25 فبراير، 2025 2:01 م

رواية “خيوط ليلى”.. هل نحن شخصيات في رواية يتحكم في مصائرنا كاتب عنيد؟

رواية “خيوط ليلى”.. هل نحن شخصيات في رواية يتحكم في مصائرنا كاتب عنيد؟

 

خاص: قراءة – سماح عادل

رواية “خيوط ليلى” للكاتبة المصرية “شيرين فتحي” رواية موجعة، لمستني في الأعماق، تحكي عن عذابات النساء من خلال بطلتين رئيسيتين وبطلات أخريات، ترسم بخيال ساحر حكاية عذبة.

الشخصيات..

ليلى: البطلة، امرأة أربعينية، متزوجة، ولديها طفلان، انتبهت أن حياتها ليست سعيدة، وأنها تعاني من الحرمان، العاطفي، وأنها تنسحق كامرأة في مقابل أن تكون زوجة وأم.

ليلة: جدة البطلة “ليلى”، هي أيضا عانت في حياتها، عاشت يتيمة، وتزوجت من رجل يعذبها بحبه لها، يحاسبها على أنها لم تبادله نفس العشق والشغف فيحرمها من كل شيء، من الاختلاط بالناس، من الأعمال المنزلية التي تحبها حتى من تربية الحمام، يصفعها ويوبخها ويهينها، حتى وصلت إلى درجة من الضياع وعدم التوازن النفسي. تتحرر بعد موت زوجها لكنها تموت مشنوقة.

نهلة: سيدة أخرى تتعذب، لكنها تتعذب هذه المرة بالمرض، ينهشها السرطان، يفقدها شعورها بجسدها، وبمن حولها، تترقب الموت، وتكره تعريها أمام الأطباء، وتكره جسدها الذي نهشه المرض، وابتعاد زوجها عنها.

سارة: فتاة تفقد حبيبها، تظل تبحث عنه طويلا، وتضيع وسط الرغبة في إيجاد حبيبها، لتتعرف على مزيد من الرجال.

رقية: زوجة “رشيد”، ذلك الرجل الذي تخيلت “ليلى” أنه يؤلف روايتها، والذي كان يكتب كل تلك القصص للبطلات، لنكتشف أن “رقية” أيضا شخصية من تلك الشخصيات المكتوبة، امرأة تعيسة أخرى، محبوسة بين جدران المنزل، وما بين تلبيه رغبات زوجها الكاتب ومساعدته.

رشيد: ذلك الكاتب، الذي تخيلت “ليلى” أنه يكتب قصص البطلات، يرسمهن كما يشاء، ويحركهن ويتحكم في مصائرهن ثم يقتلهن في النهاية، لكن يتبين أنه هو أيضا شخصية متحكم بها، و”رشيد” لم يتحمل تمرد إحدى شخصيات رواياته عليه.

عبد الرحيم: زوج “ليلة”، عشقها حد الشغف، لكنها لم تحبه أو تتجاوب معه مما عذبه كثيرا فأمعن في تعذيبها، وفي حرمانها من كل شيء تحبه، حتى مات وتركها، حاول أن يتزوج بأخرى لكن عشقه ل”ليلة” ملك حياته جعله مستعبد لها وهو في الواقع من يستعبدها.

سامح: زوج مثل أزواج كثيرين يمتلئ بهم المجتمع المصري، رجل غير مهتم بزوجته، يهملها حد اللعنة، ويتركها لتعيش حياة بائسة، لا معنى لها ولا طعم، لتجد نفسها في النهاية عبدة للحياة الزوجية الرتيبة والمملة.

وهناك شخصيات أخرى ثانوية داخل الرواية.

الراوي..

تعتمد الرواية على تعدد الأصوات، حيث تترك للشخصيات الحرية في التعبير عن ما يحسون به وعن مشاعرهم المختلفة وانفعالاتهم بضمير المتكلم، كان الحكي الأكبر من نصيب البطلة “ليلى”، وكذلك حكت “رقية ورشيد وعبد الرحيم وليلة”، تعدد الأصوات يعطي ثراء للحكي ويشعر القارئ بقربه من الشخصيات كأنه يدخل في أعماقهم ويرى ما يشعرون به.

السرد..

الرواية تقع في حوالي 144 صفحة من القطع المتوسط لكنها ثرية بالمواقف والأحداث والمشاعر والعذابات، اعتمدت الكاتبة على خيال ثر في نسج حكاية الكاتب الذي يرسم حيوات الشخصيات وصراعه مع شخصية من شخصياته وعناده وعنادها وتمردها عليه، لتخرجنا في نهاية القصة من هذه الحكاية الخيالية الجميلة وترجعنا إلى الواقع، وكأن كل ذلك من خيال “ليلى” التي أصيبت بالغيبوبة، لكن حكاية الكاتب الذي يرسم حياة شخصياته بتسلط حكاية مميزة وتستحق التقدير وقد تناولتها الكاتبة ببراعة، وجاءت النهاية محايدة، فلن نعرف هل تمردت ليلى على حياتها كأم وزوجة أم استسلمت، وإن كان الترجيح أنها استسلمت لتلك الحياة التي لم تشعر فيها بالسعادة.

حياة الزواج الرتيبة..

ترصد الرواية حياة “ليلى” التي تعاني من انسحاقها كامرأة لصالح أن تكون زوجة وأم، تلك المعاناة التي تعانيها النساء ليس فقط في مجتمعاتنا الشرقية المغلقة وإنما في كل المجتمعات الإنسانية مع تفاوت درجات المعاناة، فمنذ نشأة المجتمع الطبقي الذكوري تعاني النساء من الاستعباد داخل مؤسسة الزواج التي تتفنن في قهر أرواح النساء، فهي تترك أنوثتها لتصبح خادمة للزوج وللأطفال وللمجتمع، الذي يعتمد على مؤسسة الزواج كنواة للمجتمع الطبقي.

تصبح طباخة وخادمة منزل وتقوم بكل الأدوار، وفي مجتمعاتنا الشرقية تقوم بكل الأعباء دون عائد اقتصادي ودون تقدير اجتماعي، بل وتعاني من الإهمال كأنثى لأن الزوج يتعامل معها كملكية خاصة، مثلما فعل “سامح” مع “ليلي” و”رشيد” مع “رقية” والجد “عبد الرحيم” مع الجدة “ليلة”. وحتى مع أم “ليلى” التي تزوجت وترملت وتزوجت من شقيق زوجها.

النساء مستعبدات في مؤسسة الزواج يقضين سنوات عمرهن في أعمال لا يجنين ثمارها، ويحبسن بين الجدران ويحرمن من الأحاسيس الطبيعة من حب واشتهاء وشغف.

وقد أجادت الكاتبة في رصد تلك المعاناة من خلال البطلات، “ليلى” التي تحلم بالممثلين والرجال الجذابين أثناء حملها، تشبع اشتهاءها الجنسي في الأحلام، تحفر على الجدران قصص مللها وعذاباتها. “رقية” أيضا تكره استعبادها، أم “ليلة” تقرر أن تستخدم النحس الذي الصقوه بها لتحصل على ميراثها وتستطيع أن تربي ابنتها. “ليلة” تلجأ إلى الطبخ لتشعر بذاتها. نساء معذبات لا يتصالحن مع ذواتهن لأن الرجال يمنعهن من ذلك، يضطهدهن ويقهرهن سواء بالاعتداء الجسدي المباشر والإهانات كما يفعل “عبد الرحيم”، أو بالإهمال الذي يعذب ذواتهن واجسادهن مثل “سامح” و”رشيد”.

كما رأينا “ليلي” وهي تعاني من شعورها بوطأة سن الأربعين، وكيف أنها حكم عليها بانتهاء حياتها كأنثى، وأنها تريد أن تلحق ما تبقى من شبابها لتشعر بالحياة الحقيقة وتخرج من سجنها الطويل.

الكاتب وشخوصه..

تتناول الرواية أيضا فكرة مميزة وهي أن الكاتب هو من يصنع حيوات الشخصيات الروائية التي يكتبها، يخلقها كإله، يتحكم في مصائرها وفق أهواءه ورغباته وأفكاره هو، يرسم الشخصيات النسائية كما يحب أن يراها، وهذه الشخصيات تقع في غرامه، لكنها تعود وتنفي تلك الفكرة لنرى الكاتب مجرد ناقل للروايات وأن الروايات محددة سلفا هو فقط يحكيها، ثم يتطور الأمر لنعرف أن “رشيد” نفسه شخصية مكتوبة يكتبها آخرون، وكأننا جميعا نعيش مصائر لا نستطيع أن نرسمها بأنفسنا وإنما ترسم لنا.

رسمت الكاتبة الشخصيات بعمق خاصة الشخصيات النسائية واستطاعت أن ترصد معاناتها بتميز، وترصد شعور الأم التي تفقد إحساسها بذاتها حتى أنها تريد الهرب من أبناءها ومن حياتها الرتيبة، مما يعطينا فهما لما يدور داخل الأنثى المقهورة المحبطة التي سحقتها تراتبية المجتمع وقيمه. كما كتبت بجرأة تستحق عليها التقدير والثناء.

الكاتبة..

  • “شيرين فتحي” كاتبة مصرية من مدينة ميت غمر, عضوة باتحاد كتاب مصر، تخرجت من كلية الصيدلة. حصلت على المركز الثاني لجائزة ساويرس الأدبية لأفضل مجموعة قصصية – فرع شباب الأدباء.

صدر لها:

  • رواية بعنوان “خفة روح” عام 2012- عن دار وعد للنشر.
  • مجموعة قصصية بعنوان “البطلة لا يجب أن تكون بدينة” عام 2014 عن دار- كلمة للنشر.
  • ـ مجموعة قصصية بعنوان رأس مستعمل للبيع عن دار الهالة للنشر والتوزيع 2019.
  • رواية بعنوان “خيوط ليلى” عن دار الهالة للنشر والتوزيع 2021.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة