رواية “رسالة إلي السيدة إياها”.. الجسد سجن المرأة الأبدي

رواية “رسالة إلي السيدة إياها”.. الجسد سجن المرأة الأبدي

خاص: إعداد- سماح عادل

رواية “رسالة إلي السيدة إياها” للكاتبة اليمنية “سهير علوي” تناولت حكاية فتاة تعرضت لمعاملة سيئة بسبب كونها امرأة، وناقشت عدة أمور فيما يتعلق بالنساء في مجتمع محافظ ومغلق.

الشخصيات :

رويدا: البطلة، فتاة في فترة شبابها، تعرضت للمعاملة السيئة فقط بسبب كونها فتاة منذ أن كانت طفلة، حيث تعامل معها أقاربها من النساء بقسوة وصلت إلي حد العنف الجسدي مع حقيقة كونها يتيمة الأم، ثم تم تزويجها  وهي صغيرة في السن لتتخلص الأسرة من عبئها المادي، لتبدأ حياتها في مراحل أخري أكثر قسوة.

عادل: مخرج مسرحي، لا تتضح شخصيته إلا في حدود تعامله مع البطلة “رويدا”، ويظهر ذلك التعامل رجل قاسي متعنت شرقي، يحكم علي النساء وفق الأقاويل التي تثار حولهن، دون محاولة التأكد من صحة تلك الأقاويل.

عماد:  رجل تعلق بالبطلة وأحبها وحاول مساعدتها، لكنه أيضا انقلب عليها حينما رفضت مبادلته نفس المشاعر.

نور:  رجل عراقي، تحدث المصادفة ويتقابل مع البطلة لكنه يدخل في حيز أحلام اليقظة لديها.

وهناك شخصيات أخرى ثانوية.

الراوي..

الراوي يحكي بصوت البطلة، التي تحكي في الزمن الحاضر، وتروي حياتها بعد انتقالها إلي مدينة صنعاء، لكنه يعود إلي الماضي خاصة في الجزء الأخير من الرواية، وهو يمثل وجهة نظر البطلة ورؤيتها ويحكي عن الشخصيات الأخرى من خلال منظور البطلة “رويدا” ومن خلال تقاطعهم وتفاعلهم معها.

السرد..

تحكي حكاية البطلة بعد انتقالها لمدينة صنعاء لتعيش بمفردها، بعد أن تعقدت حياتها، لنجد تعقيدات أكبر تصل بها إلي مرحلة التفكير في الرحيل إلي بلد آخر. تواجه صعوبات كثيرة تشعرها بكونها مخلوق ضعيف ولا تحاول الدفاع عن نفسها وتنتهي الرواية نهاية مفتوحة برحيل البطلة.

امرأة في مجتمع محافظ..

أهم ما تناولته الرواية وضع المرأة في مجتمع محافظ، حيث ذهبت “رويدا” لتعيش في صنعاء بمفردها، ولأنها امرأة علي قدر من الجمال فقد أصبحت مصدر جذب لرجل يدعي “عماد” والذي حاول مساعدتها فسهل لها الحصول علي وظيفة والحصول علي شقة إيجار وانتظر مقابل تلك المساعدات مشاعر متبادلة وزواج. حتى أنه أصبح يطارد “رويدا” رغم إعلانها المتكرر أنها لا تريد زواج أو حب. ونشعر هنا بنوع من الإكراه علي الدخول في علاقة وقبول الزواج ومطاردة وإلحاح.

ثم تنجذب “رويدا” للمخرج “عادل” الذي جمعها به عمل يتعلق بكونها كاتبة، لكنها تتصرف بتهور وتطلب منه الزواج بها، يوافق “عادل” لكنه يمعن في معاملتها بقسوة، ولا يحاول أبدا التقرب منها أو فهمها عن قرب. ويزيد الأمر سوءا أنه يسمع عنها بعد الأقاويل فيصدقها علي الفور دون محاولة منه للتحقق من صحتها، ويأخذ حكما أخلاقيا علي “رويدا” بناء عن أقاويل.

رغم شعور “رويدا” بالحب نحو “عادل” إلا أنها تتعذب نتيجة معاملته القاسية لها. وتظل تتمني أن يظهر بعض الحنان والتفهم. ثم يتفاقم الأمر حين تتورط في أمر طفل رضيع ساعدت أمه علي إنجابه، لكنها توفت مع الأسف، ثم وجدت الطفل بحوزتها نتيجة خوف الأب وصدمته من وفاة زوجته المفاجئ، مما فاقم من مشاكل “رويدا” التي  َتعرضت للسجن ولأقاويل أكثر تضر بصورتها أمام الناس حتي انهارت علاقتها ب”عادل” وطلقت منه. وبعد أن اتضح أمر الطفل وأخذه أهله أصبحت “رويدا” تشعر بالإحباط الشديد حتى أنها قررت مغادرة البلد.

ونلاحظ هنا أن كلا الرجلين “عماد” و”عادل” تعاملا بقسوة مع “رويدا” حتى أن صديقتها المقربة أيضا تحالفت مع “عماد” لأنها أرادت أن تتزوجه هي، وهي قسوة ناتجة عن استضعاف المرأة في ذلك المجتمع، الاستهانة بها وبأمرها، والتعامل معها علي أنها كائن ضعيف لن يستطيع رد الأذي عن نفسه. وللأٍف هذا ما حدث من “رويدا” لأنها وحيدة لا سند لها.

حلم يقظة..

تدخل “رويدا” في حلم يقظة وهي في المطار يكشف لنا كثير من الأمور عن حياتها الماضية، وهي أنها ظلمت من قبل لكونها يتيمة الأم وبلا أهل يهتمون بها، فقد تم  تزويجها من رجل سيء عاملها بقسوة ولم يتخذها زوجة وكان والده هو من يراعاها ومن قدم لها حياة كريمة وتعليما نافعا.

لتعود مرة أخري بلا سند أو راعي بعد موت والد زوجها، ليرميها زوجها في الشارع بعد أن يطلقها ولا يكتفي بذلك بل يشيع أقاويل سيئة عنها.

عذرية..

طرحت الرواية في جرأة أمر العذرية التي تحتفي بها المجتمعات المحافظة والمنغلقة أيما احتفاء، لنكتشف أن “رويدا” التي أثيرت حولها الأقاويل وجعلت الناس ينفرون منها إلي حد فقدانها لعملها كانت عذراء، رغم أنها تزوجت من رجلين، ورغم عذريتها وامتلاكها لدليل الشرف والطهر والبراءة الذي يشترطه أي مجتمع محافظ، إلا أن ذلك لم يحميها من الظلم لان زوجها الأول قرر التشهير بها والادعاء إنها خانته. مما يؤكد علي فكرة أن كلمات الرجال في المجتمع الذكوري قد تحدد مصائر وحيوات النساء وقد تخرب تلك الحيوات تماما.

في حلم يقظتها تتخيل “رويدا” أن “أنور” تزوجها واكتشف عذريتها وأصر أن يعلن براءتها أمام الناس وأمام صديقه وزوجته، وكأن تلك البراءة هي التي ستعيد ل”رويدا” كرامتها ومكانتها التي سلبت منها. وكانت الطريقة في إعلان تلك البراءة فض عذريتها علي مشهد من ناس آخرين، علي ما في تلك الطريقة من انتهاك جسدي ونفسي للمرأة، مما يؤكد علي فكرة أن جسد المرأة هو سجنها الأبدي في تلك المجتمعات المغلقة المحافظة وهو دليل شرفها ومكانتها.

لكنه كان مجرد حلم يقظة لأنها في النهاية سافرت إلي البلد الآخر بعد أن استفاقت من الحلم، ودلالة ذلك الحلم هو رغبة “رويدا” في إعلان براءتها من وضع أجبرت علي أن تكون فيه وحرمت من حق الدفاع عن نفسها، وحلمها بعلاقة سوية تجد فيها الحب والتقدير والاهتمام كل تلك الأمور التي حرمت منها في حياتها السابقة.

معالم اليمن..

حرصت الرواية علي تقديم معالم لبعض الأماكن الهامة في اليمن، وشرحا بتفصيل واهتمام، وتقديم اهميتها التاريخية والجغرافية، وهذا يحسب للكاتبة التي تعتز ببلدها وتقدم كنوزها للآخرين الذين ربما لا يعلمون عن تلك الكنوز.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة