خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “خزي” للكاتب “ج.م كويتزي”، ترجمة أسامة منزلجي، إصدار دار الجندي للنشر، تتناول تجربة إنسانية عميقة يعيشها رجل في منتصف العمر، ورغم أنها تناقش قضايا إنسانية عميقة لكنها تشير وبوضوح إلى أنانية الرجل الأبيض.
الشخصيات..
ديفيد لاري: البطل، أستاذ جامعي يعيش في “كيب تاون”، يفشل في الزواج مرتين ويعيش وحيدا بعد أن جاوز الخمسين، ورغم العمر الذي يجري تظل رغبته الجنسية على وهجها، لكنه لا يستطيع إشباعها كما ينبغي وتسبب له مشاكل فادحة فيما بعد.
مـيلاني: فتاة من العشرينات من عمرها، طالبة لدى “ديفيد” في القسم الذي يدرسه عن الشعر، يتورط معها في علاقة حميمية تنتهي بكارثة، الفتاة سلبية لا تبدي أي حضور داخل الرواية.
راين: فتي عدائي، رفيق “ميلاني”، يظهر العداء الشديد ل”ديفيد” وحرض “ميلاني” على إيذائه.
لوسي: ابنة “ديفيد”، اختارت أن تعيش في الريف، كانت تقيم علاقة حميمية مع صديقة لها تدعي “هيلين” لكنها هجرتها، وأصبحت تعيش بمفردها في الريف كبيضاء وسط الأفارقة.
ثريا: سيدة تقوم ببيع جسدها وفق نظام معين، وتجمع بين عملها وبين حياة زوجية وأطفال، وحين يكتشف “ديفيد” أمرها ويراها مصادفة مع أطفالها ترفض مقابلته مرة أخرى.
روزاليند: طليقة “ديفيد” الثانية، حادة الطباع ولا تكف عن توبيخه وتوجيه الإهانات له والتقليل من شأنه.
بتروس: رجل إفريقي يساعد لوسي في زراعة أرضها، يحاول بالحيلة الاستيلاء على ممتلكات “لوسي” وهي تستسلم له.
الراوي..
الراوي يحكي بضمير الغائب لكنه يمثل صوت “ديفيد”، ويغوص في أعماقه وينقل مخاوفه وأفكاره ودوافعه، ولا يترك الحرية للشخصيات الأخرى للتعبير عن نفسها، إلا من خلال منظور “ديفيد” ورؤيته لهم، وإحساسه بهم.
السرد..
السرد هادئ الإيقاع، يعتمد على تصور “ديفيد” للحياة من حوله وطريقة تعامله معها، والأحداث تدور وفقا لذلك، تتنقل الأحداث من مدينة “كيب تاون” إلى “غرامستاون” حين يقرر أن يلتقط “ديفيد” أنفاسه ويذهب للعيش مع ابنته، الرواية تقع في حوالي 266 صفحة من القطع المتوسط، لا تعتمد على التشويق لكن السرد متماسك ويخلو من التكرار وتنتهي الرواية نهاية مفتوحة.
الاغتصاب لا يفهمه الرجال..
تناقش الرواية فكرة الاغتصاب، لكن لا يعمد الكاتب إلى ذلك وإنما يوردها ضمن أحداث كثيرة مرت على البطل، الذي يعيش محنة نفسية نتيجة لتقدمه في العمر وعيشه وحيد بمفرده، يعمل مهنة غير مفرحة بالنسبة له، ويعاني في إشباع رغبته الجنسية، في البداية يلجأ إلى بائعات الجنس ليشبع رغبته دون جهد نفسي، بعد أن فقد جاذبيته كرجل وسيم وأصبحت مهمة إشباع رغبته الجنسية عبئا تتطلب جهودا منه لاسترضاء أية أنثى، وفي النهاية ارتضى بأن يشبعها عن طريق دفع نقود، وارتاح لإحدى البائعات تدعى “ثريا”، كان يزورها في مكان هيأ خصيصا لبيع الجنس، وكانت النساء تعمل فيه بدوام جزئي وتعود لأسرتها، وكان مستقرا نفسيا يقابلها مرة في الأسبوع ويشعر باقتراب ما بينهما لا يقتصر على تحقيق الإشباع الجنسي، لكن وذات يوم قابلها مصادفة ومعها أطفالها واختارت “ثريا” ألا تتقابل معه ثانية، ورغم أنه سعى إلى معرفة معلومات عنها إلا أنها رفضت التواصل معه مرة أخرى وعادت محنته مرة أخرى.
حاول إشباع رغبته الجنسية مع إحدى السكرتيرات في عمله ثم مل منها ولجأ إلى طالبة لديه، أبهره جمالها، لكن الفتاة استجابت بشكل سلبي له، كانت تترك له جسدها دون ردعه ودون التجاوب معه، واستمرأ هو ذلك، لكن الفتاة وبتحريض من رفيقها ووالديها قدمت فيه شكوى إلى الجامعة، ورفض هو أن يعتذر أو يرضخ لما اعتبره إذلالا من قبل اللجنة، التي كلفت للتحقيق معه وترك عمله وفقد معاشه التقاعدي، لكنه كان يعرف من داخله أنه شعر بشيء ما تجاه “ميلاني”، شيء يشبه النار.
ونتيجة للكارثة التي حدثت له فكر في زيارة ابنته في الريف ليلملم شتات نفسه، لكنه فوجئ بكارثة أخرى أكبر من قدرته على التحمل، فقد اغتصبت ابنته بعد أن هوجمت وهو برفقتها من قبل ثلاثة من الأفارقة، وقد تعمد الأفارقة إهانة ابنته وإذلالها.
وتدهورت حالة ابنته النفسية وأصبحت سلبية، ويطرح الكاتب هنا فكرة هامة وهي أن الاغتصاب أمر يخص النساء بجدارة، وأن الرجال لن يستطيعوا أبدا فهم تلك الكارثة التي تلحق بهن، فالرجل حين يغتصب المرأة يقتلها، ويمعن في إذلالها، والبطل نفسه بمعنى ما كان مغتصبا حين تحايل على سلبية “ميلاني” ومارس معها علاقة حميمة. كما شدد البطل على ذلك الحاجز الافتراضي بين النساء والرجال، والذي يجعل الوالد لا يستطيع فهم ابنته بعمق مهما حاول فهم دوافعها، وفهم طريقتها في التعامل مع كارثة الاغتصاب، وفهم تمسكها بالطفل الناتج عن هذا الاغتصاب وربما قدرتها على أن تحبه وترعاه.
الصراع العرقي..
تناولت الرواية أيضا الصراع العرقي بين البيض والأفارقة في جنوب إفريقيا، ولكن من وجهة نظر رجل أبيض، فالبطل يشعر بالخزي نتيجة لكارثته الخاصة التي أودت بحياته المهنية، ثم تأتي حادثة السطو والاغتصاب التي جرت لابنته لتزيده خزيا، خاصة أنه لم يستطع الدفاع عنها بسبب كونه عجوزا، وهو طوال الرواية يعتبر “بتروس”مجرما، “بتروس” الذي جاء في البداية مساعدا لابنته ثم استطاع امتلاك قطعة من الأرض ثم خطط للاستيلاء على أرض “لوسي” والتزوج منها، فقط ليستولى على أملاكها، ولأجل ذلك جلب الفتيان الذين اغتصبوها حتى ترضخ له، يعتبر البطل “بتروس” مجرما ويكرهه ويصور الأمر على أن كل من في القرية يتحينون الفرصة للتخلص من “لوسي” وجارها الأبيض، لكنه مع ذلك لا يهتم بإظهار تعاطف مع هؤلاء الأفارقة الذي ما يزالون يختزنون كراهيتهم للبيض داخل وعيهم الجمعي.
وإنما يصورهم بعدائية كأبيض يشعر بالخطر في التواجد بينهم، ويحث ابنته طوال الوقت على ترك المزرعة والبدء من جديد في مكان آخر، أو السفر إلى هولندا حيث تعيش عائلة والدتها. وهذا يعني أن الكاتب يتناول الصراع العرقي من منظوره كأبيض يشعر بالخطر، ورغم أن الرواية تناقش محنة الإنسان في التعامل مع أمور إنسانية هامة، كالتقدم في السن، وتحولات الجسد، والرغبة الجسدية التي لا تزال متوجهة رغم ذبول الجسد، كما يناقش التعامل مع الحيوانات بإنسانية وحنو وقتلهم قتلا إنسانيا حين يصبحون غير مرغوب فيهم، إلا انه فيما يخص الأفارقة لم يبد أي تعاطف إنساني ولم يظهر تفهما لأوضاعهم.
الكاتب..
“جون ماكسويل كويتزي” هو روائي من جنوب أفريقيا، ولد كويتزي عام 1940 في “كيب تاون” وبدأ حياته الروائية سنة 1974. نشأ في بيت يتحدث الإنجليزية رغم أصوله الهولندية وهو يتحدث اللغتين بطلاقة. هو أول كاتب يفوز بجائزة بوكر الأدبية البريطانية المرموقة مرتين. درس في جامعة أديليد الأسترالية، وهو يدرس الآن في جامعة شيكاغو.
“جون ماكسويل كويتزي” لُغَوِيّ، وكاتب، وروائي، وكاتب مقالات، ومترجم، وواضع كلمات الأوبرا، وكاتب سيناريو، وأستاذ جامعي، وشاعر ، موظف في جامعة هارفارد، وآي بي إم، وجامعة شيكاغو، وجامعة بافالو، وجامعة كيب تاون. تحصل على جائزة نوبل للآداب سنة 2003 ليصبح ثاني كاتب جنوب أفريقي يفوز بالجائزة بعد “نادين غورديمير”.
من أعماله: (سيد بيترزبرج- عصر الحديد- الخصم- انتظار البرابرة- في قلب البلاد- اليزابيث كوستلو)