9 مارس، 2024 5:57 م
Search
Close this search box.

رواية صوت خافت جدا.. أنين المرأة من معاناة الفقر والخوف من الانتهاك

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص:  قراءة- سماح عادل

رواية (صوت خافت جدا) للكاتب العراقي “سعد سعيد” تحكي عن محنة المرأة الفقيرة التي تعاني ضغوطا مضاعفة في العراق، مثل أي مجتمع شرقي آخر تملئه الكوارث السياسية والاقتصادية مما ينعكس على حياة الناس اجتماعيا، وتعاني فيه المرأة الفقيرة بشكل مضاعف.

الشخصيات..

سفانة: البطلة، شابة تنتمي لعائلة فقيرة، حرمت من إكمال تعليمها الجامعي بسبب الفقر وميل الأسرة إلى التخلي عن تحمل مسئوليتها، بحثت عن أعمال كثيرة لكنها كانت تفاجئ بالتحرش ومحاولة استغلالها جسديا، فكانت تهرب من تلك الأعمال وأصحابها، لتعاني في النهاية من بطالة، ثم يساعدها طبيب تعرفت عليه بالمصادفة في شارع المتنبي مع بعض أصدقاءها.

فارس:البطل، طبيب شاب، يساعد البطلة ويوفر لها عملا كسكرتيرة في عيادته، ويظل يدعمها معنويا وماديا حتى تستطيع الهجرة خارج العراق هي وأختها الصغيرة، وتقع في غرامه لكنه لا يبادلها نفس المشاعر.

عماد: شاب من مجموعة الأصدقاء التي كانت تستأنس بهم “سفانة” وتجالسهم في شارع المتنبي، لكنه صاحب سلوك سيء يصاحب امرأة متزوجة ولا يتورع عن تسريب أخبارها ورسائلها وصورها لأصدقائه.

سلوى: أخت “سفانة” الصغيرة وقد أحاطتها برعايتها لكي تمنع عنها أكبر قدر من المعاناة وتحميها، لكن “سلوى” تنجر وراء حلم جلب المال حتى ولو ببيع جسدها، وتنقذها “سفانة” بالهجرة خارج العراق.

فضيلة: صديقة ل”سفانة” ذبحها أخوها بدعوى الشرف، ورغم أنه كان سيء السلوك إلا أن ذبحه لأخته أعطاه قبولا اجتماعيا، وأصبح احد أفراد إحدى الجماعات الدينية المتشددة.

الراوي..

تعتمد الرواية على اثنين من الرواة الأول هو “سفانة” التي تحكي لصديقتها “فضيلة” عن حبها ل”فارس” وتحاورها باللهجة العراقية وباللغة الفصحى، وكأنه حديث متبادل بين صديقتين، رغم أن “فضيلة” لا تتحدث أبدا، لنكتشف أنها موجودة فقط في خيال “سفانة” لأنها ماتت منذ زمن وهي لم تصدق موتها، والراوي الثاني راو عليم يحكي عن “فارس” وعن باقي الأحداث.

السرد..

السرد محكم البناء، يبدأ من نقطة معينة وهي مراسلة “سفانة” ل”فارس” من البلد التي هاجرت إليها، ثم يحكي عن زمن قبلها وهو زمن وقوع “سفانة” في حب “فارس” ثم سفرها إلى الخارج، وحين ينهي القارئ الرواية يجد نفسه مدفوعا إلى العودة لبداية الرواية، تعتمد الرواية على مساحة كبيرة من الحوار، سواء الحوار الداخلي ل”سفانة” وهي تتوهم أنها تحدث”فضيلة”، أو الحوار بين “فارس” و”سفانة”، تقع الرواية في حوالي 272 صفحة من القطع المتوسط.

أنين المرأة ومخاوفها..

الرواية تتميز بأنها رصدت معاناة المرأة الفقيرة في مجتمع مضطرب، يمتلئ بصراعات وأحداث كارثية، لكنها ليست امرأة فقيرة فقط وإنما امرأة على وعي وثقافة ولها رؤية خاصة في الحياة، وهي البطلة “سفانة”، فهي رغم فقرها وعدم إكمالها تعليمها الجامعي إلا أنها كونت لنفسها نمطا من الفكر الخاص بحياتها وعالمها، ورؤيتها لذاتها وللآخرين، اقتربت من مجموعة من المثقفين في شارع المتنبي لكنها سرعان ما اكتشفت مدى تناقضهم، فهم يدعون الثقافة والوعي في حين أنهم يمارسون حياتهم بسلوكيات دنيئة، منهم “عماد” الذي يغوي امرأة متزوجة ويفضحها، و”نمير” يحاول إغواء” سفانة” بكل الطرق وحين يفشل يتهمها بسرقة أمواله، والباقون يصدقونه ما عدا قليل منهم، فقط لأنهم فقراء ويستغلون غناه، مما يشي بحجم تناقض بعض المثقفين وخاصة الذكور منهم واختلال معاييرهم الأخلاقية.

كما ترصد كيف يتعامل مجتمع يعاني من مشاكل سياسية واقتصادية كبيرة مع المرأة، وكيف أن المرأة الفقيرة هي أكثر الأفراد معاناة في هذا المجتمع، فهي تحتاج إلى عمل لكنها تتعرض لمحاولات كثيرة للاستغلال الجنسي، وهناك من ترضخ للضغوط وهناك من تقاوم وتحتفظ بكيانها بعيدا عن الاستغلال، لكنها تتعذب رغم ذلك بالفقر والحاجة، و”سفانة” حين قاومت تعذبت لكنها كانت قوية في مقاومتها، وكانت ترفض قيم المجتمع المغلوطة حول الشرف، وكل تلك القيم التي تفرض على المرأة في حين أن الممارسة على أرض الواقع تتنافي مع تلك القيم المفروضة، فهي لا ترى أن شرف المرأة في بكارتها أو في امتناعها عن ممارسة الجنس إلا وفق طرق يحددها المجتمع، وإنما ترى أن المرأة من حقها أن تحب وأن تتجاوب مع حبيبها جسديا وهذا ليس شيء تمنحه وإنما حق لها.وهي ترفض بيع المرأة لنفسها كسلعة، كما ترفض المعاملة الوحشية التي يتعامل بها الذكور مع الإناث حين يقتلونهم بدعوى الشرف والفضيلة.

أهم ما يميز الرواية أنها تركت البطلة تتحدث عن نفسها، حيث تمثل الكاتب شخصية المرأة “سفانة” وأعطى لها حرية التحدث بلسانها حتى أنه ترك لها حرية التفكير مع ذاتها، ونقل هذا الحوار الداخلي باللهجة العراقية، فقد نجح الكاتب تماما في تمثل شخصية المرأة وحوارها الداخلي وأفكارها ووساوسها وحتى أحلامها ومخاوفها.

فقد تميزت الرواية بالجرأة في كشف عالم المرأة، حتى أنها رصدت كيف تعاني المرأة من الحرمان الجنسي في مجتمع يسلع الجنس ويضعه في تصنيفات وقوالب، وحين تعاني من ذلك الحرمان تلجأ إلى ممارسته سرا مع نفسها، وهي تعيش خيالات وتهويمات، كما رصدت الرواية مخاوف المرأة من والتي تستقيها من حياتها، مخاوفها من أخيها الذي يتلصص على عريها، ومن الرجل العجوز الذي تحرش بها وهي طفلة بريئة.

لم تدين الرواية “سفانة” ولم تصور حاجتها للجنس على أنها رغبة غير مشروعة، بل أعطتها حرية التعبير عن نفسها والمدافعة عن النساء، حتى اللاتي استسلمن لتسليع جسدهن وباعوه لقاء حفنة من الأموال.

الحب يعطي للذات قيمتها..

أيضا تحكي الرواية عن قصة حب “سفانة” ل”فارس” وأن هذا الحب هو ما أعطاها القوة، رغم أنه ساعدها ماديا بتوفير عمل مجزي لها لا تتعرض فيه لمحاولة انتهاكها جسديا، إلا أن حبها له هو ما أعطاها أمانا وامتلاء وأشعرها بقيمتها، فهي منذ أن تعرفت عليه وهي تحكي لنفسها ول”فضيلة” عن حاجتها الملحة للحب وأن يمتلئ قلبها بحبيب نبيل يتميز بأخلاق رفيعة ويعاملها بإنسانية، وبالفعل كان “فارس” كذلك، يعاملها بنبل وإنسانية مما جعلها تقع في حبه وتتوله به، وتحلم به أحلام عذبة، وتقرر أن تتوحد معه جسديا لكنها تكتشف أنه لا يبادلها نفس الحب وأنه حتى لا يشتهيها..

الرواية أيضا تطرقت لظاهرة التسول وكيف أن أعداد المتسولين في العراق ازدادوا، حتى أن هناك عصابات من البلطجية تدير الأطفال في الشوارع ليستولوا، وتأخذ منهم الأموال التي يحصلونها وتمنحهم القليل، كما يقوم أفراد هذه العصابات بتعذيبهم وضربهم إذا لم يحصلوا مبالغ كافية.

كما تحكي الرواية عن أن الهجرة لبلد آخر أكثر تطورا يمكن أن يكون ملجأ للفتيات اللاتي يتعرضن للانتهاك والاستغلال، فهي تعيش بحرية أكثر نسبيا مما تعيشه في مجتمعها، وتستطيع أن تحقق ذاتها وتفرض رؤيتها عن حياتها دون قيود أو مخاوف أو ذبح أو قتل.

الكاتب..

سعد سعيد، كاتب عراقي، ولد في مدينة خانقين التابعة إلى محافظة ديالى شمال شرقي بغداد، وأكمل دراسته الابتدائية فيها. انتقل عام 1971 إلى بغداد العاصمة حيث أنهى دراسته المتوسطة والإعدادية فيها. درس في كلية الإدارة والاقتصاد في الجامعة المستنصرية التي تخرج فيها عام 1978 ليبدأ خدمته العسكرية الإلزامية التي تسرح منها في عام 1980 ولكن قيام الحرب العراقية الإيرانية أرغمه على العودة إلى الجيش لأداء خدمة الاحتياط التي استمرت حتى بدايات عام 1989، حين تسرح وبدأ بالانخراط في العمل الحر. كان حلم الكتابة يراودنه منذ طفولته التي قضاها قارئا مفضلا إياها على ألعاب الطفولة في الأزقة، وفي عام 2000 توفرت الظروف التي جعلته يعود إلى حلمه القديم فكتب روايته الأولى “الدومينو”. اندفع بعدها في ممارسات كتابية شملت تأليف حلقات إذاعية، وقصص أطفال وسيناريوهات أفلام تسجيلية.

رواياته:

  • “الدومينو”، 2007.
  • “قال الأفعوان”، 2009.
  • “يا حادي العيس”، 2010.
  • “فيرجوالية”، 2012.
  • “ثلاث عشرة ليلة وليلة”، 2013.
  • “هسيس اليمام”، 2015.

النتاجات الأخرى:

  • “كواليس القيامة” (مجموعة قصصية)، 2008.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب