خاص: قراءة- سماح عادل
رواية (رجل من الماضي .. مائة عام في الفضاء) للكاتب الفلسطيني “رياض حلايقة” تدور أحداثها في أمريكا في سرد أقرب للخيال العلمي بطعم الرواية البوليسية.
الشخصيات..
جو مارتن ويلسون: البطل، رجل عاش في القرن التاسع عشر في أمريكا وقت الحرب الأهلية، وتنقل مع من تنقلوا إلى غابة لينشئوا مدينة جديدة، ثم سافر مع أهل بلدته للعمل في مزرعة لتحسين أوضاعه المالية لكنه اختطف وهو في الطريق وقامت مخلوقات فضائية في كوكب آخر بإجراء تجارب علمية عليه، ليعود بعد مائة عام إلى بلدته يبحث عن أهله، نشأ فقيرا لأب نجار وأم ربة منزل ولم ينل حظا من التعليم وكان يعول أخيه وأخته لكنه غادر بلدته وعاش حياة صعبة ثم تزوج وكون أسرة.
سارة: ابنة البطل، تعذبت “سارة” التي كانت في طور المراهقة، فبعد اختفاء أبيها اضطرت أن تتحمل مسئولية المزرعة التي أجرها أبوها من أخيه ثم تزوجت من “ستيف” الذي كان مساعدا لها وحمل مسئولياتها ومسئولية تربية أشقاءها.
ليزا: زوجة البطل، تعرفت عليه وهو يقوم بأعمال صغيرة ورغم أن أباها كان غنيا إلا أنها وقعت في غرام البطل وتزوجته رغما عن أهلها، وذهبت معه إلى مدينة أخرى وكونت معه أسرة، إلى أن اختفى وظلت تنتظره سنوات طويلة حتى ماتت دون أن تراه.
جورج: ابن “جو مارتن ويلسو”ن بعد أن كبر غادر البلدة وذهب ليعيش في مدينة أخرى.
العمدة : “نورمان” كان صديقا للبطل، وحين ذهبا معا إلى تلك الغابة التي ذهب إليها أناس قبلهم أعجب الناس ب”نورمان” ومساعدته للجميع، حيث كان غنيا ويمتلك أموالا ولم يبخل بالمساعدة مما جعلهم يختارونه عمدة لقريتهم الوليدة، وأسموها بلدة “نيوفلج” وقد نجح العمدة في إدارة القرية الوليدة واستطاع أن يحولها إلى مدينة مجهزة بكل ما يلزمها من مباني ومؤسسات، ويقيم فيها قوانين وقواعد للمعيشة، وعندما مات حزن عليه الجميع وسموا الشارع الرئيسي باسمه.
سوزي: صحفية عاشت في الثمانينات وقت ظهور البطل مرة أخرى، وكانت متعاطفة معه وتصدقه رغم أن الجميع كذبوا أقاويله التي كانت خارجة عن المألوف بالنسبة لهم، لنكتشف في النهاية أنها حفيدة للبطل من ابنه الثاني.
سام: طالب في الجامعة، وقع الاختيار عليه من الفضائيين في الكوكب لينقلوا إليه ذاكرة البطل “جو”، وهو شاب في عمر الخامسة والعشرين ولقد ارتاب الناس فيه واعتبروه مريض نفسي، وأودع مستشفى الأمراض النفسية ثم أخذ الفضائيون يتلاعبون به ويجرون عليه التجارب وكان هو البطل الذي كان يمتلك ذاكرة “جو مارتن”.
جيرالد: متهم بقتل صديقه وعائلته، وقتل على يد اخو القتيل، لكن قضيته ظلت مجهولة واشتبه في البطل في أن يكون هو “جيرالد” المجرم إلا أن كشف الفضائيون الحقيقة.
الراوي..
الراوي عليم يحكي عن الجميع بضمير الغائب، لا يهتم برصد انفعالات وأفكار الأبطال الداخلية بقدر ما يهتم بسرد الأحداث وما يمر به البطل والشخصيات من حوله، يتنقل في الحكي بسلاسة.
السرد..
السرد محكم البناء يعتمد بشكل كبير على التشويق، ويدور السرد في زمانين متقابلين، الأول من 1815 وقت مولد البطل “جو” وحتى تقدمه في العمر، والزمن الآخر من 1985 وقت ظهور “جو” مرة أخرى في البلدة التي عاش فيها قبل اختفاءه، والتي تحول اسمها من “نيوفلج “إلى “جيرسي”، والسرد يعتمد على التقطيع بين الزمنين، فالحكي يكون في الزمن الأول ثم الحكي في الزمن الثاني وهكذا تجري الرواية، إلى أن يتكشف اللغز تماما في النهاية، ويعطي السرد للشخصيات الأخرى أدورا ليست بحجم الدور الذي أعطاه للبطل “جو” والبطل الذي يحل محله “سام”. الرواية تقع في حوالي 306 صفحة من القطع المتوسط ويمتاز السرد بأنه يشد القارئ إلى تكملة الأحداث، كما كان وافيا في الإجابة على جميع التساؤلات لدى القارئ وكشف ملابسات غموض أحداث هامة.
الخيال العلمي بصبغة بوليسية..
الرواية مهتمة بشكل كبير بتقديم حكاية أقرب إلى الخيال العلمي في إطار بوليسي شيق، واختار الكاتب، رغم كونه فلسطيني، أن يحكي عن رواية تدور في أمريكا كل أبطالها من الأمريكان ومن الفضائيين، ولا أعلم السر وراء ذلك لكنه كان موفقا إلى حد كبير في الحكي، ولم يقع في التكرار وكان سرده محكم البناء وعلى درجة عالية من الإتقان، تدور الحكاية حول تجربة علمية يقوم بها فضائيون من كوب آخر على البشر لأنهم أكثر تطورا يتمتعون بتطور علمي وحضاري كبير، لذا فقد قرروا أن يختاروا البشر بعد أن أجروا تجاربهم على الحيوانات، وكان البشر في المنزلة التالية للحيوانات في رأيهم، وبالفعل قاموا بإجراء تجارب على “جو مارتن ويسلون” الذي عاش في القرن التاسع عشر وحرموه من العيش مع أسرته وفي بلدته الجديدة، وحين مات حنطوا جسده بعد أن علموه لغتهم وجعلوه يعرف ما حدث لأهله وأصدقاءه، وحين مات اختاروا حفيد له في عمر الشباب ونقلوا له ذاكرته كاملة، ونجحت التجربة بالفعل واستطاعوا نقل ذاكرة بشري إلى بشري آخر، رغم موت الأول، وأصبح “سام” هو “جو” في ذاكرته وعقلهز
وظل شهور طويلة يقنع البشر الذي نزل في بلدتهم ويعطيهم الأدلة المادية ليصدقوا أنه هو ” جو مارتن”، لكنه هو نفسه لم يكن بعلم أنه مات وان ذاكرته زرعت في عقل حفيده الشاب، وبعد معاناة شهور وحبس وسجن ومعاملة سيئة من الناس الذين لم يصدقوا أقواله وحكاياته قرر الفضائيون خطفه مرة أخرى، ثم أرسلوا للبشر بكل المعلومات حول تلك التجربة العلمية، وأرجعوا سام لذاكرته الحقيقية، وانتهت الرواية بالزواج بين “سوزي” و”سام” والذي تبين أنهما أبناء عمومة وانتهت الرواية نهاية سعيدة.
تعكس الرواية فهم للمجتمع الأمريكي من قبل الكاتب، حيث أنه حكي بإتقان عن الحرب الأهلية ومعاناة الناس منها، وعن نشأة بلدة جديدة في غابة في أمريكا، وكيف بدأت مجرد بيوت متفرقة لتتحول إلى مدينة شهيرة، وربما يرجع الأمر إلى اطلاع الكاتب على المجتمع الأمريكي وخصوصيته، فقد تتبع البطل منذ مولده فقيرا في بلدة حديثة التكوين وكيف عاني من ذلك، ثم عاني من الحرب الأهلية وعدم استقرار أمريكا في ذلك الوقت، ثم نقل أجواء أمريكا في الثمانينات بما يسمح به إطار أحداث الرواية وكأنه عاش في أمريكا في هذه الأوقات، كما رصد التشتت الذي كان يعاني منه بعض الأمريكيون، حيث يتفرق الإخوة وتنقطع الصلات بينهم ولا يعودون يعرفون بعضهم البعضن ويعيشون في أماكن مختلفة تماما، مثلما حدث مع ولدي “جو مارتن” حتى أن أبناءهما وأحفادهما لم يكونوا يعرفون بعضهم البعض، وهذه إحدى خصوصيات المجتمع الأمريكي في تلك الفترة. الرواية مميزة تتمتع بلغة سلسلة وإحكام وتشويق وحكي جذاب.
الكاتب..
“رياض حلايقة” كاتب فلسطيني صدر له ثلاث روايات ( رجل من الماضي مائة عام في الفضاء- رجل من الماضي- أسرار القلعة).