعام ورعاية شئون البيت وتناكف زوجة ابنها طوال الوقت لتثبت سلطتها، و”فائزة” اليتمية التي ترعى الأغنام وتعاملها زوجة أبيها بقسوة فتجد الملاذ في صحبة “عزيز” الطفل الذي يشاركها في رعي الأغنام، و”وارثة” التي تعيش وحدها هي وطفلها و”كريم” زوجها الذي اضطر إلى الاغتراب في المملكة السعودية لجلب الرزق ويموت نتيجة خطأ العمال، و”هيمانة” التي تحب مصاحبة الرجال، و”الدمال” الذي أغرته “هيمانة” فأنسته زوجته وأولاده الخمس.

القضايا الاجتماعية..

لكن أهم ما يميز الراوية أنها تناولت القضايا الاجتماعية التي يمتلئ بها الريف في ذلك الوقت، وأشارت إلى الجهل الذي يعم الريف نتيجة صراعات سياسية طاحنة وسلطة غامشة لا هم لها سوى الفوز، ورغم أنها أشارت إلى تطور المجتمع اليمني حيث سعت السلطة لبناء المدارس والمستوصفات إلا أن المشاكل الاجتماعية كانت أكبر من ذلك التطور، حيث انتشار الفقر، وتفشي الجهل، فالناس يذهبون إلى قبة الشيخ جد “عبد القادر الصوفي” ليأخذوا البركة منه، ويلجئون إلى “عبد القادر” الدجال ليشفيهم من أمراضهم، وهو من جانبه يستخدم جهله لكي يزيد ثراءه ولا يتورع عن قتل الناس بالخطأ ولا يعترف بأخطائه، فقد قتل أخت “الشيخ عماد” بالخطأ ولم يعترف بذلك ومن فرط طمعه خلع أسنانها الذهبية بعد موتها، وحين وجد صوت زوجته الثانية جذابا وآسرا استخدمه في لعبة إيهام الناس بالشفاء، وقد نسى تاريخ جده وأبيه الذين اشتهرا في المنطقة بتوجههما الصوفي.

كما تناولت الرواية تعلق الناس بأية أخبار مثلما حدث عندما أشيع أن يوم القيامة قريب بل وتم تحديد موعد له، وصدق الناس أو مجموعة منهم ذلك واستغل “هزاع” ذلك فأخذ يجمع الذهب من النساء.

ختان الإناث..

كما انتصرت الرواية للمرأة حين تناولت قضية ختان الإناث وكيف كان “عبد القادر” يحرض المزينة “حياة” والتي بدورها كانت تضيف نساء جدد لكي يقومن بتختين الفتيات والنساء وينشرن أفكارا حول فوائد الختان، في حين أنهن جاهلات ومتخلفات يتسببن في موت الفتيات أو إصابتهن بالنزيف الحاد نتيجة جهلهن بالطب. فالرواية كشفت ذكورية المجتمع الذي يسعى لتختين النساء وكيف تستجيب النساء لها وتعززهها، وحين ينكشف الأمر لا يتعاطف مجتمع الريف وإنما ينسج الشائعات المشينة مثلما حدث مع “وارثة” التي تعرضت للختان وللنزيف لكن الناس نسجوا حولها شائعات عن علاقة مزعومة بينها وبين “الشيخ عماد”.

تعرضت الرواية أيضا للألغام الأرضية التي زرعتها الجبهة الوطنية والتي نسبتها الرواية إلى “معمر القذافي” الذي ذكر أنه كان يدعم الجبهة، وكيف تؤثر تلك الألغام على حياة الناس، وأشارت إلى التناقض بين الريف والمدينة وحلم الأطفال في القرية أن يعيشوا في جنة المدينة ورفاهيتها في حين أن الأطفال الذين يعيشون في المدينة يدركون مدى جمال الريف في مقابل صخب المدينة.

اعتمدت الرواية على لغة عذبة شعرية، وعلى تناول المشاعر الإنسانية مثل الحب والشغف واكتشاف الإنسان لعوالم الجنس الآخر منذ طفولته كما حدث ل”عزيز”. يمكن القول أن الرواية تغري القراء وتجعلهم يستمتعون بمواصلة القراءة فيها متمنيين ألا تنتهي

الكاتب..

“محمد عبده قاسم أحمد الشجاع” كاتب يمني، مواليد محافظة اب مديرية العدين 1978. عمل في مجال الصحافة.

صدر له:

  • (قَطراتٌ مِنْ غُرف القَلبِ) شِعر ”دار عبادي” 2006م صنعاء.
  • (جُرحاً توحَّد كيْ يَنْتقِي شَكلْ مَوتِه) شِعر”الهيئة العامة لقصور الثقافة” القاهرة، سلسلة آفاق عربية 2013م.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب