23 ديسمبر، 2024 3:19 م

رواية “طشاري” .. تحكي وجع الشتات في بلدان العالم

رواية “طشاري” .. تحكي وجع الشتات في بلدان العالم

خاص : قراءة – سماح عادل :

في روايتها (طشاري) تحكي الكاتبة العراقية “إنعام كه جه” عن الشتات.. اضطرار العراقيين إلى الهجرة لأسباب عدة ومحاولتهم العيش في المجتمعات الجديدة، كيف يتغلبون على الحنين لأولادهم وأقاربهم ولماضي سعيد عاشوا فيه حياة كاملة، وافتقادهم لوطن جمعهم في يوم ما ولازال يسكن فيهم.

وردية اسكندر..

تبدأ الرواية بالبطلة “وردية إسكندر”.. سيدة في الثمانين من عمرها تجلس على كرسي متحرك لأن قدميها لا تحملها كما يجب، تحضر احتفال للرئيس الفرنسي الذي يستقبل بابا الفاتيكان، وتنتشي للمعاملة الطيبة التي وجدتها كلاجئة عراقية في هذا الحفل، اضطرت الطبيبة “وردية” إلى الهجرة إلى فرنسا بعد أن هاجر أولادها الثلاث في بلدان متفرقة، وبعد أن فقدت زوجها ورفيق عمرها الطيبب “جرجس” وأصبحت مهددة في وطنها.. فشلت في أن تلتحق بابنتها الكبرى “هنده” في كندا لأن كندا رفضت أن تتحمل عملية تغيير مفصل لركبتها وذهبت إلى باريس لتعيش بجوار ابنة أخيها.

الرواية تتنقل في الزمن ما بين الخمسينيات والستينيات والوقت الحاضر ثم تعود للماضي مرة أخرى، تحكي عن “وردية” حين التحقت بكلية الطب وخوفها كشابة تنتمي لأول جيل من الشابات اللاتي أصبحن طبيبات ومعلمات وعاملات في وطن ينمو ويحاول أن ينهض بأبنائه، وتحكي رهبتها حين ضغط عليها أهلها لتكون طبيبة ثم رهبتها من العمل في منطقة بعيدة, “الديوانية”, وترك أهلها، وكيف نضجت هي الفتاة الباكية التي تمتلئ عينيها بالدموع لأقل سبب واستطاعت أن  تتجاوز عقبات معالجة السيدات في قرية نائية، ووثقن بها حتى أصبحت طبيبة شهيرة بينهن وعاشت في الديوانية أغلب عمرها بعد أن تزوجت بزميل لها وأنجبت أبناءها.

الشخصيات..

الرواية مليئة بشخصيات غنية، “وردية اسكندر” البطلة، وابنة أخوها التي رحلت إلى باريس في شبابها بصحبة زوجها وابنها “اسكندر” الطفل، وعانت من ظروف الهجرة وويلاتها حتى استطاعت هي وزوجها أن تستقر، لكنها رغم ذلك ظلت مسكونة بوطنها تكتب عنه قصائد شعر وتحكي عنه لابنها، وتسمع أغانيه لتهدأ روحها، وحين أتت عمتها لباريس سعدت أن ابنها المراهق “اسكندر” أصبح يهتم بوطنه أخيراً ويتعرف على لغته وتاريخه وحتى كوارثه ومآسيه.

وشخصية “اسكندر” المراهق الذي يندهش في البداية من عمة أمه، لكنه يألفها بعد ذلك ويحب صحبتها وتثير لديه فضول حول وطنه، حتى أنه يسعى لتجميع العائلة الكبيرة في مقبرة افتراضية على الانترنت، ويعمل بحماس ليجتمع أموات العائلة وحتى أحيائهم في مكان حتى لو كان افتراضياً، ويجعله اقترابه وشغفه بوطنه يزداد نضجاً.

شخصية “هنده” الابنة الكبرى للطبيبة “وردية” التي تحكي عن طفولتها وشغفها بمهنة أمها حتى تصبح هي أيضاً طبيبة، لكن الحروب والكوارث تجبرها على السفر إلى الأردن أول الأمر بصحبة زوجها وأبنائها، ثم تهاجر إلى كندا وتعمل مثل أمها في منطقة نائية للهنود الحمر، السكان الأصليين لكندا، وتحاول أكثر من مرة لم شملها وأمها لكن طلب الهجرة إلى كندا لأمها يُرفض ثلاث مرات، وتتحايل على حنينها لأمها بكتابة رسائل طويلة لها لأن البريد رخيص، ولأن الكتابة تجعلها تشعر بتواصل أكبر مع أمها.

هناك شخصيات ثانوية تظهر لتكمل فراغات الغربة، “أم رعد” التي تحكي عن موته وتريد أن تلحق ابنها الوحيد بمقبرة العائلة الافتراضية، فقد خطف منها ورغم أنها دفعت الفدية بكل ما تملك قتل غدراً وظلت تبحث عن رفاته.

“ياسمين” ابنة الطبيبة “وردية” الأخرى التي اضطرت أن تتزوج بقريب لها يعمل في دبي مع أخيها، لأنها خافت أن تتزوج في الموصل من أحد المتطرفين جبراً، بعد أن هددوها وطلبوها وعرفت أنها لن تلقى الحماية.

شخصية “سليمان” أخو الطيببة “وردية” الأكبر الذي تحمل مسؤولية العائلة بعد وفاة والده، يعامل أشقائه بحنان وحزم وكان سنداً لـ”وردية” لتصبح الطبيبة المعروفة، وكان مولعاً باللغة العربية والتحق بالجيش لكن بعد الأحداث تتحول حياته ليصبح محامياً يدافع عن المظلومين ويكره هجرة أولاده وأبناء وطنه.

وجع الشتات..

يحرص أبناء الطبيبة الثلاث على الاتصال بها يومياً والاطمئنان عليها وهي أيضاً تحرص على مهاتفتهم رغم أموالها القليلة التي تعيش بها في باريس، ويظل وجع تشتت أبنائها في أنحاء العالم يسكنها، لكنها رغم ذلك قوية تتعلم الفرنسية بعد أن أتمت الثمانين في عمر حافل بالعمل والمساعدات للنساء في العراق وبالتحديات ومواجهة الكوارث والحروب.

عراق الخمسينيات..

تحكي الرواية عن عراق الخمسينيات الذي كان أكثر حرية, وكان يحتضن جميع أبنائه من مختلف الديانات والأعراق، وكانت الفتاة المتعلمة فيه ترتدي فساتين عصرية وتكشف شعرها دون نظرات عنصرية, بل وتعامل الطبيبة والمتعلمة باحترام يليق بها، كما تحكي عن اندماج جميع العراقيين في نسيج واحد وعيشهم المشترك الآمن الذي أصبح حلماً بعد توالي الانقلابات والحروب.

روح الأنثى..

الكاتبة “إنعام كه جه” تكتب بروح الأنثى المولعة بالتفاصيل.. يتزين سردها بتفاصيل دقيقة عن الأماكن، وعن تفاصيل الحياة اليومية، وعن الأزياء في الخمسينيات وتفاصيل الحياة في قرية الديوانية قديماً، كما أن تنقلها بين الحاضر والماضي أعطى للرواية تشويقاً، لم تكتب عن كوارث أو حوادث قتل بشعة إلا قليلاً، لكن القارئ يشعر في جنبات الرواية بوجع عميق وحنين حارق إلى حياة ماضية ووطن كان عامراً ومبهجاً، كأننا نشعر بروائحه وألوانه وشوارعه، لكن الوجع لم يمنع الشخصيات من الكفاح والاجتهاد وإثبات قدراتهم في البلدان التي تغربوا فيها.. إنه وجع ملازم للروح لكنه لا يهزمها.

الكاتبة..

الكاتبة “إنعام كه جه” صحافية وروائية عراقية، ولدت في بغداد عام 1952 ودرست الصحافة في جامعة بغداد، عملت في الصحافة والراديو العراقية قبل انتقالها إلى باريس لتكمل أطروحة الدكتوراة في جامعة السوربون، تشتغل حالياً مراسلة في باريس لجريدة “الشرق الأوسط” في لندن ومجلة “كل الأسرة” في الشارقة٬ الإمارات العربية المتحدة.. نشرت “إنعام كه جه” كتاباً في السيرة بعنوان: “لورنا” عن المراسلة البريطانية “لورنا هيلز” التي كانت متزوجة من النحات والرسام العراقي الرائد “جواد سليم”.

كما نشرت كتاباً بالفرنسية عن الأدب الذي كتبته العراقيات في سنوات المحنة والحروب.. في عام 2004 أعدت وأخرجت فيلماً وثائقياً عن الدكتورة “نزيهة الدليمي”، أول امرأة أصبحت وزيرة في بلد عربي عام 1959.. لها من الروايات “سواقي القلوب” (2005), و”الحفيدة الأميركية” (2008), التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2009 وصدرت بالإنكليزية والفرنسية، ووصلت روايتها “طشاري” للقائمة القصيرة للبوكر أيضاً 2014.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة