16 نوفمبر، 2024 7:22 م
Search
Close this search box.

رواية شظية في مكان حساس.. الحرب تعري الروح وتنتهك الجسد

رواية شظية في مكان حساس.. الحرب تعري الروح وتنتهك الجسد

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “شظية في مكان حساس” للكاتب العراقي “وارد بدر السالم” تتناول أفاعيل الحرب في الناس، وتأثيراتها الوحشية خاصة على النساء والأطفال، من خلال قصة غريبة لكنها قد تحدث، فالحرب مساحة مفتوحة لكل ألوان العبث.

الشخصيات..

البطل: الذي ليس له اسم، هو رب أسرة في منتصف العمر، كان يعيش حياة عادية بعيدا عن صخب الحرب والصراعات الطائفية في العراق، وكل التداعيات الأخرى التي تتالت، إلى أن تعرضت زوجته لحادث تفجير أثناء ذهابها للتسوق، وهنا انقلبت حياته وأصبح مؤرقا من مرض زوجته ثم مرض نفسي تضاعف فيما بعد.

نور: زوجة البطل، يمكن اعتبارها بطلة ثانية للعمل لكنها لا تعبر عن نفسها إلا من خلال مساحة الحوار التي تركها لها الراوي، امرأة أربعينية قروية المنشأ، كانت خجولة ومتحفظة حتى طوال عشرين عاما من الزواج، حتى أنها كانت تخجل من زوجها رغم طول فترة الزواج، ثم تتعرض لحادث تفجير يصيب جسدها وخاصة أجزاءها الحميمة فتنقلب حياتها وتشقى روحها وتتغير بشكل كلي.

لبنى: ابنة الزوجان، فتاة جامعية تظل تشاهد بذهول تحولات أمها النفسية لكنها لا تعرف ماذا تفعل.

تمارا: طبيبة نفسية يلجأ إليها كثير من النساء للمعالجة لهن ولأطفالهن من أثار الحرب البائسة.

المدير: هو مدير للبطل،  يحكي له مشكلته المتفاقمة ويؤازره ويحاول تسهيل الأمور له ويحدثه أيضا عن مشاكله مع زوجته الستينية.

الراوي..

الراوي هو البطل مجهول الاسم، يحكي المشكلة التي تحدث لزوجته من وجهة نظره هو، ومن خلال خلفيته الثقافية والفكرية ورؤيته، ولا يترك مساحة لزوجته لتحكي عن نفسها إلا في مواضع قليلة، عبارة عن حوار يجري بينها وبينه، ثم يترك مساحة للطبيبة “تمارا” لتحلل المشكلة من وجهة نظرها أيضا من خلال حوارها الطويل معه.

السرد..

السرد يعتمد على تصاعد الأحداث، تبدأ الرواية بعد ستة أشهر من وقوع حادث التفجير، ومع بداية ظهور أعراض نفسية أكثر خطورة على “نور” وحيرة زوجها ورد فعله المتوتر، وتنتهي بالحل الذي قد يكون قاسيا، تقع الرواية في حوالي 240 صفحة من القطع المتوسط، وتعتمد على لغة عذبة خاصة عند وصف المشاهد الحميمية بين الزوجين، كما تتسم بالوصف الدقيق.

الحرب تعري الروح وتنتهك الجسد..

تتناول الرواية موضوع شائك وقصة غريبة لكنها ممكنة الحدوث، في ظل حرب قاسية امتدت سنوات طويلة في العراق واستمرت تداعياتها الأسوأ، القصة هي انتهاك جسد إحدى السيدات في حادث تفجير، يحدث تقريبا بشكل يومي في بغداد، مئات من حوادث التفجير التي تعرضت لها العراق والعاصمة بغداد بعد غزو الأمريكان لها، وخلفت مئات من الجثث المبعثرة والمتناثرة، لكن “نور” نجت من التفجير لتعاني من مشكلة أكثر سوء، فقد تناثرت الشظايا في إنحاء جسدها ومرت ستة أشهر راجعت فيها الأطباء وبقت في المستشفيات، لتزيل آثار هذا التفجير وتتخلص من الشظايا في أماكن كثيرة بجسدها، فقط شظية واحدة بقت في مكان حساس جدا، وأعلن الأطباء صعوبة إخراجها.

ظلت “نور” تتخبط نفسيا طوال تلك الشهور الست، شقيت روحها وانتهك جسدها، وتعرى أمام العيون الكثيرة، ولم تعد كما كانت امرأة بسيطة قروية تعيش لأجل أسرتها وطفلتيها، فقد اتجهت أولا للرقص حتى الإنهاك حتى  تحاول التوازن نفسيا، وربما التصالح مع جسدها الذي ربما بل ومن المؤكد أصبحت الخصومة بينه وبينها كبيرة.

ثم أصبح للشظية تأثيرا ماديا عليها مما جعلها نهمة لممارسة الجنس، ليس فقط علاقة جنسية بحتة وإنما تشبث بزوجها، محاولة للالتحام به للتخلص من الخوف الذي استوطنها، فالحرب زرعت داخلها الخوف، وحادث التفجير جعله خوفا كبيرا وكأنه غزا جسدها وروحها، فأصبحت تلتجئ لجسد زوجها هربا من ذلك الخوف، وفي حوارها معه تكرر دوما أنها خائفة، وتستعجل رجوعه من العمل لتحتمي به جسديا، لكنه للأسف لم يفهم وفسر نهمها الجنسي تفسيرات شائكة وأكله القلق والتوتر، أولا لأنه أصبح لا يستطيع مجاراة زوجته في نشاطها الجنسي الذي اعتبره غير طبيعي ومجهد، وثانيا لأن الشك لعب بعقله وظن أن زوجته سوف تلتجئ لرجال آخرين لتشبع نهمها الجنسي أو حتى لحيوان، لكنه رغم ذلك ظل مساندا لها يحاول بقدر الإمكان مجاراتها  والاستجابة لمطالبها الملحة.

وكنت كقارئة أتمنى أن تتحدث “نور” هي عن نفسها، وتوضح ما يحدث لها من تحولات نفسية وروحية بلسانها، لكن ظهر ذلك من الحوار ومن حكي البطل الراوي، وأصبح الأمر لا يطاق بالنسبة للبطل فقد أرقه نهم زوجته وأشعره بالتهديد المباشر له ولأسرته، خاصة أنها التجأت إلى ممارسة العادة السرية بعد أن ابتعد عنها قليلا، وسعى الزوج إلى علاج زوجته نفسيا وإخراج الشظية من جسدها، وذهب بها إلى الطبيبة “تمارا” التي فسرت الأمر له، ولكنه على حد قوله لم يفهم، فالأمر ببساطة أن زوجته افتقدت تصالحها مع جسدها، وروحها أصبحت متشظية، وجدت نفسها فجأة معروضة جسدا وروحا أمام الغرباء، موضوع للعلاج والتشريح والتقطيع، حاولت بقدر الإمكان أن تتصالح مع جسدها لكنها لم تكن لتنجح في فعل ذلك وحدها، فالجسد أصبح موضوعا خارجها، تراه من بعيد وتنظر إليه كجزء غريب عنها، ذلك الجسد الذي انتهكته الحرب والتفجيرات وشرحته أدوات الأطباء وعرته العيون.

توصل الزوج أخيرا إلى الحل الشافي وهو استئصال الشظية من جسد زوجته، ولجأ إلى الطبيب الذي أقر أنها لابد وأن تقوم بعمل عملية ختان، وكأنها لم تنتهك كفاية فيأتي الختان ليكمل على ما تبقى لها من متعة ولذة جسدية. كقارئة انحزت قليلا إلى ضرورة إخراج الشظية التي تعذب “نور”، لكني حزنت أيضا أنها في كل الأحوال هي من تدفع الثمن، ثمن حرب لا يد لها فيها، ومجتمع قد يراها سيئة بنهمها الجنسي، وزوج يشك بها في أقصى لحظات خوفها ورعبها.

الرواية مميزة وتناولت موضوع شائك ويستحق العرض والمناقشة، كيف تنتهك الحرب النساء؟. موضوع مسكوت عنه وتقريبا متفق على ذلك، حتى أن بعض دور النشر رفضت نشر الرواية وكأنها تتواطأ على التعتيم على مثل تلك الموضوعات الشائكة..

كما عرضت الرواية أيضا لتأثيرات أخرى للحرب على النساء والأطفال، أكثر فئتين تتعرضان لتأثيرات وحشية مضاعفة جراء الحرب، فقد عرض البطل أثناء ذهابه لعيادة الطبيبة “تمارا” حالة طفل أصبح يشخر مثل رجل عجوز بعد أن تعرض للحرب، وفتاة تبتسم بل وتضحك بهستيرية بسبب الخوف، وفتاة أخرى تتشبث بأخيها رعبا بعد أن أفزعتها الحرب، وفتاة لم تنم طوال 14 عاما لأنها تخاف أن تنام فتنفجر الدنيا من حولها.

الكاتب..

“وارد بدر السالم” كاتب عراقي، مواليد البصرة في 1956، حاصل على شهادة دبلوم فني من معهد الفنون التطبيقية. صحفي عامل ويعمل رئيسًا لتحرير مجلة (الطليعة) الأدبية. عمل في صحف عراقية وعربية كثيرة محررًا ومدير تحرير.

النتاج الروائي:

  • “طيور الغاق”، 2000.
  • “شبيه الخنزير”، 2004.
  • “مولد غراب”، 2004.
  • “عجائب بغداد”، 2012.
  • “تجميع الأسد”، 2014.
  • ” عذراء سنجار”، 2016.
  • “شظية في مكان حساس” 2019.

النتاجات الأخرى:

  • “ذلك البكاء الجميل” (قصص)، 1983.
  • “اصابع الصفصاف” (قصص)، 1987.
  • “جذوع في العرا” (قصص)، 1988.
  • “بيتنا” (قصص)، 1990.
  • “انفجار دمعة”، 1994.
  • “عكس المقص” (قصص)، 2000.
  • “فصول الحصار”، 2000.
  • “البار الأمريكي” (قصص)،2007 .
  • “انفجار قلب”، 2007.
  • ” الهندوس يطرقون باب السماء” (أدب رحلات)، 2010.
  • “أصابع السرد”، 2013.
  • “برلمان تحت الصفر” (سياسة)، 2014.
  • “المعدان” (قصص)،2015.
  • “جماليات الكتابة”، 2015.
  • “دليل العاشقات” (نصوص)، 2015.

حاصل على:

  • جائزة دبي الأولى للقصة القصيرة عام 2007 عن “البار الأمريكي”.
  • جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلات بأبو ظبي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة