13 أبريل، 2024 9:05 ص
Search
Close this search box.

رواية طعام معاناة حب.. الطعام قد يلهم الناس خبرات في تفهم الحياة

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “طعام معاناة حب” للكاتبة التركية “آسلي بيركر” رواية بها روح المرأة في التعامل مع الحياة ومآسيها وإخفاقاتها، فهي تحكي عن ثلاثة شخصيات رئيسية تعرضوا لمآسي ومواقف حياتية فارقة، امرأتان ورجل كل شخصية تعيش في مدينة مختلفة، وعندما اشتدت بهم الأحزان وفقدوا توازنهم النفسي كان الطعام، وبالتحديد نوع معين منه، هو الملجأ لتجاوز تلك المآسي ولاستعادة توازنهم النفسي، وهو “السوفليه”، وصفة فرنسية يعرفها العالم.

الشخصيات..

ليليا: سيدة فليبينية، عمرها 62 عاما، جاءت إلى أمريكا لتحقيق أحلامها ولتصبح رسامة شهيرة، لكنها تزوجت من زوج أمريكي وعاشت معه سنوات طويلة، وتبنت طفلين من فيتنام واشترت منزل كبير لأجل تربيتهما، وعاشت حياة طويلة من الطاعة لزوجها ومراعاته ومراعاة أولادها، وتركت أحلامها وعاشت لهم في حياة زوجية يتحكم فيها زوجها تماما، وهي منسحقة تجاهه إلى أن مرض زوجها وبدأت تعي نوع الحياة التي عاشتها والتي ضاعت سنوات عمرها فيها.

آرني: زوج “ليليا”، متطلب، يحب العزلة، متسلط حتى أنه يمنع زوجة من التحدث أثناء الطعام، ومن إصدار الأصوات، ويطلب منها الحفاظ على الهدوء التام في المنزل، وهو ينعزل في حياته حتى أنها قضت أكثر من نصف حياتها معه وحيدة، ويمرض في النهاية لكنه سيعاملها بلؤم وسيتعمد إثارة غضبها والحفاظ على سلطته عليها، وسيغضب عندما يجدها سعيدة.

مارك: رجل فرنسي يتجاوز الخمسين من عمره، ماتت زوجته “كلارا” في بداية الرواية وكان يحبها كثيرا، لم ينجب أطفالا وكانت زوجته كل حياته، حتى أنه كان يتعامل مع الناس ومع الحياة من خلالها، ثم يفقدها فجأة ليجد نفسه وحيدا وخائفا.

 

فيردا: سيدة تجاوزت الستين من عمرها، تعيش في اسطنبول ولديها ابن وابنة، وتعيش مع زوجها “سنان” الذي يحبها، ثم فجأة تتعرض أمها لكسر في الورك وقد تجاوزت الثمانين من عمرها، وتضطر إلى جلبها لتعيش معها وتتحمل أمها التي تتسم بصفات سيئة، فهي منذ أن كانت طفلة اضطرت إلى رعاية أمها غريبة الأطوار، التي توفى عنها زوجها وأصبحت عرضة لنوبات إغماء متكررة، ونوبات اكتئاب، وتركت مسئولية المنزل والحياة لابنتها منذ صغرها، ورغم أنها كانت تتمتع بصحة جيدة إلا أنها عاشت طوال عمرها في وهم أنها مريضة، وتقوم بالمبالغة في ذلك، وبالفعل عذبت “فيردا” أثناء رعايتها لها في مرضها الأخير، وكانت تنتابها حالات نفسية غريبة، تتقمص فيها شخصيات مختلفة وتقول كلاما سيئا وتصرخ بصوت عال وتزعج ابنتها طوال الوقت، حتى أنها لا تجد وقتا للاستراحة والتقاط الأنفاس.

الراوي..
الراوي عليم يحكي بضمير الغائب، ويتنقل في الحكي بين الشخصيات الثلاثة، ويرصد تحولاتهم النفسية ومشاعرهم وأفكارهم كما يحكي الأحداث وانعكاساتها عليهم.

السرد..

السرد محكم البناء يعتمد على التقطيع في الحكي عن الشخصيات الثلاث، اللغة سلسة، والرواية تعتمد على تحليل دواخل الشخصيات ورصد التغيرات النفسية التي تحدث، الرواية تقع في حوالي 310 صفحة من القطع المتوسط.

الطعام حين يلهم الناس خبرات في تفهم الحياة..

تتناول الرواية أفكار هامة، وأهم ما يميزها أنها تتناول كيفية التعامل مع الحياة وأحداثها وفواجعها، والخيانات التي تحدث فيها وتقلبها ومرور الزمن، من خلال ثلاث شخصيات، امرأتان ورجل يعيشون في “نيويورك” و”باريس” و”اسطنبول”، تبين الرواية أن الحياة ليست عادلة تماما، وأنها رغم أن الإنسان يعيشها وفق قواعد وخطوات متعارف عليها ومقبولة انسانيا إلا أنها من الممكن ألا تكون جيدة، بل ورغم أن الإنسان يعيشها بنزاهة وبحب ويقوم بما عليه كاملا إلا أن النتائج لا تكون مرضية تماما، مثل “السوفليه” والذي يحرص الطباخ على إتباع الخطوات الصحيحة في إعداده لكنه تحدي كبير، رغم سهوله الخطوات فهو لا يصبح مثاليا إلا بعد ممارسة طويلة والتقاط الفهم والخبرة في إعداده، هو كالحياة يجب أن نمارسها بحب وبصبر لمعرفة كيف نديرها وكيف نتحكم في أن تكون مثالية.

وهذا ما فعله “مارك” حين ماتت “كلارا” فجأة وفقد توازنه النفسي وأصبح خائفا ومذعورا وحزينا، يهرب من الناس الذين كانوا يعرفون “كلارا” ويختفي من أشياؤها التي تذكره بمأساته، وظل على هذه الحال أياما طويلة لكنه قرر وبشكل حاسم أن يجيد التعامل مع حياته ومآساته، وأخذ القرار وبدأ من مطبخ “كلارا” نفسه، لكنه اشترى أدوات جديدة وبدأ في تعلم الطبخ، الذي تعاملت معه الرواية على أنه طريقة هذه الشخصيات الثلاث في التعامل مع أزماتهم والخروج من الحزن والمآسي، والبحث عن دعم نفسي ما في تجارب إعداد الطعام وإجادة صنعه.

“ليليا” أيضا عندما اكتشفت أنها عاشت سنوات طويلة في حياة زائفة، وأن زوجها الذي ظنت أنها شاركته الحياة تلاعب بها وأجبرها على عيش حياة بائسة كانت منسحقة فيها ومستغنية عن كل ما يمتعها، وفي النهاية حرمها من أموالها وجعلها توقع على أوراق تحرمها من أن تكون شريكته في أموال الأسرة، وحينما تطلب الطلاق لا تحصل على أية أموال، وحين يموت تتقاسم الأموال مع الطفلين الذين تبنياهما، والطفلان أنفسهما تعاملا معها بقسوة رغم أنها ربتهما وضحت بعشر سنوات من عمرها في ذلك، وتركت أحلامها وعاشت في بيت كبير في “نيويورك” لكي توفر لهم حياة أسرية هانئة، لكنهما بعد أن كبرا تنكرا لها واتهماها أنها تبنتهما لكي تحصل على مساعدات حكومية، متجاهلين الأموال التي أنفقتها هي وزوجها على تعليمهما وتربيتهما، وفي النهاية تعاملا معها بجفاء.

فكرت “ليليا” أن تعود إلى الفلبين بعد أن أصبحت عالقة في رعاية زوجها الذي أصيب بعدة جلطات أفقدته القدرة على الحركة، وبالفعل استعدت لعمل ذلك، واستعانت بالطبخ وتجريب وصفات جديدة وبالمستأجرين الذين جلبتهم لكي تحسن وضع أسرتها المالي لكي تستمد الدعم النفسي، لكنها في النهاية تموت دون أن تحقق ما خططت له، ويكون الموت مخرجها من حياتها البائسة.

“فيردا” أيضا لها مآساتها، فقد عاشت طوال حياتها في خدمة أمها المريضة والمكتئبة طوال حياتها، حتى أنها لم تكمل تعليمها ولم تدخل الجامعة واستغنت عن حلمها في أن تحقق شيئا خاصا بها، وارتضت أن تتزوج من “سنان” الذي يحبها لتتحول إلى ربة منزل وفقط، وفي النهاية وبعد أن بلغت الستين تعود أمها لتثقل عليها بمرض جديد، وتعذبها بتهيؤات ونوبات خيال وتشتت، ويكون المطبخ ملجأ “فيردا” لاستعادة توازنها النفسي، وتجرب الشخصيات الثلاث “السوفليه” الذي جمعهم رغم بعد الأماكن التي يعيشونها فيها، وكان “السوفليه” وسيلتهم في تعلم كيفية إدارة الأمور ومعرفة أن الخبرة في ممارسة الحياة هي ما تعطيها نجاحها.

الرواية رائعة فيها الحس الأثنوي في التعامل مع الحياة، وفيها إعطاء قيمة كبيرة للطبخ كطريقة لفهم الحياة وليس فقط وسيلة لإعداد الطعام، كما أنها رصدت مشاعر إنسانية واستجابات شعورية إنسانية في حالات الأزمات والمآسي، كما أنها كانت ايجابية في تناول ذلك حتى موت “ليليا” وموت “كلارا” كان لطيفا ولم يكن مخيفا في وصفه، ورصدت بعين المرأة أحاسيس الرجل “مارك” أثناء الفقد، وأحاسيس النساء وخصوصيتهن في التعامل مع الحياة وتفاصيلها.

الكاتبة..

“أسلي بيركر” كاتبة تركية  ولدت عام 1975 في إزمير. أكملت التعليم الابتدائي والثانوي في مدن الأناضول المختلفة بسبب عمل والدها. بعد تخرجها من جامعة “دوكوز أيلول”، كلية العلوم والآداب، قسم الثقافة والأدب الأمريكي، عملت كصحفية في المجلات Aktüel ، Radikal ، Yeni Millennium . بعد انتقالها إلى نيويورك في عام 2001 لتعمل كمراسل مستقل وصحفي ركزت انتباهها على الأدب، ونشرت روايتها الأولى “رائحة الآخرين” في عام 2005. نُشر كتابها الثاني، “مقبرة الجلاد”، في عام 2009، وتتبعه “ثمانية منها” في عام 2011، وترجمت إلى 23 لغة. تم نشر روايتها الأخيرة “ساعدني” في سبتمبر 2015. بعد عودتها إلى اسطنبول  من نيويورك في عام 2010  عملت كاتبة عمود في الصحف اليومية التركية بما في ذلك Milliyet ، كمدونة وكاتبة عمود في العديد من المنشورات عبر الإنترنت ، وهي حاليًا رئيسة تحرير دار النشر التركية Beyaz Baykus Yayinlari.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب