خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “صنعاء، القاهرة، الخرطوم” للكاتبة السودانية “تسنيم طه” تحكي حكايات إنسانية عن الحب والثورة والمخاوف والأحلام.
الشخصيات..
رسمت الكاتبة الشخصيات بعمق، حيث نقلت مخاوفها وأحلامها وتطلعاتها وصراعاتها النفسية تجاه مواقف الحياة، وتركت لها الحرية للتعبير عن نفسها، والبطلة هي “شمس” فتاة ثلاثينية تنتابها المخاوف وتشعر بالحزن والاكتئاب، والبطل هو “معتز”، وباقي الشخصيات أبطال أيضا ولهم مساحة في الرواية.
الراوي..
تعتمد الرواية على تعدد الأصوات، حيث تحكي الشخصيات عن نفسها بضمير المتكلم، “شمس وبدرية وحمدي ومعتز وتسابيح وميسم” وشخصيات أخرى، وخلفية حكي الشخصيات عن أنفسهم أحداثا سياسية تؤثر في الشخصيات وفي حياتهم بشكل مباشر..
السرد..
الرواية محكمة البناء، تقع في حوالي ٢٤٢ صفحة من القطع المتوسط، مقسمة لأجزاء تبدأ بعناوين تشير للحكي القادم، تدور الرواية ما بين صنعاء والقاهرة والخرطوم، والأحداث التي تدور في اليمن وعاصمتها صنعاء هي من ذكريات الماضي، تتذكرها الشخصيات. أما ما يدور في القاهرة والخرطوم يحدث للشخصيات وقت الحكي. تهتم الكاتبة بوصف تفاصيل الشوارع والأماكن، وتحرص على ذكر أسماء الشوارع والأماكن كالمطاعم والمحلات مما يشعر القارئ أنه يعيش مع الرواية.
حدثت قفزة زمنية حيث انتقل الحكي بعد زواج “شمس ومعتز” بشكل مفاجئ، وانتهت الرواية نهاية سعيدة.
طاقة حكي..
الرواية مميزة، ورغم أنها الرواية الأولى للكاتبة إلا أن بها طاقة حكي لافتة، حيث تحشد الكاتبة تفاصيل كثيرة وثرية، كما جاء رسم الشخصيات عميقا يغوص في دواخلها وينقل مشاعرها وأفكارها، وتأثرها بالأحداث المحيطة.
تحرص الرواية على ربط الأحداث السياسية بحياة الشخصيات وتعكس معرفة عميقة للكاتبة بأحداث تاريخية هامة حدثت لليمن ولمصر وللسودان وكانت مؤثرة تأثيرا كبيرا على شعوب هذه الدول. حيث ذكرت الحرب الأهلية في اليمن في الماضي، ثم الوصول إلى إعلان الجمهورية وتأثير ذلك على والدة “شمس” التي عاشت مع زوجها الذي كان يعمل هناك.
كما حكت عن ثورة يناير في مصر وتأثيراتها أيضا، وحكت بتفصيل أكبر عن الثورة السودانية ومن قبل عن تاريخ السودان السياسي، تاريخ الثورات وتاريخ الانقلابات العسكرية وتاريخ حتى المجازر التي حدثت في الماضي البعيد.
مخاوف من الزواج..
أما على مستوى حياة الشخصيات كانت الرواية ترتكز على مخاوف “شمس” من الزواج، لأنها عايشت فشل زواج والديها والذي كان يعاني من تسلط الأم واستكانة الأب واستسلامه، لكن تسلط الأم نفسه له جذور حيث قهرتها حماتها وخالتها التي ربتها حين نعتتها بوجه الشؤم، وأصرت على اضطهادها طويلا مما خلف في نفس الأم “بدرية” جرحا غائرا تسبب في ابتعادها عن بنتيها بشكل نفسي، لأنها فشلت في إنجاب الذكر الذي يخلد اسم العائلة كما كانت تقول لها حماتها.
مخاوف “شمس” استمرت طويلا، لأنها عايشت فشل زواجين آخرين، لصديقتين لها، “مريم ونور”، الأولى تعرضت للعنف الجسدي والاضطهاد أيضا، والثانية للخيانة والمخادعة وزواج زوجها بأخرى، وأثر عزوف “شمس” عن الزواج على حياة أختها “ميسم”، بسبب إصرار والدها على التمسك بالتقاليد بعدم تزويج الصغرى قبل الكبرى، لكن عقدتها انحلت أخيرا عندما قابلت “معتز” وأحست أنه رجل حياتها.
وتنتهي مخاوف “شمس” من الزواج وتتزوج الأختان في يوم واحد وتعيشان في السودان، لكن تظهر ل”شمس” معضلة أخرى وهي فقدانها لطفلها بسبب فزعها على زوجها، الذي أوشك على الموت غرقا في أثناء المجزرة التي حدثت في السودان لهزم الثورة وفض اعتصام الثوار بالقوة.
مخاوف جديدة..
ودخلت “شمس” في مرحلة حزن جديدة ومخاوف جديدة من أن يتزوج زوجها بأخرى، نتيجة لصعوبة الإنجاب لديها، لتنحل العقدة مرة أخرى ويعود الانسجام والتوافق بين الزوجين “شمس ومعتز”.
كما رصدت الرواية تأثير الفيروس اللعين وعزلته على الشخصيات، وكيف خافت بعض الشخصيات خاصة الذكور من اقتراب نهاية العالم ومن الأزمة الاقتصادية الطاحنة.
ويمكن القول أن الرواية دارت في الفترة ما بين ٢٠١٨ وحتى ٢٠٢٠ مع العودة إلى الماضي والى طفولة “شمس”. ورصدت مخاوف إنسانية طبيعية، مخاوف الزوجة التي لم تنجب الذكر في مجتمع يحملها مسؤولية ذلك وكأنه جرم، ومخاوف الزوج الذي عجز عن ترويض شراسة زوجته، لكنه يتحمل لكي لا يؤثر على حياة بنتيه، وحزن المرأة التي هجرها أبناءها ليعيشوا في بلد أخرى، وموتها وهي غاضبة منهم، ومخاوف النساء من تجاوز سن الثلاثين دون زواج في مجتمع يعتبر عدم الزواج وصمة، ومخاوف المرأة من عنف زوجها وتسلطه، وحزن الأبناء حين يجبرهم الوالدين على اختيار طريق حياتهم وفق ما يحلمون هم ويخططون، ولا يتركون لهم حرية رسم مستقبلهم بأنفسهم.
نقلت الرواية اهتمام بمنطقة الشرق والكوارث التي تحل به، من حروب وصراعات وثورات مجهضة وسلطات قاهرة تقهر شعوبها وتدوس أحلامهم. لكنها في المجمل كانت ذا حس إيجابي، مؤكدة على إمكانية تخطي الأزمات والكوارث رغم استفحالها والشعور بجمال الحياة وبروعة الحب والتفاهم.
الكاتبة..
” تسنيم طه” كاتبة سودانية، من مواليد شندي (شمال السودان) . خريجة آداب لغة فرنسية- جامعة النيلين بالخرطوم.