خاص: قراءة- سماح عادل
رواية (عبء رجل قنوع) للكاتب اللبناني “مرتضى الأمين” تحكي عن الحنين إلى الماضي، ذلك الماضي الذي لم يكتمل بسبب حماقات ارتكبناها.
الشخصيات..
البطل: رجل في منتصف العمر، يعمل طبيبا، شعر بالحنين إلى أيام الماضي، وخاصة لتلك الفترة التي قضاها في أوكرانيا في مدينة “كييف” حين كان طالبا في الجامعة، والحنين إلى فتاتان تعرف عليهما هناك، إحداهما أحبها كثيرا، لكنه قرر الزواج من امرأة من بلده، وبعد أن عاش معها سنوات طويلة فكر في العودة لرؤية هاتين الفتاتين ومعرفة ما حدث لهما.
إيرا: فتاة شابة، مزاجية، تدخل في علاقات جنسية كثيرة كرد فعل على قسوة أمها ولا مبالاتها، تنتهي حياتها في إحدى المستشفيات الكئيبة تعالج من مرض السرطان وتهجرها أمها.
أولغا: كانت فتاة صغيرها حين أحبها البطل، وظلت معه عدة سنوات يسكنان مع بعض تقريبا، كانت تحبه بجنون وترعاه وتطيعه لكنه في النهاية يتركها ليتزوج من بلده ولا يهتم لمعاناتها، حين يعود ستعامله بلطف.
الراوي..
تتميز الرواية بتقنية تعدد الأصوات، حيث يحكي البطل أولا ثم يأتي صوت زوجه ليحكي عن نفس الأحداث التي حكاها البطل من وجهة نظرها هي، ثم يعود البطل ليحكي، ويأتي صوت “أولغا” ثم صوت “ايرا” بعد ذلك، وهذا يعطي للرواية ثراء وتنوعا لأنها تحوي وجهات نظر جميع أبطال الرواية، كل يحكي من خلال رؤيته للآخر وفهمه له.
السرد..
السرد محكم البناء، اعتمد في البداية على التشويق، وكان الراوي البطل يحاول كسر الإيهام بينه وبين القارئ، ويحكي بطريقة مشوقه عن كيفية حكيه داخل الرواية، كما يحكي عن المشاهد وعن خباياها التي لم يعرفها الأشخاص، الرواية تقع في حوالي159 صفحة من القطع المتوسط .
الحنين إلى ماضي جميل..
أهم ما تحكيه الرواية هو حنين البطل إلى ماضي جميل تركه بإرادته، فهو قد ترك “أولغا” غير عابئا بحزنها ومعاناتها وقرر أن يتزوج من امرأة من بلدته، دون إيضاح أسباب ذلك ل”أولغا” أو حتى أثناء حكيه، ولكن بعد سنوات طويلة وبعد إنجابه لطفلين يتلهف إلى العودة لرؤيتها، لم يصرح في بداية الرواية بذلك وإنما يجعل القارئ متشوق لمعرفة من التي يبحث عنها، ويحكي عن “ايرا” طويلا إلى أن يكشف أن “أولغا” هي حبيبته التي يحن إليها.
وحين يعود بعد بعض التردد منه وسعيه للاتصال ب”ايرا” كثيرا تقابله “أولغا” بحياد، ثم ما تلبث أن تسمح لشوقها إليه بالخروج وتعامله بحميمية وكأنها تواصل أيامها معه دون سنوات الانقطاع.
لا تخبره “أولغا” أنها أنجبت منه طفلتها وهذا يتضح من سياق السرد، لكنها تكتفي بإطفاء شوقها إليه وفقط، كما تصحبه معها ليرى “ايرا” في المستشفى التي تتعالج بها، وحين يراها يعرف أنه سيتعذب باقي أيام العطلة التي حددها لنفسه.
بطل ضد..
يلاحظ أن شخصية البطل شخصية سلبية يمكن اعتبارها بطل ضد، فهو انطوائي لا يجيد العبير عن نفسه ولا يقيم علاقات حقيقية، مع زملاء العمل الذي تجاهلوه لدى عودته، ولم يكلف أحد منهم نفسه بإظهار أنه تذكره، وكان تفسير زوجته لذلك أنه ربما كان هو بحياده غير مهما بالنسبة لهم، كما أنه ينسى فذاكرته تلاعبه، لا يهتم بأشياء كثيرة، لا يعرف اسم النهر في مدينة عاش بها ثلاث سنوات، وإن عرفه فسينساه سريعا، صموت لا يتحدث كثيرا لكن حين اقترب من “أولغا” في علاقتهما كان يكثر من الحديث معها.
هو أيضا يتمتع بسلبية مطلقة مع زوجته، حتى أنها قررت أن تنظم عطلتهما بتفاصيلها الدقيقة بنفسها دون الاعتماد عليه حتى لا يفسد الأمور، ومع كل النساء اللاتي دخلن حياته يتعامل بمنطق رد الفعل، “ايرا” هي التي تتقرب منه والتي تقرر متى يمارسان الجنس، وحين ترفض أو تعانده يتعامل بسلبية ويظل مترددا ومحتارا. مع “أولغا” أيضا يبدو كطفل فهي التي ترعاه وتهتم به، وهو يكتفي بتلقي تلك الرعاية وحتى حين عاد لرؤيتها لم يكلف نفسه عناء الاعتذار أو التقرب إليها بشكل حميمي، وظل في خانة رد الفعل ينتظر منها أن تقوم بالفعل أولا ويستجيب هو له.
على الناحية الأخرى نجد الشخصيات النسائية فاعلة، الزوجة هي من تقرر كل شيء، وهي من تتحرك بفاعلية لترى معالم المدينة السياحية، وهي من تذكره دوما بالتفاصيل وتحضر معها الخرائط، ورغم شعورها بعدم الأمان والتشكك من الغرباء إلا أنها هي من تتولى زمام الأمور، و”ايرا” هي أيضا من تدير علاقتهما في السابق بصخب، و”أولغا” كانت تفعل ذلك وهي التي بادرت بكسر حاجز الصمت بينهما حين عاد، وهي من قررت كيف يكون يومهما الأول وهو يكتفي بالقبول.
الراوية مميزة في شكلها وبنتيها وطريقة الحكي، كما أنها قدمت شخصيات تنطوي على عمق رغم أنها قصيرة وتناولت موضوع بسيط.
الكاتب..
“مرتضى الأمين”، “كاتب لبناني” من مواليد 1957، بدأ النشر في الصحف بعد خروجه من المعتقل في الخيام في العام 1988.
صدر له:
- بعض القسوة، قصص ، 1994
- مخلوقات غريبة، قصص، 1997.
- ظل الجدار، سيرة سجن، 1997
- اصوات حادة، رواية 2000.
- رجل المطاط، قصص، 2005
- أذى، رواية، 2014
- القراءات المستحياة، 2016
- مرايا القراءة، 2017
- عبء رجل قنوع، 2018
