23 نوفمبر، 2024 11:45 م
Search
Close this search box.

رواية سبونتيك الحبيبة.. حميمية الصداقة والحب تقتل وحدة الإنسان

رواية سبونتيك الحبيبة.. حميمية الصداقة والحب تقتل وحدة الإنسان

 

خاص: قراءة- سماح عادل

في رواية “سبونتيك الحبيبة” للكاتب الياباني “هاروكي موراكامي” تتناول فكرة الإحساس بالوحدة، ذلك الإحساس المداوم الذي يشعر به الإنسان في الوقت الحاضر، وكيف أن الحميمية التي  تخلقها الصداقة والحب هي الحل لتلك الوحدة.

الشخصيات..

سوماير: البطلة، فتاة في الثانية والعشرين من عمرها، تحلم بأن تصبح كاتبة رواية، تترك الجامعة لأجل حلم الكتابة لكنها لا تنجح في عمل رواية حقيقية رغم أن لديها الموهبة، أبوها طبيب أسنان وسيم وأمها توفت وهي طفلة صغيرة، وخلف لها ذلك إحساس بالوحشة والحنين إلى الأم يظهر في أحلامها المتكررة، تكتشف “سوماير” أنها لا تنجذب إلى الرجال ولا تشعر برغبة مطلقا في ممارسة الجنس معهم.

البطل: هو الراوي الذي يحكي الرواية، وهو صديق “سوماير” المقرب يحكي حكايتها وحكايته أيضا، لا يعطي نفسه اسم لكننا كقراء نعرف عنه الكثير، فهو في الرابعة والعشرين من عمره، يعيش طوال حياته وحيد لأنه لم يجد الدفء والحميمية في أسرته، ويتجه إلى قراءة الروايات وسماع الموسيقى كأشياء تحقق له السعادة، تستطيع “سوماير” أن تكون صديقته المقربة الوحيدة، ورغم أنه أحبها وتمنى أن يدخل معها في علاقة حب متكاملة إلا أنها لم تنجذب له كرجل، وإنما تعتبره صديقها الوحيد في الحياة وفقط، يعمل البطل مدرس في المرحلة الابتدائية لأن مهنة التدريس أقرب إلى خصاله النفسية .

ميو: سيدة في أواخر الثلاثينات، تقابلها “سوماير” مصادفة، وتكتشف أنها وقعت في غرامها، وتظل تدور في مدارها فترة من الزمن، تمنح “ميو” “سوماير” فرصة عمل جيدة وهي أن تكون مساعدتها الخاصة، وتشجعها على ارتداء ملابس جيدة بعد أن كانت ترتدي ملابسها كما اتفق، وتشجعها على ترك عادة التدخين، حيث كانت “سوماير” مدخنة شرهة، وتعمل “سوماير” معها فترة من الزمن.

صديقة البطل: سيدة متزوجة ولديها طفل هو تلميذ لدى البطل في المدرسة، تمارس معه الجنس بشكل منتظم، وهو لا يشعر نحوها بأي حب، وحين يمارس ابنها سلوكا سيئا وهو سرقة المحلات، تشك أن ابنها أحس بعلاقتها بمدرسه فيقرر البطل إنهاء تلك العلاقة إلى الأبد.

الراوي..

الراوي هو البطل يحكي بشكل مباشر إلى القراء، يقول أنه يحكي عن “سوماير” ويخصص جزء كبير من الرواية لها، خاصة منذ البداية، لكنه مع ذلك يحكي عن نفسه وعن إحساسه ب”سوماير” واشتهائه لها، ويحكي عن “ميو” من خلال “سوماير” ويتحايل على ذلك بعرض كتابات ل”سوماير” تحكي فيها عن “ميو” وعن حياتها، أو من خلال مقابلاته مع “سوماير”، كما يترك ل”مي”و حرية التعبير عن نفسها حين يقابلها في إحدى الجزر في اليونان ويترك لها فرصة الحكي.

السرد..

يمتاز الحكي بالبراعة ويعتمد على الغرائبية وبعض الأفكار الخارجة عن المألوف، كما يمتلئ السرد بأفكار وجودية كثيرة، تدور حول وحدة الإنسان في العالم المعاصر، وقضاءه روتينه اليومي رغم ما يشعر به من فراغ، وانقسام الذات، وشعور الإنسان أنه فقد شطرا من ذاته وكأنه انقسم إلى اثنين يفصل بينهما مرآة، تقع الرواية في حوالي 288 صفحة من القطع المتوسط، لا يعتمد السرد على التشويق بقدر ما يعتمد على كشف عمق الشخصيات، من خلال عرض أفكارها الطريفة والغريبة وإحساسها المختلف بالعالم والحياة.

انشطار الذات..

“سوماير” هي البطلة، يعترف الراوي منذ البداية أنها خارجة عن المألوف، وأنه يحبها، فهي لا تشعر برغبة تجاه الجنس الآخر، ترتدي ملابس غير مرتبة، تعيش في غرفة ضيقة مليئة بالفوضى، وتقرر ترك الجامعة لأجل أن تحقق حلم أن تصبح كاتبة رواية، لكنها مع ذلك لا تستطيع كتابة رواية متكاملة. وفجأة ينقلب حالها بعد أن تتعرف على “ميو” في إحدى الحفلات، وتشعر بانجذاب شديد نحوها، وتصبح ملازمة لها منذ ذلك الوقت بعد أن تمنحها “ميو” عملا، وتتغير بالفعل كل ذلك لأجل انجذابها نحو “ميو” حتى أنها تتخلى عن شراهتها في التدخين، وتصبح فتاة عادية ترتدي ملابس متناسقة، وتنام في الليل وتستيقظ في الصباح للعمل، وتتعلم اللغة الايطالية والقيادة، وتنظم عمل “ميو” بكل حماس. كل تلك التفاصيل تحكيها للبطل من خلال الهاتف، أو من خلال مقابلاتهما الدورية، وتشعر أن “ميو” غيرتها تماما وكأنها فككت أجزائها وأعادت تركيبها مرة أخرى على نحو مغاير، وتشعر “سوماير” بهذا الانزعاج من تغيرها لأجل “ميو” ومن اختفاء رغبة الكتابة لديها .

وتذهب في رحلة عمل مع “ميو” إلى فرنسا ثم إلى جزيرة في اليونان، وترسل رسائل طويلة للبطل تحكي فيها كل شيء إلى أن تختفي، ويذهب البطل إلى جزيرة في اليونان التي كانت تقضي فيها “سوماير” و”ميو” عطلة، ويحاول كشف أسباب اختفاء “سوماير” ويكتشف أن “ميو” لم تتجاوب معها وأنها لم تشعر بانجذاب نحو “سوماير” لأنها تشعر أنها فقدت شطر من ذاتها منذ 14 عاما، في حكاية غرائبية وكأنها انقسمت إلى قسمين أو شخصين يفصل بينهما مرآة، ومن وقتها فقدت شغفها بالحياة وأصبحت فارغة تماما .

ويحكي الراوي عن وحدته الشديدة بعد اختفاء “سوماير”، والتي رغم أنها لم تستجيب معه ولم تحبه كرجل، إلا أنها أنهت وحدته الطويلة التي يشعر بها منذ أن كان طفلا، وجعلته يكتشف ذاته من خلال لقاءاتهما وحواراتهما الحميمية، وأسئلتها الكثيرة وأفكارها الوجودية، فهي أقرب صديقة إليه وحميميته معها أشبه بحميمية بين طفلين يكتشفان الحياة والعالم وذاتهما سويا، وتنتهي الرواية بنهاية مرضية حيث تظهر “سوماير” بعد اختفاء دام شهورا، وبعد أن أوشك البطل أن يعيش دون إحساس بالحياة في فراغ ووحدة تامة.

الرواية تحتاج للمسة سحرية..

يتناول الكاتب أيضا فكرة هامة، وهي أن كتابة الرواية تحتاج للمسة سحرية، فلا يكفي وجود الموهبة والمهارات والرغبة في الكتابة، ولا حتى البراعة في تصوير المشاهد، بل لابد للرواية من لمسة سحرية تعطيها تميزها، هكذا نصح الراوي الذي كان نهما في قراءة الروايات منذ طفولته “سوماير”، التي كانت تشعر دوما بالإخفاق في تحقيق حلمها الكبير، وهو أن تصبح كاتبة رواية.

الكاتب..

“هاروكي موراكامي” كاتب ياباني، ولد في مدينة “كيوتو” عام 1949 وشب في مدينة “كوبيه”، وهي مرفأ بحري تختلط فيه الأعراق والجنسيات. وهو الولد الوحيد لأبوين يعملان أستاذين لمادة الأدب الياباني إلا أن الأدب الأميركي, هو الذي جذبه إلى عالم الرواية وخصوصاً أعمال “فيتزجيرالد” و”شاندلر” وضروب الرواية السوداء من قصص الرعب وحكايات المغامرات التي شكلت إلى جانب الأدب الكلاسيكي مادته التعليمية والثقافية العامة.‏

يشير النقاد إلى تأثر “موراكامي” بالأدب الكلاسيكي وخصوصاً أعمال “دستوفسكي” و”تولستوي” و”بلزاك” من حيث أنها تشكل العناصر الأساسية لثقافة “موراكامي” والمادة الضرورية التي ينهل منها في بناء أعماله الروائية, كذلك لا يستطيع الاستغناء عن استخدام الثقافة الشعبية وأدب الخيال العلمي, لذلك تراه يقوم بمزج هذه العناصر الأدبية ويصهرها في بوتقة واحدة لتكون النتيجة أعمالاً روائية متميزة.‏

“هاروكي موراكامي” الكاتب والروائي والمترجم الياباني الأكثر شهرة في العالم في وقتنا الحالي والذي اقتحم عالم الأدب وهو في السابعة والثلاثين من عمره وحصد الجوائز العالمية من أول رواية. ورغم شهرته العالمية الواسعة ورواياته التي ترجمت إلى39 لغة إلا أنه قليل الظهور في وسائل الإعلام، نادرا ما يدلي بحوارات صحفية، لا يظهر على شاشات التليفزيون، ولا يعطي بأحاديث إلى الإذاعة، ويتحفظ جدا بشأن التقاط الصور له. لذا فهو خارج دائرة المثقفين والمعنيين بالأدب والرواية شخص غير معروف من يراه يظن أنه فتى مراهق عاطل عن العمل لنحافة جسمه وقصر قامته وإصراره على ارتداء الملابس الرياضية!

عاش في أوروبا إلى أن استقر به الحال في الولايات المتحدة بين عامي 1986 إلى 1995. وهناك عمل أستاذا للأدب الياباني في جامعة ”برنستون” وجامعة ”تافت” بالولايات المتحدة. وهناك ألف روايتيه ”أرقص.. أرقص.. أرقص” 1988 و”جنوب الحدود.. غرب الشمس” .1992 إلى أن تعرض هاروكي موراكامي إلى هزة قوية في مشاعره الوطنية عندما ضرب زلزال مدينة كوبيه عام 1995 وحادثة تفجير مترو طوكيو، فشعر بأنه لا يستطيع التخلي عن كونه يابانيا وقرر العودة إلى وطنه.

وإذا كانت رحلته مع الكتابة بدأت عام 1979 فرحلته مع الشهرة بدأت عام 1987 بروايته “أغنية للمستحيل” التي تحول فيها إلى الواقعية الجديدة فتناول قصة أربعة شبان يتجاوزون مرحلة المراهقة ويعانون من صعوبات في مواصلة حياتهم. وهي الرواية التي بيع منها أكثر من ثلاثة ملايين نسخة فأصبح من بعدها كاتبا مشهورا تتخطى شهرته حدود اليابان إلى جميع أرجاء العالم. ثم توالت بعدها أعماله حيث قدم اثنتي عشرة رواية أبرزها “سباق الخروف البري” 1982 و”الغابة النرويجية” 1987، و”خاتمة الأزمنة” 1992، و”أنشودة المستحيل” 1994، و”سبوتنيك الحبيبة” 1999، و”حوليات الطائر النابض” 2001، و”كافكا على الشاطئ” 2002، و”بعد الظلام” 2004، بالإضافة إلى عشرات القصص القصيرة آخرها “طوكيو الغامضة” 2005، فبلغ مجمل أعماله 30 كتاباً ترجمت معظمها إلى 39 لغة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة