خاص: إعداد – سماح عادل
رواية “خلف الأبواب الموصدة” للكاتبة”بي. أيه. باريس” هي رواية بارعة اعتمدت علي كم كبير من التشويق، حيث كانت تكشف ببطء شديد عن الحكاية وحقيقتها.
الشخصيات..
غريس: امرأة في الثلاثينات من عمرها، زوجة لمحامي شهير، علي قدر من الجمال، تظهر بمظهر المرأة المثالية في كل شيء أمام أصدقاء زوجها لنكتشف في أثناء الرواية أمورا أخري.
ميلي: أخت “غريس”، فتاة تعاني من متلازمة داون، عندما علم والداها بالأمر فكرا في التخلص منها وعرضها للتبني، لكن “غريس” كانت أختها الأكبر والوحيدة تمسكت بها وأصرت علي رعايتها وهي مراهقة، ثم أصبحت تتحمل مسؤولية رعايتها.
جاك: محامي شهير، يتولي قضايا العنف ضد الزوجات، لم يخسر أية قضية، ويتمتع بوسامة، سنكتشف أنه ليس الزوج المثالي الذي يظهر في الجزء الأول من الرواية.
الراوي..
تحكي الرواية بصوت البطلة “غريس” والتي تحكي بضمير المتكلم، عن نفسها وعن أختها وعن زواجها من “جاك”، تحكي مشاعرها وانفعالاتها.
السرد..
الرواية محكمة البناء، تقع في حوالي ٣٠٠ صفحة من القطع المتوسط، ينقسم الحكي فيها إلي قسمين الحاضر والماضي، حيث تحكي “غريس” عن واقع زواجها من “جاك” وعلاقتها به، ثم تعود إلي الماضي وتظل تحكي بالتفصيل. حتى نكتشف السر الكبير.
العنف ضد المرأة..
البطل الذي يعمل في مجال الدفاع عن المرأة المعنفة، يتضح بعد حوالي مائة صفحة من الرواية أنه معتد هو أيضا، وأنه مضطرب نفسيا، ورغم وسامته وشهرته كمحامي، وغناه تكتشف “غريس” يوم الزفاف أنه رجل مضطرب نفسيا، وأنه يستمتع بخوف الآخرين، وأنه ضحية أب عنيف سادي لدرجة أنه أصبح مضطرب نفسيا هو أيضا، وأنه كان يتلذذ بخوف أمه حتى أنه منعها من الهرب وقتلها ضربا.
تكتشف “غريس” أن “جاك” ليس عريس الأحلام الذي توقعت أنها حصلت عليه، وإنما هو محنة حياتها، فهو قد تقرب منها ليستحوذ علي أختها “ميلي” المصابة بمتلازمة داون لكي يمارس عليها ساديته واضطرابه النفسي ويتلذذ بخوفها ورعبها منه.
يتعرف عليها وفي غضون أشهر قليلة يجعلها تقتنع بفكرة الزواج منه وبفكرة ترك عملها المربح، وأيضا مشاركة الوصاية علي “ميلي” معه، ويستغل ميل والديها إلى التخلي عن ابنتهم المصابة بمتلازمة داون ويقنعهما بالرحيل سريعا إلي دولة بعيدة قررا التقاعد فيها، ليصبح هو مستحوذا علي “غريس وميلي” دون أي أحد يدافع عنهما.
تجد “غريس” نفسها في موقف قاسي وصعب حيث يحبسها “جاك” منذ أول ليلة في شهر عسلها في غرفة في فندق في تايلاند. وتظل محبوسة لمدة عام بعد أن تعود إلى المنزل الذي أصر أن يبنيه هو وحده ويجهزه وفق ذوقه وحده، حيث يحبسها في غرفتها طوال الأيام، ويقوم بعقابها في كل مرة تحاول فيها الهرب من قبضته، أو إعلام الناس أنها رهينة لدي زوجها المضطرب نفسيا.
تقضي عام في حبس انفرادي في غرفتها، وشيئا فشيئا تفقد كل المميزات التي كان يتيحها لها “جاك”، حتى أنه يتوصل في قسوته إلى درجة حرمانها من الطعام لعدة أيام كعقاب لها على محاولة الهرب وكشف أمره.
ورغم أنها رواية تستهدف التشويق والإثارة إلا أنها لا تخلو من تفاصيل دقيقة لحالة الاضطراب تلك، حتى أنها تصور أن أمر العنف ضد المرأة في بريطانيا أمر شائع لدرجة أن “جاك” أصبح محاميا ناجحا في هذا المجال. مما يدل على كثرة القضايا التي تتعرض فيها النساء إلى العنف من قبل الزوج، حتى إن كان من طبقة غنية أو ذو مكانة في المجتمع، مما يشي بأن أمر الاعتداء على الزوجة أمر موجود في بريطانيا وأنه جريمة معروفة هناك.
الحياة المثالية..
رغم اضطراب “جاك” النفسي وساديته إلا أنه كان حريصا على إظهار صورة مثالية عن نفسه كرجل وسيم متحضر ومحامي ناجح، وقد امتنع عن الارتباط والزواج حتى بلغ الأربعين من عمره، لكنه حين وجد “غريس” واهتمامها بأختها وجد فرصته أخيرا في الحصول علي ضحية يمارس عليها ساديته وجنونه من خوف الآخرين وهوسه بذلك الخوف.
كان يقيم علاقات اجتماعية وكان له أصدقاء مقربين، كما أنه كان يمارس حياته بشكل طبيعي وهو سجان ل”غريس” يجعل حياتها جحيما، حتى أنه تعرف علي صديقين جديدين “استير وزوجها”، وكان يطالب “غريس” بأن تقوم بدور الزوجة المثالية المحبة لزوجها، والمتفوقة في عمل المنزل والطبخ، والمحبة لكونها ربة منزل لا تقوم بعمل خاص وترعي زوجها.
التفاصيل الدقيقة..
أكثر ما يميز الرواية التفاصيل الدقيقة وكشف الحقائق ببطء شديد، لم يجعل القارئ يمل بل جعله مربوطا بالأحداث التي تتكشف، ففي بداية الرواية و”غريس” تتنقل في الحكي ما بين الحاضر والماضي تظن كقارئ أنها تحكي عن حياة زوجية عادية، وكيف تعرفت على زوجها الوسيم والغني، الذي قبل ارتباطها الشديد بأختها وكان طيبا وحنونا حتى أنه وافق على أن تعيش الأخت معهم في المنزل وتحمل مسؤوليتها.
لكن وبعد تفاصيل كثيرة تنقلب الرواية لنكتشف حقيقة “جاك”، وأنه ينتوي تعذيب “ميلي” والتخلص من “غريس” وربما قتلهما هما الاثنتين، وأن “غريس” طوال ذلك العام كانت تحاول التحرر من قبضته، لكنها كانت تفشل في كل مرة لأن “جاك” كان ذكيا وكان دوما ما يسبقها بخطوة ودوما ما كان يفشل محاولتها في كشفه والتحرر منه.
الإصرار وقوة الإرادة ..
رغم تلك المفاجأة القاسية والحياة البائسة التي وجدت “غريس” نفسها فيها، إلا أنها حاولت بكل قوتها أن تخرج منها وتتحرر، وحاولت حماية أختها بكل الطرق. وحين كانت تفشل وتتم معاقبتها كانت لا تيأس وإنما تقرر المواصلة في مقاومة “جاك”، حتى حين كانت تنصاع له وتطيعه وتوهمه أنها ارتضت بالوضع القائم واستسلمت له تماما، كانت تفعل ذلك لكي تأخذ هدنة ولكي تجعله يتخلص من حذره تجاهها. ومع الوقت تعلمت كيف توهمه أنها راضية وتعلمت كيف تتجنب عقابه بأن تنفذ أوامره بحذافيرها، وتجعله راضيا عن صورتها كزوجة جميلة ومثالية.
وعرفت ألاعيبه وأصبحت لا تقع في الفخاخ التي ينصبها لها، بل وتجاوزته وأصبحت تدير اللعبة، وهو من وقع في الخطأ حين أخبر أصدقاءه عن لون غرفة “ميلي”، وحين سمح ل”ميلي” بالظهور أمام أصدقاءه، لتنكشف أمر الغرفة والتي كانت ثغرة توصلت من خلالها “استير” إلى فهم أن “جاك” لم يكن زوجا مثاليا.
ونجحت “غريس” ليس فقط من التحرر من “جاك” وإنما في قتله والتخلص منه، وكانت قد أجلت تلك الخطوة لأقصى ما تستطيع، لأنها كانت تخاف من فكرة قتله، كانت فقط تريد كشفه والتحرر منه، لكن عندما وجدت أنها لا تستطيع التحرر منه وأن الوقت اقترب لأن تعيش معهم “ميلي” في منزلهم أجبرت علي قتله، وعلي تغيير خططها. وقد حبسته في غرفة التعذيب التي جهزها ل”ميلي” ليعذبها فيها وتركته يموت عطشا.
الرواية جميلة وجذابة رغم وحشية التفاصيل التي عاشتها “غريس”، لكنها أيضا إيجابية حيث استطاعت “غريس” تخطي كل تلك الصعاب وتجاوزها، والخلاص أخيرا من قبضة “جاك”، بل والفوز بمساعدة “استير” لها لتداري جريمتها في قتل “جاك”.
الكاتبة..
عاشت “بي. أيه. باريس” في فرنسا لسنوات عديدة، وقد رجعت مؤخرًا هي وزوجها إلى المملكة المتحدة. تُعد كتب المؤلفة من الأكثر مبيعًا، بيع أكثر من مليون نسخة في المملكة المتحدة وحدها، كما تُعد الأكثر مبيعًا لمجلة “نيويورك تايمز”، ومجلة “صنداي تايمز”. تُرجمَت رواياتها لأربعين لغةً، ورواية “خلف الأبواب الموصدة” هي أول رواية تُرجمَت للغة العربية.