24 أبريل، 2025 11:11 ص

رواية “ضجيج الجبل”.. لا تختفي عذوبة الحب مع تقدم العمر

رواية “ضجيج الجبل”.. لا تختفي عذوبة الحب مع تقدم العمر

خاص: قراءة – سماح عادل

رواية “ضجيج الجبل” للكاتب الياباني المميز “ياسوناري كاوباتا”، الرواية تتميز بعمق إنساني، وتأملات في مشاعر وأحاسيس الإنسان وهو علي وشك الرحيل من تلك الحياة.

الشخصيات..

أوغاتا شينغو: البطل الذي تتناول الرواية رؤيته ووجهة نظره، هو رجل تجاوز عمر الستين، ورغم ذلك مازال يعمل في شركته الخاصة بكفاءة ونشاط، لكنه بدأ يعاني من أعراض نسيان، ومن شعور بالخوف من الرحيل، وأن حياته أوشكت علي الأفول،  يتأمل في ماضيه كثيرا وفي واقعه أكثر.

ياسوكو: زوجة البطل، هي أيضا قد تخطت عمر الستين، تكبر الزوج بسنة واحدة، لكنه دوما ما يشير إلي تلك الحقيقية كرمز واضح علي نفوره من ذلك الزواج، الزوجة دائما ما تتخذ دورا هامشيا داخل الأسرة وبالنسبة لأبنائها، ويصورها البطل تشخر أثناء النوم وتمثل بالنسبة له مصدر إزعاج، لم يحك عنها بحب أبدا طوال الرواية.

كيكوكو: زوجة الابن الأكبر، تعيش في منزل “شينغو” وتقوم بكل المهام المنزلية ورعاية الوالد بشكل خاص، ويشعر “شينغو” بحميمية نحوها، تجاوزت حد العلاقة ما بين الأب وزوجة الابن، من ناحيته، لكن من ناحيتها تعامله هي كوالد ترتاح في وجوده وتشعر بالأمان.

شاويشي: الابن الأكبر ل”شينغو”، يبدو من الحكي عنه أنه قاسي في التعامل مع زوجته وأنه بشعر بالضياع النفسي نتيجة لانخراطه في الحرب التي دارت في تلك السنوات، وأن اشتراكه في الحرب جعله قاسيا علي من حوله، وأنانيا ومشتتا. رغم ذلك هو الابن المفضل ل”شينغو”.

فوساكو: الابنة الثانية ل”شينغو” وهي حادة الطباع أيضا، يعاني زواجها من انهيار بسبب أن زوجها مدمن مخدرات وكحول، تذهب إلي بيت أبيها مرات عديدة لكنها تشعر أنها غير مرحب بها، وتشعر بغيرة تجاه زوجة أخيها لأنها تشعر بمحبة الوالدين للأخ وزوجته. وتحاول الاستقلال بحياتها بعد انهيار زواجها.

إيهارا: زوج الابنة، لم يحك عنه “شينغو” كثيرا سوي أنه حاول الانتحار، وأنه كان يبيع أشياء زوجته لأجل إدمانه.

كينو: عشيقة “شاويشي”، كانت زوجة لرجل قتل في الحرب، ثم وجدت نفسها بلا عائل، وبلا طفل، وحيدة في الحياة مضطرة أن تعمل لتنفق علي نفسها، وأيضا هي في حاجة للحب. تظل علاقتها ب”شاويشي” تؤرق “شينغو”، وزوجة “شاويشي”، إلي أن يحدث الحمل ويعرف “شاويشي” ويغضب ويحاول إجبارها علي إجهاض الطفل فتنتهي العلاقة بينهما.

إيكو: سكرتيره تعمل لدي “شينغو”، هي أيضا كانت تحب “شاويشي” لكنها لم تفز به وهي التي حاولت مساعدة الوالد علي إنهاء علاقة ابنه بالعشيقة.

الراوي..

الراوي هو راو حكي بضمير الغائب لكنه ليس عليم، إنه يحكي الأحداث من خلال عيون “شينغو” ومن خلال أفكاره وآراءه نحو كل شيء الشخصيات والطبيعة، والأسرة التي يترأسها هو. لكنه يحكي عن “شينغو” بضمير الغائب أيضا ويكشف مشاعر وانفعالات وأفكار “شينغو” وحده، ويكتفي بالحكي عن باقي الشخصيات  من خلال تفاعل “شينغو” معهم ومن خلال رؤية “شينغو” لهم.

السرد..

الرواية تقع في حوالي 243 صفحة كم القطع المتوسط، تتناول مخاوف رجل في عمر الستين من الحياة ومن الوضع الراهن الذي كانت تعيشه بلاده التي خرجت من حرب، ومن علاقاته الاجتماعية بأسرته القريبة، وتعرض حنينه إلي فترة الشباب بكل ما فيها من حب وشغف، في لغة عذبة استطاعت الترجمة توضيح جمالها أيضا، وحس إنساني عال ومرهف. وتركت النهاية مفتوحة، مما يدل علي استمرارية الوضع واستمرارية الأسرة نفسها.

مشاعر الحب..

أول ما يستوقفنا داخل الرواية مشاعر “شينغو” بالحب منذ بداية الرواية وحتى نهايتها، مشاعر الحنين نحو أخت زوجته التي توفت منذ زمن بعيد والتي كانت صديقة مقربة له في شبابه والتي كان يحب جمالها ويتمناها، ثم شاءت الظروف أن تموت تلك الفتاة ليتزوج بأختها التي تكبره بعام واحد لكنه لا يكن لها أي مشاعر عذبة. وإنما يتفنن في الحكي عن تفاصيلها المزعجة بالنسبة له.

ثم مشاعر الحب تجاه زوجة ابنه الذي يشعر بالميل نحوها، والتي يعاملها معاملة حانية ويهتم بها كثيرا حتى أثار غيرة ابنته من ذلك، وليكشف لنا “شينغو” أن مشاعر الحب والود هذه تجاه “كيوكوكو” تختلط باشتهاء لها كامرأة حتى أنه حلم بها لكن حلم مخادع حاول هو نفسه تفسيره وفك رموزه، وهنا تكمن شجاعة الكاتب “ياسوناري كواباتا” الذي عبر عن مشاعر واشتهاء محرمة بجرأة وسلاسة حتى أنه لم يوصم البطل ولم يوجه له أي لوم اجتماعي أو أخلاقي، وإنما تناول مشاعره بحياد شديد، حتى أنه ألمح إلي وجود مشاعر داخل زوجة الابن أيضا، التي عبرت أكثر من مرة عن خوفها من العيش بمفردها مع زوجها، وعن ارتباطها الشديد ب”شينغو” وسعيها لخدمته بمحبة وإيثار.

كما كشفت عن علاقات خارج الزواج ل”شاويشي”، الذي دمرت الحرب إحساسه بالحياة فالتجأ لامرأة أخري لأنه يري امرأته مجرد طفلة، لكنه مع ذلك يجبر زوجته وعشيقته علي الإجهاض، بالنسبة للأولي لأنه يخاف أن يولد طفل في ظل علاقة مضطربة بينه وبين زوجته، والإجهاض الثاني لأنه لا يريد أن ينجب من عشيقته، ونشعر بمدي اضطرابه في موقفه من إنجاب الأطفال.

هناك أيضا علاقات خارج الزواج ل”شينغو”، لكنها تعامل وكأنها أمر طبيعي، وهي ذهابه إلي فتيات غيشا، يبعن جسدهن له ويقمن علي ترفيهه، وهنا يتعامل “شينغو” والكاتب علي أن التعاطي مع فتيات يبعن أجسادهن أمر طبيعي ولا يقلل من الأب أو من زواجه أو من المجتمع نفسه، وكأن الذهاب إلي فتيات يتاجرن في المتعة أمر طبيعي في المجتمع الياباني لا يستحق التوقف عنده، في ذلك الوقت الذي صدرت فيه الرواية.

الشعور بوطأة الشيخوخة..

جمال الرواية يكمن في أنها رصدت بدقة مشاعر الرجل الذي أتم عمر الستين وأصبح يخاف من تلك الفكرة، مع موت العديد من أصدقاءه بطرق محزنة، إما من مرض السرطان أو بين أحضان فتاة غيشا وهو يلهو في لحظاته الأخيرة. وما بين شعوره أنه محبوس في منزله مع امرأة لا يحبها ولا يشتهيها حتى قبل زواجه منها وإنما كان يشتهي أختها الأجمل والأرق، وشعوره أن عالق معها إلي النهاية.

وأيضا مخاوف الوالد المسئول عن أبناءه والذين لديهم مشاكلهم الخاصة ويشعر نحوهم بالمسؤولية، خاصة الابنة التي فسد زواجها ونشعر أن أمر الزواج المهتريء أمر كبير الشأن في تلك الفترة في اليابان حيث ينظر للمرأة نظرة أنها مستضعفة بدون زواج مستمر وناجح. وأيضا مخاوفه تجاه طفل غير شرعي قد ينسب إليه ولعائلته واسمه.

والأهم مخاوفه تجاه التغييرات الجسدية التي تحدث له بسبب الشيخوخة من نسيان ومن ظهور التجاعيد ومن الشيب والشعر الأبيض، كل تلك الهواجس المرتبطة بالتقدم في السن.

الطبيعة..

أثناء ذلك الحكي الثري يضفر “كاوبواتا” محبته الشديدة لمفردات الطبيعة من أشجار وورود ونباتات وحيوانات، حيث يلاحظ تفاصيل دقيقة جدا للطبيعة من حوله ويصرف في الحكي عن الأشجار والنباتات من حوله بنظره عاشق للطبيعة ومهتم بها.

الحرب..

كما رصدت الرواية تأثيرات الحرب علي جيل الشباب الذي كان في تلك الزمن، “شاويشي” و”ايهارا” و”كينو” و”فاسوكو” وآخرون، الرجال يشعرون بالضياع والتشتت والشعور باللاجدوى مثل “شاويشي” أو يتجهون للمخدرات لتغييب وعيهم ثم إلي الانتحار كطريق للخلاص، وبالنسبة للمرأة فهي تعاني إما من فقدان الزوج ومن فقدان أمان الأسرة الذي كانت تعيش في كنفه مثل “كينو” التي أجبرت علي العمل وأن تكون قوية، أو زميلتها في السكن التي أجبرت علي ترك طفلها لأسرة والده لأنها لا تستطيع إعالته أو ابنه “شينغو” التي أصبحت أمام زواج منهار وفتاتين مسئولة عن رعايتهما وتربيتهما .

الرواية رغم صدورها في فترة الستينات من القرن الفائت إلا أنها غنية بالمشاعر الإنسانية وتشابكات العلاقة ما بين الأفراد في الأسرة الواحدة، وبالملامح الثرية عن المجتمع الياباني وخاصة الطبقة الوسطي منه الذي تنتمي إليها أسرة “شينغو”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة