7 أبريل، 2024 2:47 م
Search
Close this search box.

رواية شيطان على الصليب.. الرأسمالية السارقة التي تنهب الشعوب

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “شيطان على الصليب” للكاتب الإفريقي “نغوغي وا ثيونغو”  تحكي عن كينيا بعد نيل الاستقلال، وكيف تحولت إلى مطمع للرأسمالية العالمية، ليس هذا فقط بل أصبحت أرضا خصبة لتكون فئة من الرأسماليين المحليين، والذين يسميهم الروائي بشكل صريح ومباشر باللصوص والسراق، الرواية تشبه ذلك الأدب الذي ينتمي إلى الواقعية الاشتراكية حيث تنتقد بشكل مباشر الرأسمالية ونظام تحرير الأسواق، كما تهاجم الاستعمار القديم الذي خلف نظاما جديدا من الاستعمار فيما يعرف بالاستثمار، وتدين عملاء الرأسمالية من أبناء الوطن.

الشخصيات..

وارينجا: البطلة، فتاة كانت تعيش في قرية بسيطة، تعرض والدها للسجن في فترة محاربة الاستعمار الانجليزي، وتربت مع عمتها وكانت لها طموحات كثيرة في أن تكمل تعليمها الجامعي وتصبح مهندسة، وبعد خروج والديها من السجن تظل تعيش مع عمتها، لكن زوج عمتها المتملق الذي يتمسح في الأجانب المستعمرين، والذي يسعى لأن يغتني، يتواطأ مع أحد الأغنياء ليكتسب من وراء البطلة، ويغويها هذا الغني بأمواله، وتقيم معه علاقة تنتهي بحمل غير شرعي، ويتنكر لها ذلك الغني العجوز ويتركها في محنتها وحدها. لكن يساعدها والداها وتنجب طفلة يتوليان رعايتها، وتذهب هي إلى نيروبي بحثا عن عمل، تاركة حلمها في أن تصبح مهندسة، لكنها تتعرض للإذلال بسبب أن كينيا الحديثة بعد الاستقلال أصبحت بيئة طاردة للنساء، وغير داعمة لهن، فهن في هذه البلاد يعاملن كجسد وكموضوع للمتعة فقط. وترفض البطلة أن تتحول لأداة للمتعة فتخسر عملها، وتضطر أن ترجع إلى بلدتها لتكتشف أشياء كثيرة.

المدير بوس كيهارا: هو المدير الذي عرض على البطلة بشكل صريح أن تكون خليلية له وإلا ستخسر عملها، وحين ترفض يطردها من العمل.

الحبيب كامنجوني: حبيبها الشاب الذي يتخلى عنها هو أيضا حين يعلم بتحرش المدير بها، ويتهمها بأنها متجاوبة معه ويتركها.

مواؤرا السائق: سائق العربة التي تقلها إلى مدينتها، وستكتشف أنه زعيم لإحدى العصابات التي تدعى “ملائكة الشيطان”، والتي يستخدمها الأغنياء لإخضاع الفقراء ولأعمالهم المشبوهة في العنف والبلطجة.

وانجاري: امرأة في منتصف العمر تستقل نفس السيارة التي استقلتها البطلة، وتحكي قصتها ليتبين أنها تمثل فئة الفلاحين الذين ينهبون من قبل طبقة الرأسمالية الطفيلية المحلية، وأعوانها من الأجانب ومن الرأسمالية الغربية، رغم أنهم من تولوا طرد الاستعمار، كما أنهم من يعرقون ويزرعون ويبذلون الجهد.

موتوري: عامل ركب هو أيضا في نفس السيارة، وهو ممثل لفئة العمال المقهورين أيضا والمسروق عملهم وعرقهم.

جاتويريا: أستاذ في الجامعة، وهو شاب ابن لأحد الأغنياء، تعلم في أمريكا سنوات طويلة لكنه ظل متشبثا بثقافته الكينية وتراثه، ولم ينبهر بالثقافة الغربية ويكن عبدا وخاضعا لها. يحاول تأليف مقطوعة موسيقية تنبع من تراثه وثقافته، ويحب البطلة بعد أن يقابلها في نفس السيارة ويخوض معها تجارب عدة، ليكتشف القراء في النهاية أنه ابن ذلك العجوز الذي تخلى عن البطلة.

مؤيريري: رجل من السراق واللصوص والطامحين في أن يصبحوا ضمن الطبقة الطفيلية الرأسمالية، التي تغتني على حساب الجموع وتتمسح في الرأسمالية الغربية بل وتكون ذيلا وتابعة لها.

الراوي..

راوي عليم، يحكي عن أحداث رمزية لكنها مباشرة تحمل أفكارا واضحة ورسالة واضحة، أيضا يهتم الراوي بنشر أفكاره المعادية للرأسمالية على حساب خلق الأحداث وعلى حساب الحكاية.

السرد..

يشبه السرد تلك الروايات التي كتبت في روسيا، والتي كانت تتواكب مع اتجاه عرف في الأدب تحت اسم “الواقعية الاشتراكية”، حيث أن الرواية تعتمد على التحريض المباشر على الرأسمالية الغربية والمحلية التابعة لها، كما يكشف السرد بشكل مباشر مساوئ هذه الرأسمالية ويصفها بالسرقة والخداع والنهب، كما أن النهاية إيجابية، فقد تحولت البطلة من فتاة خاضعة ضعيفة إلى فتاة قوية لها إرادتها الخاصة وطموحاتها وأحلامها، كما أنها تحكام الغني العجوز وتقتله بثلاثة رصاصات في النهاية، لكن هذا جعل السرد يعاني من الجفاف والتكرار للأفكار على حساب خلق مشاهد وأحداث تغري القارئ لإكمال الرواية، وتقع الرواية في حوالي 280 صفحة من القطع المتوسط.

الرأسمالية السارقة التي تنهب الشعوب..

أهم الأفكار التي تدور حولها الرواية مناهضة الرأسمالية السارقة التي تنهب الشعوب، حيث تدور معظم الأحداث في “إيلموروج” وهي بلدة بسيطة تربت فيها البطلة، كما ذهبت إليها معظم الشخصيات التي تشبه الأنماط أكثر من كونها تشبه أشخاصا حقيقيين، هذه البلدة أقيم فيها مؤتمر كبير سماه الكاتب بشكل صريح مؤتمر اللصوص والسارقين، لكي يتبارى كل واحد منهم بمدى براعته في السرقة والنهب من العمال والفلاحين وهم دعامة الشعب الحقيقية ومن باقي المواطنين الفقراء، وترصد الرواية كيف كانت الأحوال في كينيا وقت الاستعمار البريطاني الذي كان ينهب أموال كينيا وثرواتها بوجه مكشوف.

لكن مع حركة التحرر التي كان قوامها الفلاحون والعمال والثوار منهم ومن الوطنيين الشرفاء اضطر الاستعمار أن يتلون وتكون السرقة بشكل آخر، متمثل فيما يعرف بالاستثمار الاقتصادي، وظل الأجانب الغزاة المستعمرون كما هم، لكن تحت يفط وأسماء جديدة باعتبارهم أعوان ومساعدين وأصحاب للسراق الجدد، الذين يحاولون أن يتجمعوا في طبقة تحكم كينيا وتنهبها كيفما تشاء.

فترصد الرواية كيف أن أية بلدة مستعمرة مثل كينيا عانت من النهب المنظم سنوات طويلة، ويحلم مواطنوها أن ينالوا حريتهم بعد الاستقلال وكذلك رخائهم الاقتصادي، ليجدوا أنفسهم عرضة للنهب والسلب تحت دعاوى أخرى وهي بناء كينيا الجديدة وعمل دولة قوية، والترحيب بالاستثمارات الأجنبية باعتبارها خير جديد سيعم على كينيا، في حين أن الواقع هو أن هؤلاء المستثمرون هم مستعمرون جدد ينهبون ثروات كينيا، يساعدهم في ذلك عملاء من داخل كينيا فضلوا أن يغتنوا بعرق الآخرين، دون أن يبذلوا جدهم، فالغني لا يكن غنيا إلا بالسطو على جهد وعرق الآخرين.

هذا المناخ الجديد الذي في ظاهره يرفع شعارات رنانة هو مناخ قاهر للفلاحين والعمال، والذين يصبحون فقراء الوطن، ومناخ قاهر للمرأة فتصبح مجرد أداة للمتعة وفقط، وتصبح الأعمال المتاحة لها مرهونة بمدى منحها لجسدها كأداة لمتعة السراق واللصوص والأغنياء.

لكن لا تقف الرواية عند هذا الحد وهو كشف السلبيات الخطيرة للرأسمالية التي لا تكتفي بنهب شعوبها، بل تتخطاها لتنهب شعوبا أخرى، لكنها تفتح بابا للأمل، فالفلاحين والعمال يتمردون دوما على هذه الأوضاع ويخوضون نضالهم لكي يتغلبوا على هذه الطبقة الطفيلية، كما أن البطلة تنفض سلبيتها وتقرر أن تكمل دراستها وتنافس الرجال في مجال الهندسة الميكانيكية وتنجح ، كما تتسلح بكل عوامل القوة لتصبح امرأة قوية مكافحة، ولا تجعل الظروف القاهرة تنتصر عليها، وفي النهاية تنتقم من الغني العجوز الذي جعلها تحمل بطفل غير شرعي وتخلى عنها.

الرواية رغم مباشرتها إلا أنها تحرض على نبذ الاستغلال والطبقية وعلى رفض الظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي لحق بكينيا وفي الواقع لحق ببلدان كثيرة في إفريقيا والعالم. كما تتسم لغتها بالشاعرية، ويستعين الكاتب بأمثال كثيرة من البيئة الكينية.

الكاتب..

“نغوغي وا ثيونغو” أو “جيمس نغوغي” “ولد في 5 يناير 1938” هو كاتب كيني، كان يكتب بالإنجليزية، واتجه إلى الكتابة بلغته القومية (الكيكويو). كتب الرواية والمسرحية والقصة القصيرة، كما كتب مقالات أدبية واجتماعية، وكتب في أدب الطفل.

هاجر “وا ثيونغو” إلى الولايات المتحدة بعد تعرضه للسجن في بلاده ما يربو على العام، حيث عمل بالتدريس في جامعة “ييل” بضع سنين، ثم عمل أستاذًا للأدب المقارن وأستاذًا لدراسات الأداء في جامعة نيويورك، وأستاذًا بجامعة كاليفورنيا في إرفاين، ومديرًا للمركز الدولي للكتابة والترجمة بالجامعة.

من أعماله: (لا تبكِ أيها الطفل (روايته الأولى، 1964)- حبة حنطة (1967)- بتلات الدم (1977)- شيطان على الصليب (1982))

حصل على: (جائزة لوتس للأدب (1973)- جائزة بارك كيونغ- ني (2016)- وصل إلى القائمة القصيرة لجائزة مان بوكر الدولية سنة 2009. ظهر اسم “نغوغي وا ثيونغو” عدة مرات في قوائم المرشحين لجائزة نوبل في الآداب.

ولد “وا ثيونغو” في قرية من قرى كينيا عام 1938 وعمّد باسم (جيمس نغوغي) جرياً على تقاليد الكنيسة التي تخلع أسماء قديسين على أسماء المواليد، ثم أكمل دراسته وحصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنكليزية من كلية محلية في العاصمة الأوغندية كمبالا، وخلال فترة تعليمه الجامعية عرضت له مسرحية بعنوان “الناسك الأسود” عام 1962. نشر “وا ثيونغو” روايته الأولى “لا تبكِ ياولدي” عام 1964 عندما كان يكمل دراسته الجامعية العالية في جامعة ليدز البريطانية، وكانت الرواية الأولى التي تنشر بالإنجليزية لكاتب من شرق إفريقيا، ثم نشرت روايته الثانية “النهر الذي بينهم”  التي يحكي فيها عن تمرد قبائل الماوماو، وقد وصفت الرواية بأنها حكاية رومانسية حزينة للعنف الذي ساد بين المسيحيين وغير المسيحيين في تلك الأصقاع الإفريقية النائية، وقد اعتمدت هذه الرواية ضمن مناهج الدراسة الثانوية في كينيا.

جاءت رواية “حبة قمح”  لتؤشر إلى تعلق “وا ثيونغو” بالماركسية الفانونوية (نسبة إلى فرانز فانون)، وبعد نشر هذه الرواية تخلى “واثيونغو” عن كل من اللغة الإنجليزية والمسيحية وعن اسم (جيمس) الذي ألحق به عند العماد، معتبراً هذه كلها رموزاً كولونيالية، واعتمد منذ ذلك الحين اسم (نغوغي وا ثيونغو) وابتدأ يكتب بلغة الكيكويو واللغة السواحلية.

وكان العمل المسرحي الذي كتبه “وا ثيونغو” “سأتزوج متى أردت” وقدم عام 1977 رسالة سياسية واضحة دفعت نائب الرئيس الكيني آنذاك “دانييل أراب موي” إلى حبس “واثيونغو” في سجن يخضع لحراسة مشددة وقيود صارمة، ما دفع “واثيونغو” إلى الكتابة من داخل السجن على ورق التواليت الخاص بالمرحاض. بعد إطلاق سراحه من السجن، بعد احتجاجات عالمية، تم فصل “واثيونغو” من عمله كأستاذ في جامعة نيروبي، وكان للمضايقات الوقحة التي تعرضت لها عائلته بسبب نقده الحاد للحكومة الديكتاتورية أثر بارز في خروجه مع عائلته إلى المنفى، ولم يعودوا إلى كينيا إلا بعد 22 عاماً، بعد أن تمت إزاحة “أراب موي” عن السلطة.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب