رواية عرس عبد.. العبودية مظلة كبيرة للممارسات الوحشية ضد الإنسان

رواية عرس عبد.. العبودية مظلة كبيرة للممارسات الوحشية ضد الإنسان

 

خاص: قراءة – سماح عادل

رواية “عرس عبد” للكاتب السوداني “محمد خير عبد الله”  تحكي عن العبودية، وعن استمرارها رغم إلغاء الحكومة لها بشكل رسمي.

الشخصيات..

جابو الله: البطل، فتى ولد لأب وأم عبدين لدى عائلة رجل غني اسمه “قاسم”، وقد تعلم في الجامعة واستطاع أن يجد وظيفة لدى الحكومة، وتملكته رغبة الانتقام من سنوات عبوديته بالزواج من ابنة العائلة التي تربي في كنفها عبدا.

قاسم: رجل ثري ورث ثروة كبيرة عن أبيه، يتعامل برفق مع عبيده الذين ورثهم أيضا، لكنه رغم ذلك لم يقبل فكرة أن تتزوج ابنته من عبد.

ست النفر: زوجة “قاسم” ورغم أنها تتعامل بطيبة مع العبيد إلا أنها أيضا ترفض اختلاط العبيد مع الأحرار.

خميس: أبو “جابو الله”، وجد نفسه في عهدة عائلة “قاسم” وارتضى بعبوديته، تزوج وفقا لإرادة سيده وأنجب لكي يعطي له عبدا جديدا، حتى حين أعطاه سيده الحرية لم يتمتع بها لأنه ظل يخدم تلك العائلة.

السرة: زوجة “خميس” وهي عبدة أيضا، تزوجت منه بغير إرادتها وأنجبت خدمة للعائلة التي تملكها وظلت تدين بالولاء لتلك العائلة.

سليمان: شيخ الجامع، يقال عنه أنه يتحرش بالأطفال.

عيسى: العمدة، فاسد ويعمل لمصالحه، ويريد الزواج من ابنة “قاسم” ويسعى للإيقاع به عن طريق التلاعب في الإبلاغ عن ضرائبه.

حسين النمام: شخص يحب النميمة، هو المسئول عن تداول الإشاعات والأخبار والحكايات في القرية.

شذى: ابنة “قاسم”، كانت تعامل “جابو الله” بسخرية واستهزاء وتناديه بالعبد وتقلل من شأنه دوما.

الراوي..

الراوي هو رجل من أهل القرية يحكي عن الشخصيات، ثم يكشف نفسه قرب نهاية الرواية معلنا أنه يتقابل مع الشخصيات ليعرف وجهة نظرهم في القضية الأساسية التي تدور في الرواية. يحكي عن الشخصيات دون سبر أغوارهم سوى “جابو الله” الذي بين ما يشعر به ويفكر فيه.

السرد..

الرواية قصيرة تقع في حوالي 144 صفحة من القطع المتوسط، تدور حول فكرة رئيسية وهي زواج العبد من السيدة الحرة، وهل هو أمر مقبول أم مستهجن لدى المجتمع، وتتناول الرواية تلك الفكرة من كل جوانبها ومن خلال وجهة نظر كل الشخصيات وتنتهي الرواية نهاية مفتوحة.

انتهاء العبودية رسميا..

الرواية تدور في قرية “حينماب” وهي قرية مثل كل القرى في السودان، ولم يحدد الكاتب زمنا معينا تدور فيه الأحداث لكن نعرف من السياق أنه زمن أنهت فيه الحكومة العبودية، وأن هناك احتلال للبلاد، الفترة التي تدور فيها الرواية ما بعد قرار الحكومة بإنهاء العبودية واستجابة بعض الأغنياء لهذا القرار، ومراوغة البعض الآخر لهذا القرار والالتفاف عليه.

لكن جميعهم مازالوا متمسكين بحقهم في امتلاك رقبة الناس حتى الذين يتعاملون بإنسانية مع العبيد مثل “قاسم”، فهو رغم أنه يرفض أن يخصى عبيده أو يقطع أعضاءهم التناسلية ويرفض معاملتهم بقسوة، ويرفض استغلال جسد النساء منهن واستباحته أو تقديمه لأصحابه، لكنه رغم ذلك مقتنع بالعبودية وأن هناك فرق بين العبيد والأحرار، رغم أنه تماشى مع قرار الحكومة واعتق أكثر من عبد من ممتلكاته.

وهذا يحيلنا إلى المعاملة الوحشية التي كان يتعامل بها العبيد وقت أن كانت العبودية أمر ا طبيعيا في المجتمع ومقبول ومعمول به، وهو إخصاء العبيد أي إفقادهم القدرة على الإنجاب وذلك بتشويه عضو في جسدهم، وقد تمتد الوحشية ببعض الملاك إلى قطع عضو التناسل لدى العبد وهذه وحشية بحق الإنسان الذين يمتلكون رقبته، والوحشية أيضا تمتد لأن يمتلكوا رقاب من ينجبونهم من الأبناء، وكأنهم حيوانات يدجنونها ليستفيدوا من ذريتها، فيسعى المالك إلى زيادة عدد عبيده بتزويجهم بغرض الإنجاب، وحين يولد الطفل إذا كان ضعيف البنية يأمر بعض الملاك بقتله حتى لا يتحملوا عبء تربية طفل مريض، فيأمرون الجارية بخنق طفلها ويرمون بجثته دون دفن، إما إذا كان قوي البنية فيتم إدراجه في طابور الخدمة منذ طفولته المبكرة.

العبودية لم تنته..

تتناول الرواية فكرة هامة وهي أنه ورغم قرار الدولة بإنهاء العبودية إلا أنه على مستوى الثقافة المجتمعية وعلى مستوى وعي الناس لم تنته العبودية بشكل حقيقي، فالعبودية لا تلغي بقرار سلطوي فوقي وإنما تنتهي بحركة اجتماعية ثورية لها منظومة أفكارها التقدمية التي تنتصر للإنسانية وللمساواة.

وكانت قرية “حينماب” نموذج لباقي القرى والأماكن في المجتمع، حيث يحتفظ الناس بأفكارهم حول العبودية واعتقادهم الراسخ أن هناك فرق كبير ما بين العبيد والأحرار، حتى لو حررتهم الدولة وأقرت بحقهم في التعليم وفي نيل الوظائف وأعطتهم رواتب وربما منازل، يبقى العبد عبدا مهما مر الزمن ومهما اختلف شأنه أو صعد طبقيا أواختلفت حالته الاجتماعية والاقتصادية.

نستنتج ذلك من الحكايات التي يحكيها الأشخاص في القرية عن الناس الذين كانوا عبيدا ثم تغيرت حياتهم، أو تزوجوا من سيدات من الأحرار، وكيف أن العبيد كانوا ينتقمون منهن ويعاملونهم بقسوة، تشير تلك الحكايات إلى الاعتقاد الراسخ أن العبد يبقى عبدا وأن أخلاقه ليست كأخلاق الأحرار، لكنها ربما أيضا تشير إلى وجود انتقام حقيقي يسعى العبيد إليه، انتقاما من الحياة القاسية التي عاشوها، لكن هل هناك لوم عليهم بعد تعرضهم للقساوة والوحشية.

زواج العبد من الحرة..

والفكرة الرئيسية التي تدور حولها الرواية هي فكرة زواج العبد من الحرة، أغلب الشخصيات في الرواية والقرية يرفضون ذلك، معتقدين اعتقادا راسخا أن هذا زواج غير متكافئ، فكيف يتساوي العبد بالحرة، حتى وإن كان متعلما تعليما عاليا أو موظف، واعتبر “قاسم” طلب “جابو الله” أن يتزوج ابنته تطاول عليه وتجرؤ وطرده من المنزل، حتى أن “خميس” و”السرة” أنفسهما اعتقدا أنه ليس من حق ابنهما أن يتزوج بحرة لأنهما في داخلهما مقتنعان أن العبودية قدر لهما ولابد من تقبله، بل والاحتفاظ بالشكر والامتنان تجاه العائلة التي استعبدتهما طوال حياتهما.

والعمدة وشيخ الجامع وحسين النمام وباقي الفاسدين من أهل القرية يرفضون لأن العبد أدنى من الحرة ولا يجوز له التساوي بها، إما “شذى” نفسها فكنت فتاة متعجرفة، ورغم أنها دخلت الجامعة إلا أن التعليم لم يجعلها تمتلك الوعي أو الإحساس بالإنسانية، فظلت تعامل “جابو الله” بقسوة وعجرفة وتعالي.

“جابو الله” وسيدة أخرى قابلها في العاصمة ورجل تقدمي يدعى “أسامة خضر” هم من الذين يناهضون العبودية ويحاربونها، اقتنع “جابو الله” بحقه الإنساني في المساواة بعد دخوله الجامعة وتعرفه على الأفكار التقدمية التي تدعو لنصرة الإنسان والمساواة، و”أسامة خضر” رغم أنه من عائلة غنية إلا أنه قرر أن يدافع عن المظلومين، وعن العبيد الذين قست عليهم الحياة، حتى أنه يتطوع لمساعد الناس الذين أدت العبودية إلى خراب حياتهم، ومنهن فتيات الليل اللاتي دفعتهن العبودية إلى بيع أجسادهن جبرا.

والسيدة التي قابلها “جابو الله” في العاصمة رغم أنها غير متعلمة ولم تطلع على الأفكار التقدمية، إلا إنها بحسها الإنساني عرفت أن العبودية أمر ضد الإنسانية، وأنها حين خطفت وهي طفلة وتحولت إلى عبدة لم يكن ذلك قدرا وإنما كان ظلما، وأن كل ما عانته بعد ذلك في الحياة لم تكن تستحقه لذا رفضت العبودية من داخلها، وعرفت أنها ظلم وليس عرف لابد من الاقتناع به.

عرب وعبيد..

الفكرة الأهم التي يمكن استنتاجها من الرواية هي أن العبودية في السودان تنطوي على تمييز أكبر، وهو أن العبيد هم من أصحاب الأرض الأصلية، وأن الأحرار هم الناس من الأصول العربية أو من يدعون ذلك، والذي أتوا أو تناسلوا وتكاثروا نتيجة احتلال العرب لبلاد السودان، والذين هاجروا فيما بعد، بعد احتلال السودان، وأن المجتمع ينطوي على تراتبية مقيتة تعتمد على أن العرب أو من هم من أصول عربية أو من اختلطوا مع العرب هم من الطبقة الأعلى، ومن الأحرار أصحاب الشرف والقيمة، بينما أصحاب البلاد والأرض الذين تم احتلالهم واستغلالهم واستغلال خيراتهم يعاملون معاملة العبيد، ويفقدون أية قيمة اجتماعية أو اقتصادية ،ويمتد استعبادهم سنوات طوال، وحتى حين تنتهي العبودية رسميا يظلون يعانون من العنصرية ومن الاضطهاد والوصم، وهذا أمر خطير مما ينبئ عن كارثية العنصرية التي يعاني منها المجتمع السوداني والتي ربما تنتهي بتغيير مجتمعي حقيقي.

هذه هي الرواية الثانية التي قرأتها للكاتب المميز “محمد خير عبد الله” والتي تتناول العبودية والعنصرية، وربما قرر الكاتب أن يكتب عن تلك القضية الهامة في أعماله الأدبية، وهو يتناول تلك القضية بحرفية عالية وبراعة، وفي هذه الرواية قدم وجهات النظر المختلفة للشخصيات وتناول مسألة العبودية من جميع الجهات. ورصد على تفاصيل الوحشية التي تدور في ظل العبودية كعنوان كبير.

الكاتب..

“محمد خير عبد الله” هو كاتب وقاص وروائي سوداني ذائع الصيت، عرف بتمرده وأسلوبه في الكتابة المتفرد، وهو رئيس نادي القصة السوداني، أخر رواية صدرت للكاتب حديثا عن دار رفيقي للطباعة والنشر رواية “عرس عبد”، 2020.

ولد “محمد خير عبد الله” في ولاية النيل الأبيض بمدينة الفشاشوية في عام 1946، أما مراحلة التعليمية  درس الابتدائي في الفشاشوية ثم الثانوي بمدينة كوستي، ونال الدبلوم تعليم بمنظة سولو ودبلوم تصوير فوتوغرافي بوزارة الثقافة.

في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي عمل “محمد خير” موظفا بالإعلام الزراعي في وزارة الزراعة والثروة الحيوانية، وعند انقلاب عمر البشير على السلطة في عام 1989م، قام بفصل الآلاف من العاملين الذين لا ينتمون لتنظيم الجبهة الإسلامية القومية، فيما يعرف بسياسة التمكين، صار كاتبا صحفيا بكل من صحيفة (الخبر والصحافة ودنيا وصحيفة الرأي العام وصحيفة القرار).

أعماله:

مجموعتين  قصصيتين:

– “حنيميات” ( مجموعة قصصية) صدرت في عام 1999.

– “هذا هذا” (مجموعة قصصية) أيضاً صدرت في عام 1999.

الروايات:

– لعنة الحنيماب (2005).

– هذيان كهل (2001).

– ليلة قتلني الرئيس (2011).

– سيرة قذرة (2014) وكانت قد منعت من النشر في فترة حكم الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، عبر المصنفات الأدبية التي تتبع لوزارة الثقافة والإعلام التي كانت تعمل على التضييق على الكتاب والروائيين.

– “شجن الروح شغف الجسد” صدرت في عام 2016م.

-رواية “المانوس” صدرت في عام (2016).

– رواية حيثيات وصل الأمانة، ورواية  انتفاخ رئاسي، ورواية عرس عبد.

وفي المجال العام أنشأ نادي القصة السوداني وأندية اليونيسكو/ وصار نائباً لرئيس الاتحاد ورئيس نادي القصة السوداني ومدير عام مجلة سرديات ومدير عام لصحيفة القصة السودانية ولديه الآن أكثر من سبعة مخطوطات في الرواية.

– في عام 2019 صدرت للكاتب كتاب تحت عنوان “أيام مع أبي ذر (أو حينما كانت الخرطوم في قبضة الأصدقاء”، الكتاب يتناول حياة الكتاب والمثقفين في السودان إبان حقبة الثمانينات، وأن الكاتب والصادق الرضي أصدقاء، يرتكز الكتاب بشكل أدق حول حياة الشاعر الفذ أبي ذر الغفاري السوداني  وهو الصديق الحميم للكتاب الذي اختفي في ظروف غامضة.

جوائز:

  • الجائزة مركز عبد الكريم ميرغني (جائزة الطيب صالح).
  • الجائزة الأولى للرواية العربية التي أطلقتها دار الفكر العربي بالدمام.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة