خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “عصفورة الكواليس” للكاتب العراقي “أحمد غانم عبد الجليل” رواية تتناول قضايا المجتمع العراقي وتلك الاشتباكات والصراعات التي عاني منها لسنوات طويلة، وانعجن بها الشعب العراقي وأبطال الرواية.
الشخصيات..
البطلة الرئيسية هي “هالة”، امرأة عانت منذ طفولتها، وظلت تعاني طوال حياتها من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمجتمعها المأزوم، وظلت مجبرة علي اختيار مسارات في حياتها. وهي حلقة الوصل بين ثلاث شخصيات رئيسية في الرواية، ثلاثة رجال مختلفين في الأصول والتوجهات والمواقف السياسية والحياتية، لكنهم يجتمعون علي حبها كامرأة ساحرة وجذابة وقوية الشخصية.
عمار: شخصية رجل السلطة، الذي يخدم مصالحها ويستفيد ماديا واجتماعيا، حتى أنه يوضع في مكانة عالية فوق رقاب الشعب، ورغم اهتزاز كرسي السلطة يظل علي قوته لأنه ينط سريعا من السفينة الغارقة، ويستمر طرفا في لعبة المصالح بعد الاحتلال الذي دمر الوطن. و”عمار” هو ممثل لفئة من الناس الذين خدموا السلطة وأصبحوا رجالا أغنياء وأقوياء واستطاع أن يكسب في كل الأحوال.
محمد: شاب متعلم تعليما جامعيا، هزته الحرب بقسوتها ووحشيتها حتى أنه أصبح مضطربا نفسيا وضعيفا وهشا، يتخبط في الحياة يحاول الهروب من جحيم الوطن لكنه لا يستطيع التأقلم في الدولة التي هاجر إليها. ويظل اضطرابه النفسي يشعره بالعجز، فينضم إلى تيار ديني متطرف ويدخل لعبة المصالح الكبرى ليتحول لرجل سلطة، تلك السلطة الجديدة التي أسسها الاحتلال لكنه لا ينجو رغم ذلك.
زياد: رجل مبادئ تم إعدام والده لأنه شريف، ولأنه، رغم كونه رجل سلطة، كان ذا موقف مبدئي مما أدى إلى إعدامه. يترنح “زياد” تحت وطأة اغتيال والده، ويظل ذلك الجرح نازفا داخله طوال حياته، ويحاول طوال حياته تمثل شخصية والده والالتزام بالموقف المبدئي تجاه وطنه وقضاياه.
فيكتب مقالات كاشفة تعري الفساد والخائنين والأحزاب المختلفة، التي استفادت بعد سقوط سلطة النظام البائد، لكنه يظل مطاردا سنوات طويلة، عرضه للموت في أية لحظة بعد أن فشلت محاولتين لاغتياله.
كمال ياسين: رغم أنه مناضل ثوري قضى حياته الأولي في الإيمان بالأفكار الثورية اليسارية، وناضل علي أرض الواقع، إلا أنه تحول بعد ذلك وأصبح مراوغا واختار مصلحته الفردية، وتعاون مع رجال السلطة ليكون عينا داخل حزبه علي رفاقه. ثم أصبح رجل أعمال فاحش الثراء نتيجة تعاونه مع السلطة القديمة ومع السلطة الجديدة، ورغم ذلك يدعي دوما أنه ذلك المناضل الثوري القديم.
نوال: زوجة “كمال ياسين” والتي ظلت علي مبادئها وأفكارها طوال حياتها، وهجرت “كمال” وحزنت علي فراقه كثيرا.
خولة: امرأة تختار أن تنحاز لمصلحتها الشخصية، فتتزوج برجل غني وتدخل لعبة المصالح وتكون طرفا فيها.
الراوي..
اعتمدت الرواية علي راو عليم، مع مقتطفات داخل الحكي يحكي فيها الأبطال بصوتهم وبضمير المتكلم، وجاء الحكي عن شخصيات رئيسية أهمها “هالة”، التي أخذت مساحة كبيرة من الحكي في الرواية.
السرد..
الرواية تقع في حوالي 320 صفحة من القطع المتوسط، محكمة البناء، تركز بشكل أساسي علي البطلة وعلي الشخصيات الرئيسية، ومن خلالهم تعرض لحال العراق علي مدي عقود، والتغييرات التي حدثت له، وتنتهي نهاية مرضية ولا نستطيع أن نقول سعيدة بموت معظم الشخصيات.
افتقاد الأمان..
من خلال “هالة” نتعرف علي حال العراق، فهي تعيش في حالة من فقدان الأمان منذ أن كانت طفلة، بسبب اعتقال والدها أكثر من مرة وانهزامه أمام ما حدث له من اضطهاد وقهر، فظلت طوال حياتها لا تشعر بالأمان حين ترى أب صامت ومنهزم وعاجز، يشعر بالخوف وينعزل أكثر فأكثر، كحال كثير من العراقيين الذي تعرض ذويهم لاعتقال وحشي وقاسي، ولكافة أنواع التعذيب والتنكيل، مخلفا بقايا إنسان، شبح خال من الروح يتفرج عليه أهله ويشعرون بالأسى والعجز والرعب.
الهجرة..
ظل انهزام وانكسار والد “هالة” يلاحقها طوال حياتها وجعلها تختار مسار حياتها في الحياة وفق شعورها بوطأة ذلك الانهزام، لذا اختارت أن تتزوج “محمد” قريبها، رغم اضطرابه النفسي الظاهر بعد اشتراكه في الحرب ورؤيته مشاهد القتل والموتى والجثث، لأنه كان بوابة الخروج، من ذلك البلد الذي لا تشعر فيه بالأمان والذي يتصرف فيه أصحاب السلطة وأعوانهم وأذيالهم كأنها عزبة يمتلكونها.
وحين تخرج ذاهبة إلي لندن لا تنعتق كما تخيلت، لأنها تفهم أنها مازالت رهينة لأحد أذيال السلطة، “عمار” ذلك الشاب الذي قابلته مصادفة ونشأت بينهما علاقة انجذاب غير سوية، هو يريد امتلاكها وهي تشعر بأنه رجل مهم. وتعرف أن خروجها إلى لندن كان مدبرا من “عمار” لأنه مازال يلاحقها، لذا يمكن القول أنها لم تتحرر وأنها ما زالت تحت قبضة “عمار”، ليشعر القارئ بقوة الرمز، وكأن “هالة “هي نفسها العراق التي لا تنفلت من بين أصابع الانتهازيين وأذيال السلطة.
ضعف..
تعاني “هالة” من ضعف “محمد” وعجزه لذا تقرر ألا تنجب منه، وتشعر بملاحقة “عمار” الذي تتبين أن له نفوذا خارج العراق كما في داخله، وتظل تتخبط حني بعد أن تتعرف علي “نوال” وعلي “كمال ياسين”، وتظل تشاهد التغييرات التي تحدث لوطنها بعد الاحتلال والدمار الذي حدث له.
السلطة تتلون..
تحكي الرواية عن تلون رجال السلطة وتغييرهم لعباءتهم القديمة، ممثل في “عمار” الذي يعد شخصية نموذج، ف”عمار” كان من أعوان السلطة البائدة وحين حدث الحصار الاقتصادي علي العراق حاولت السلطة أن تجد منافذ، لها فقامت بإنشاء شركات ومؤسسات اقتصادية ضخمة في الخارج، لتساعدها وتخفف من وطأة الحصار الاقتصادي عليها.
وأذيال السلطة كانوا هم من يديرون تلك اللعبة ويتعاونون مع أفراد كثيرون، منهم رجال في المعارضة مثل “كمال ياسين”، الذي يعد نموذجا للمعارض الذي يخون مبادئه ورفاقه لأجل مصالحه الشخصية. وحتى حين حدث الاحتلال وتم إسقاط رأس السلطة ظلت الأذيال علي قوتها وغيرت عباءتها، ليصبحوا رجال أعمال يديرون أعمالهم من أموال السلطة القديمة ويهيئون لأنفسهم مصالح في كعكة السلطة الجديدة، عاقدين الاتفاقات ومجمعين حولهم أطياف المعارضة المختلفة. لذا فمن سقط فقط هو رأس السلطة وظلت مكونات السلطة باقية تبحث عن مكاسب في ظل الوضع الجديد وتحصل عليها.
معارضة خائنة..
كما تناولت الرواية أطراف المعارضة علي اختلافها، من أقصي اليمين إلى أقصي اليسار، وكيف أنهم يلعبون أيضا نفس لعبة المصالح. منهم من يتعاون مع السلطة القديمة ويجني الأموال، ومنهم من يتحين سقوط السلطة لكي يجد لنفسه موطئ قدم في السلطة الجديدة، وهذا ما حدث بالفعل، أحزاب دينية ويسارية، وما بينهم، عقدت الاتفاقات مع الاحتلال ليكونوا هم أصحاب السلطة الجدد، الذين عاثوا في الأرض فسادا ومرروا كل سياسيات الاحتلال من اقتتال طائفي وتدمير وتفجيرات وقبض واعتقالات.
ومن حاول أن يحافظ علي استقامته ونقاءه وحبه لوطنه ودفاعه عنه مثل “زياد”، لم يجد إلا الملاحقة ومحاولات الاغتيال المتعددة والمتوالية وأصبح عاجزا علي أن يعيش حياة آمنة وطبيعية.
الحب وسط الخراب..
رغم كل ملامح الخراب التي عاني منه العراق قبل الاحتلال وبعده إلا أن الحب ظل موجودا، يعاني من الانهزام والانكسار والرعب والتخويف، يحاول الحب أن يبق ويستمر لكنه يتعرض لضربات متوالية، مثلما حدث مع “هالة” في علاقتها برجالها الثلاث. لم يستمر الحب طويلا حتى علاقتها ب”زياد” التي كانت تشعر أنها أكثر عمقا ونقاء لم تكتمل، بسبب موته المفاجئ، لكن الرواية رغم ذلك لا تنغلق علي الانهزام والانكسار وإنما أعطت الأمل، حين وجدت “هالة” نفسها وقد حملت جنين “زياد”، وكأن الرواية أرادت أن ترمز إلي استمرار الحياة ووجود أجيال لاحقة علها ترى أحوال أفضل وأجمل لبلدهم.
الكاتب..
“أحمد غانم عبد الجليل” كاتب عراقي، مواليد 1973 بغداد، حاصل علي بكالوريوس اقتصاد ـ جامعة بغداد. صدر له:
– رواية “بين الجنة والنار” عن مركز المحروسة للنشر والتوزيع والخدمات الصحفية، مصر 2010.
– رواية “عند شواطئ أندلوسيا” عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، الأردن 2015.
– “نساء من بلاد الشرق” عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2020.
– رواية “عصفورة الكواليس”.