15 نوفمبر، 2024 12:30 ص
Search
Close this search box.

رواية صائد الجثث.. للموت رائحته وللحياة عبثها 

رواية صائد الجثث.. للموت رائحته وللحياة عبثها 

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “صائد الجثث” للكاتب العراقي “زهير كريم” تحكي عن رائحة الموت التي أصبحت إحدى العلامات في عراق ما بعد الاحتلال، وربما قبل ذلك بكثير.

الشخصيات..

غائب: البطل، رجل في عمر الأربعين، يعود إلى بغداد بعد غياب 15 عاما، تكون العودة كمغامرة يحاول ألا يحسبها بالمنطق، وتتحقق مخاوفه التي احتلت روحه بعد نزوله إلى المطار، ويتم اختطافه هو وأخوه وزوج أخته.

حسن: أخو “غائب”، يعيش في بغداد وله تجارته، يرتب زيارة “غائب” لبغداد دون أن يخبر أحدا حتى يجعلها مفاجأة للجميع، ويصر برعونته أن يرحلوا جميعا من المطار في الليل، رغم خطورة ذلك يستجيب له “غائب”.

كامل: زوج أخت “غائب” وهو تاجر أيضا، يعترض على الرحيل من المطار في الليل، لكنه لا يستطيع أن يفرض رأيه ويذهب هو أيضا ضحية الاختطاف.

الحاج محمد: أبو “غائب”، هو أيضا بطل في تلك الرواية، رجل في عمر الستين، يظل يبحث عن جثث أولاده ويتعرف على رائحة الموت ويفقد الرغبة بالحياة .

أم غايب: سيدة ثكلى، تعرف أن ابنها البكر اختطف بعد غياب دام 15 عاما، وفقدت أخوه أيضا، تجف الحياة فيها وتتحول إلى امرأة حزينة لا تقوى على شيء.

أمل: ابنة “غايب”، تركها وهي في عمر السنتين وسافر من العراق، ويشعر بالذنب سنوات طويلة لأجل ذلك، لكنه يشعر أن ابنته هي ما تربطه بالحياة، والابنة من جانبها تظل طوال حياتها تحلم بذلك الأب الغائب الذي لا تستطيع أن تحتضنه أو تبكي على صدره، وحين يعود يختطف، لكنها لا تفقد الأمل في رجوعه، وتقرأ يومياته التي وجدتها في حقيبته لتتعرف عليه أكثر.

منيرة: زوجة “غايب”، سيدة مغربية، يتعرف عليها في أثناء إقامته في إحدى الدول خارج العراق، وتنشأ بينهما قصة حب من أول لقاء ويتزوجان، وحين تعلم بغيابه تبدأ في تذكر حياتها معه.

الراوي..

الحكي بضمير الغائب، يبدأ بوجهة نظر “غايب” وما يدور في عقله ثم ينتقل الحكي إلى الحاج “محمد” و”منيرة” و”أمل” فهو يعتمد على وجهات نظر شخصيات عدة يتنقل بينها، ويرصد دواخلها من مشاعر وأفكار ومخاوف، وإن كانت النسبة الكبيرة من الحكي من نصيب “الحاج محمد” و”غائب” الذي يسعى الراوي إلى الاستعانة بيومياته “سيرته” بعد اختطافه وبحكي “منيرة” عنه.

السرد..

السرد هادئ الإيقاع رغم أنه يحكي عن أحداث قاسية، يعتمد على دواخل الشخصيات وانفعالاتهم تجاه ما يحدث في الخارج، الرواية تقع في حوالي 226 صفحة من القطع المتوسط، التنقل بين الشخصيات يعطي للسرد ثراءه وروعته، كما أنه يعتمد على لغة شديدة التميز، ومفردات تشكل قاموسا خاصا بالكاتب، وتشبيهات فريدة.

رائحة الموت..

الرواية تتناول الموت المجاني الذي منيت به العراق، من خلال البطل الذي جاء اسمه رمزا، فهو “غايب” غاب عن بلاده 15 عاما وحين كان يعيش فيها كان غائبا أيضا، تبدأ الرواية بعودته إلى بلاده بعد ذلك الغياب الطويل، وحديث مع ذاته، مخاوف كثيرة تنتابه عند رؤية المطار والمرآب الملحق به، والهدوء القاتل في الليل، وبقاء المسافرين في المطار خوفا من أية حوادث عارضة، وإصرار أخيه على الرحيل في الليل، والذي يهدم سد الذكريات الدفينة وتتداعي في ذهن “غايب” فنراه وهو جندي في الحرب العراقية الإيرانية التي دامت عدة سنوات، وتعرضه للموت ورغبته في النجاة، رفضه للموت المجاني الذي لن يجني فوائده سوى الحكام والسياسيين، ونجاته بأعجوبة من تلك الحرب ثم اختطافهم من السيارة.

وتبدأ الأحداث في التلاحق، يعرف الأهل باختطافهم ويتردد “الحاج محمد” على الطب العدلي ليكتشف المأساة التي نكتشفها جميعا، وهي موت المئات يوميا في عراق ما بعد الاحتلال، وتحول كثير من البشر بعد عقود طويلة من الكبت والقهر إلى مجرمين، يقتلون بعضهم بعضا وحدوث عمليات القتل بأبشع الصور، ما بين التمثيل بالضحايا وتعذيبهم وقتلهم بوحشية، ومئات الجثث التي ترمى في النهر وفي الأزقة والشوارع، والأهالي الذين ينتظرون بصبر وخوف وأمل، يكاد يكون معدوما، أمام الطب العدلي، وأمام النهر، والشوارع للتعرف على جثث أولادهم، والتي تتحول بفعل الوحشية إلى ملامح لميت واحد هو “العراقي”.

يعرف “الحاج محمد” بعد تردده اليائس أن الميت هو واحد، وأن ملامحه واحدة ورائحته أيضا، يتعرف على رائحة الموت التي تغزوه وتفقده الرغبة في الحياة، تكشف له عبثية الحياة التي أصبح فيها البشر أقسى من الوحوش والحيوانات الضارية، ويرهن وجوده بشرط عودة أبناءه ويسعى إلى ذلك بروح محطمة وجسد فقد رغبته في الاهتمام به.

الفوضى والاقتتال..

الرواية ترصد ما حدث من اقتتال ووحشية وفوضى بعد احتلال العراق، والتخبط الرهيب الذي وقع فيه العراقيون، والمأساة التي أودت بحياة الكثيرين، كما ترصد وحشة العراقي الذي يضطر إلى الهروب وكيف يشعر وهو في المنفى، ذلك الحنين البائس للأهل وللأبناء، والخوف أثناء التنقل من بلد لأخرى، والبحث عن عمل، والهروب غير القانوني ومصاعبه، وتلك الرفقة التي تنشأ في محاولات الهروب المتكررة، والتمسك بخيط واهي من الانتماء للأهل يعين ذلك المنفي على حياته الصعبة، ويعطيه رغبة في الحياة والمواصلة.

الحب بعد الجفاف..

حين تعرف “منيرة” باختطاف “غائب” تبدأ ذكرياتها معه تنثال عليها، تتذكر أول لقاء لها معه، حين يعرف بوجود فتاتين في المكان الذي يسكن به وتلهفه لرؤية أنثى بعد سنوات جفاف طويلة، عاش فيها دون حب أو اتصال حميمي بأنثى، يتسمع للفتاتين ويقع في غرام اسم “منيرة”، قبل أن يراها وكأنها علامة على إيجاد النور في ظلمة حياته، وحين يراها يتلعثم ويظهر خوفه، ذلك الخوف الأزلي من كل شيء، من الحرب ومن الموت ومن الحب، يطلب منها في تردد أن تحتسي معه الشاي، وتبدأ علاقة حب بينهما تقيه من الجفاف الذي غلب على حياته، تتذكر “منيرة” أيضا دخوله إلى المنزل، ورائحته التي تملأ البيت فور وصوله، وإحساس الأمان الذي تمتلئ به حين يحضر، وتعرف أن السنوات التي قضتها قبل التعرف به سنوات ضائعة، لذا حين تكتشف اختطافه تنهار وهي تشفق على نفسها من الحياة بعد ذلك الحدث الرهيب.

الكاتب..

“زهير كريم الجبوري” كاتب عراقي متميز، كتب الشعر لعدة سنوات ثم اتجه إلى كتابة الرواية، صدرت له رواية “قلب اللقلق” ورواية “صائد الجثث” ومجموعة قصصية بعنوان ” ماكنة كبيرة تدهس المارة”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة