14 نوفمبر، 2024 1:22 م
Search
Close this search box.

رواية “دودة الحرير”.. العيش علي الهامش قد يصنع قاتلا

رواية “دودة الحرير”.. العيش علي الهامش قد يصنع قاتلا

خاص: قراءة – سماح عادل

رواية “دودة الحرير” للكاتبة البريطانية الشهيرة “ج. ك. رولينغ” صاحبة سلسلة “هاري بوتر”، والتي تكتب تحت اسم مستعار “روبرت غالبريث”، وهي حلقة ثانية من سلسة روايات تعتمد علي محقق واحد هو “كورموران سترايك” ومساعدته الجميلة الشقراء “روبن إيلاكوف”. والرواية تدور حول قصة بوليسية يكتشفها المحقق الشهير، لكنها لا تخلو من قضايا إنسانية، ومن اهتمام بحيوات الشخصيات.

الشخصيات..

“كورموران سترايك”: البطل، هو المحقق الذي يتكرر في باقي الحلقات، هو ابن غير شرعي لمغني شهير وغني، عاش طفولة سيئة لأن أمه كانت مدمنة مخدرات تهوي الجري وراء المشاهير وتتنقل كثيرا في حياتها، التحق بالجيش وكان يعيش حياة هادئة وسعيدة يتجنب فيها عقدة انتمائه لأب شهير لا يهتم به أو يعترف بوجوده. لكنه يصاب في أفغانستان ويفقد إحدي ساقيه، ويكمل حياته ويفتح شركة خاصة ليكون محققا خاصا ويبدأ في حل بعض الألغاز التي تحقق له شهرة في المجتمع البريطاني.
روين ايكلاف: تتقابل “روبن” مع “سترايك” في الجزء الأول من السلسة المعنون ب “نداء الكوكو” مصادفة، وتعجبها فكرة أن تعمل مساعدة لمحقق خاص، لأن ذلك لامس شغفها في أن تكون محققة هي أيضا، وتتحمل الظروف المادية السيئة لرب عملها، وترضي براتب قليل علي أمل أن يدربها علي العمل كمحققة.
وتمتلئ الرواية بالشخصيات الذين يشتبكون في القصة البوليسية التي حلها “سترايك” في النهاية.

الراوي..

الراوي عليم يحكي عن “سترايك” و”روبن” بالأساس، ويحكي عن باقي الشخصيات من خلال عيون “سترايك” ووجهة نظره وتعامله مع تلك الشخصيات، إلي جانب الحوارات التي تظهر جوانب هامة من تلك الشخصيات.

السرد..

الرواية طويلة تبلغ 570 صفحة من القطع المتوسط، يهتم فيها الراوي بسرد مفصل للأماكن التي يذهب إليها “سترايك” لمباشرة عمله، تفصيل دقيق قد يصل إلي حد إشعار القارئ بالملل، كما يهتم بشخصية “سترايك” وما تمر عليه من صعوبات وهو يمارس عمله، محاولا الاستمرار في حين تعذبه ذكري علاقة حب طويلة، كما يركز الحكي علي “روبن” وعلي الشخصيات الأخرى في القصة البوليسية.
الكتابة ومشاكلها..
بطل القصة البوليسية كاتب لم يحوز شهرة كبيرة، ورواياته مليئة بالمشاهد الجنسية، لم يستطع تحقيق الشهرة التي تمناها في حين أن له غريم استطاع الوصول إلى تلك الشهرة رغم دموية رواياته، وميلها إلي سرد لا يخلو من عنف، كما ينتقده البعض بسطحية تناوله للشخصيات النسائية.
يختفي الكاتب المغمور، وتأتي زوجته التي ترتدي ملابس رثة، وتتعامل بعفوية شديدة ولا مبالاة لتطلب من “سترايك” تولي قضية البحث عنه وإحضاره من مكان اختفاءه، يتحمس “سترايك” فقط بسبب شعوره بالشفقة علي زوجة الكاتب المغمور وحالها، ويبدأ في البحث عن الكاتب ظنا أنه ابتعد عن بيته نتيجة مشاجرات مع زوجته، لكن يفاجئ “سترايك” أثناء بحثه في تلك القضية بأشياء كثيرة تتكشف له وبسعي بعض الناشرين إلي مقابلته والتحدث معه.
ونتعرف من خلال ذلك البحث علي أشياء كثيرة بخصوص النشر، حيث يشتهر الكتاب لأشياء لا علاقة لها بروعة الكتابة، والشهرة قد تكون سببا في سعي الناشرين وراء الكتاب أو الفنانين لعمل كتب لهم.
كما نجد بعض الكتاب الذين يتعاملون مع الكاتبة المرأة بذكورية شديدة ويقللون من شأن ما تنتجه من كتابات وإبداع، مقتنعين من أعماقهم أن المرأة الكاتبة لا تستطيع إجادة الكتابة الإبداعية والأدبية مثل الكاتب الذكر.
ليس هذا فقط بل أن الكتاب المشاهير يتعاملون بتكبر وغرور مع الكتاب الأقل شهرة منهم، ويتعالون عليهم مسببين لهم عقدا نفسية لا تنمحي.

اضطراب جنسي..

تقدم الرواية شخصية ناشر يعاني من اضطراب جنسي، فهو ينجذب إلي الرجال، أو الشبان الأصغر منه لكنه لا يستطيع عمل علاقة معهم ويكتفي برسم الشبان وهم عراة، وهذا الاضطراب الجنسي يؤثر علي عمله، فحين ينجذب إلي أحد الكتاب الذي يتمتع بوسامة شديدة ويرفض ذلك الشاب التقرب إليه يرفض نشر روايته، خاصة بعد أن أصيب هذا الكاتب بالايدز فيخشى الناشر علي سمعة دار النشر خاصته والتي ورثها عن والده، وهذا الناشر يتصف بالانطوائية والتعامل غير المهني مع موظفيه.

حب غير متكافئ..

كما تعطي الرواية مساحة لا بأس بها لعلاقة “سترايك” ب”شارلوت”، علاقة غير متكافئة بين رجل فقير ومحسوب علي مغني شهير وبين فتاة تتمتع بقدر عال من الجمال وتنتمي للطبقة الغنية التي تسميها الرواية الطبقة المخملية، وعلاقة الحب هذه تستمر ل16 عاما بينهما فواصل وانقطاعات عديدة، لكن “شارلوت” دوما ما تعود ل”سترايك” لأنها تشعر بالأمان معه، وتتصف هذه العلاقة بخلاف أنها علاقة غير متكافئة بأنها علاقة غير سوية.
ف”شارلوت” عنيفة وسيئة التعامل مع “سترايك” لكنها مع ذلك تحبه حبا شديدا وهو أيضا، لكن حين تصل العلاقة إلى مرحلة من عدم الثقة والشك وشعور “سترايك” بالملل من أكاذيب “شارلوت”، وصدمته أنها كذبت في أمر هام وهو حملها منه وإنجابها طفل يموت بعد فترة قصيرة، دون أن تعطيه الفرصة ليرى ذلك الطفل،وتنتهي العلاقة بالانفصال، لكن مع ذلك يظل “سترايك” يعاني من عذابات الفراق ويشعر بالحنين نحو “شارلوت” خاصة عندما تعلن زواجها من أحد الأغنياء في طبقتها المخملية، ويحاول التغلب علي مشاعر الحنين نحو “شارلوت” بإجهاد نفسه في العمل حد الإيذاء الجسدي.

علي هامش الحياة..

تتمتع الرواية بقدرة عالية علي التشويق وتتبع قصة معقدة تنحل خيوطها ببطء، لنكتشف أن القاتلة هي “اليزابيث”، ناشرة الكاتب المغمور، وهي في الوقت نفسه صديقة له وللكاتب الشهير المتكبر. وتعتمد الرواية علي رواية أخرى كتبها الكاتب المغمور قبل اختفاءه وأرسلتها الناشرة إلي ناشر آخر تريده أن ينشرها وناشر آخر فضولي، ولأن الرواية صادمة ودموية وبها عنف مرتبط بممارسات جنسية غير سوية ومقززة، فقد انتشر ما في هذه المخطوطة علي نطاق واسع، وخاف كثير ممكن تناولتهم الرواية المخطوطة من ذلك.
حتى أن الناشر المضطرب فكر في اللجوء إلي القانون ومقاضاة الكاتب المغمور، بينما الكاتب الشهير لم يهتم، في حين أنكرت “اليزابيث” الناشرة علمها بما في المخطوطة، مدعية أنها كانت مريضة ولم تقرأها جيدا وأنها حين علمت بما فيها أعلنت رفضها لنشرها.
بعد تتبع “سترايك” للقصة نكتشف أن الكاتب المغمور وقع ضحية “اليزابيث”، الكاتبة العانس التي كانت تحب الكاتب الشهير في شبابها،حيث كانا زميلين في جامعة واحدة ودرسا في الصف نفسه، لكنه لم يكن يبادلها نفس الشعور وتزوج بأخرى، وظلت هي علي حالها سنوات طويلة دون زواج أو حبيب أو رفيق، تشاهد أصدقاءه في فترة شبابها وهم يعيشون حياتهم وينجبون الأطفال، ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي بينما تقع هي علي الهامش.
لذا فقد حاولت بث سمومها وبدأت ذلك بأن كتبت محاكاة ساخرة عن رواية أصدرتها زوجة الكاتب الشهير، ولأن مستوى كتابة الزوجة كان رديئا فقد أثرت تلك المحاكاة الساخرة عليها لدرجة دفعتها إلي الانتحار. ولم تكتف “اليزابيث” بذلك وإنما أشاعت في الوسط أن من كتب تلك المحاكاة هو الكاتب المغمور، مما سبب مقاطعة الكاتب الشهير له، رغم الصداقة التي جمعت بينهما وبين صديق ثالث هو الكاتب الذي توفي بمرض الإيدز. والكاتب المغمور من جانبه استغل اتهامه بكتابة المحاكاة الساخرة وظل يبتز “اليزابيث” طوال سنوات، ساحبا منها الأموال لكي لا يخبر الجميع أنها من كتبت المحاكاة.
لكن “اليزابيث” لم تكتف بالتسبب في موت سيدة بعد أن سخرت من كتابتها، وإنما أقدمت علي قتل الكاتب المغمور بطريقة وحشية، ولفقت له مخطوطة رواية دموية خافية المخطوطة الأصلية لروايته، بل أنها قتلته وفق مشهد في روايتها التي ألفتها، فقد قطعت أحشائه ورمت عليه بحمض يحرق اللحم. لكن “سترايك” كشفها وسلمت إلي الشرطة.
الرواية تهتم بتقديم عميق للشخصيات، علي خلاف ماهو متعارف عليه في الروايات البوليسية التي تهتم بكشف لغز القصة البوليسية علي حساب رسم شخصيات حية والتعمق في رسمها ورسم حياتها وتاريخها، كما تحتفي بالمكان، وتقدم في داخل نسيج الرواية قضايا أخرى.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة