رواية “حياة الكاتب السرية”.. حين يستعرض الكاتب عضلاته بنرجسية

رواية “حياة الكاتب السرية”.. حين يستعرض الكاتب عضلاته بنرجسية

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “حياة الكاتب السرية” للكاتب الفرنسي “غيوم ميسو” إصدار دار نوفل، ترجمة “رانيا الغزال” 2020، تحكي عن لغز أحد الكتاب المشاهير، في فرنسا، وتكشف هذا اللغز بعد أن أصبح حديث الناس لانقطاعه عن الكتابة لمدة عشرين عاما رغم أنه كان في أوج شهرته.

الشخصيات..

ناثان فاولز: كاتب روائي شهير، حاز على الشهرة من خلال ثلاث روايات نشرت له، لدرجة أنه حاز على جائزة أدبية رفيعة هي البوليترز، ورغم ذلك تقاعد عن الكتابة وهجرها وهو في أوج نشاطه وأوج شهرته وتعلق القراء به. حيث كان في منتصف الثلاثينات، ثم تكشف الرواية لغز هذا الكاتب الذي استمر مخفيا عشرين عاما.

رافاييل باتاي: كاتب شاب، يحاول نشر روايته الأولى ، ويرفض من قبل الناشرين، لكنه رغم ذلك يطمح إلى أن يصبح كاتبا. ويستسلم لهوسه ب”ناثان فاولز” يحاول مقابلته فيتحين فرصة وجود عمل شاغر على الجزيرة التي يعيش فيها “ناثان”، ويحاول مقابلته ومن هنا ينخرط في الأحداث.

ماتيلد موني: فتاة شقراء في منتصف الثلاثين من عمرها، تلاحق “ناثان” لنكتشف أنها كانت تحاول كشف لغزه هو أيضا.

الراوي..

اعتمدت الرواية على راو عليم، يستخدم الوثائق ومقالات الصحف أو المقابلات التليفزيونية ويحكي عن “ناثان فاولز”، وهو من وضع الخاتمة ومابعدها. بينما كان “رافاييل” راو لحكايته هو ولدوره في أحداث الرواية، وحين مات “رافاييل” قبل انتهاء الرواية بصفحات كثيرة أكمل هو سرد الأحداث ذلك الراو العليم.

السرد..

الرواية تقع في حوالي 267 صفحة من القطع المتوسط، اعتمدت في السرد على وثائق وأخبار صحف ومقابلات تلفيزيونيه بجانب سرد الأحداث، واعتمدت على نسبة عالية من التشويق. لا يمكن تصنيفها بأنها فقط قصة بوليسية وإنما هي رواية اعتمدت في جزء منها على الحس البوليسي لكنها  تناولت أفكار أخرى، وانتهت نهاية كاشفة ومفاجئة للقارئ، وهذا ما كان يبحث عنه الكاتب إبهار القراء بقدراته الكتابية.

استعراض العضلات..

في هذه الرواية قام “غيوم ميسو” باستعراض عضلاته كروائي، وكان يفتخر فيها بنفسه وأظهر قدرا كبيرا من الغرور كما وأنه بدا نرجسيا، حدث هذا في رواية أخرى له اسمها “الحياة رواية”، وقد قرأتها من قبل، ف”غيوم ميسو” في هذه الرواية يحكي عن “ناثان فاولز” والذي يشعر القارئ منذ أول وهلة أنه صورة من “غيوم ميسو” نفسه. رجل في منتصف الثلاثينات، حقق شهرة واسعة في فرنسا وامتدت لأن تصبح شهرة عالمية.

متاعب الكتابة..

وفيها يحكي “غيوم ميسو” عن متاعب الكتابة وأنها مهنة تحرم الكاتب من العيش في حياته الواقعية، ويفقد تواصله مع أحبابه وأقرباءه والمحيطين به، في مقابل أن يظل جالسا ساعات طويلة أمام حاسوبه ويفقد، ليس فقط تواصله مع العالم الواقعي، وإنما أيضا يفقد لحظات الاستمتاع بالحياة. في مقابل انشغاله الشديد بالشخصيات ورسمها ومصائرها والأحداث التي تحدث لها وحتى اختيار الكلمات الدقيقة.

ويصور كيف أن عالم الكتابة مجهد ومتعب للذهن وللنفس، ورغم العائد المادي الكبير الذي يتحقق للكاتب الذي ينال الشهرة وحصوله على الجوائز، بالإضافة إلى اهتمام الناس به واستضافته في برامج كثيرة. إلا أن كل ذلك كان لا يساوي شيئا بالنسبة ل”ناثان” وبالتالي ل”ميسو”، رغم أن الرفاهية التي يعيش فيها “ناثان”، حيث يسكن في بيت فخم في جزيرة معزولة في فرنسا، توافرت فيها كل سبل الراحة وأصبحت أشبه بجنة، حيث أنها تبعد عن كل الجفاء الذي يعيشه الفرنسيون، ويتمتع سكانها بجو من الألفة والمودة، كما يبتعدون عن أعين الغرباء والسياح قدر الإمكان. بالإضافة إلى تمتعهم بجمال الطبيعة الخلاب والمتنوع على تلك الجزيرة.

وقد انتقد “ميسو” الناشرين الذين في رأيه يحتفون بالكتاب حينما تشتهر كتبهم، لكنهم يحبطونهم وهم في بداية طريق الكتابة ويرفضون أعمالهم، وحين ينجح الكاتب ينسبون الفضل لأنفسهم. كما عبر “ميسو” عن رأيه في الكتابة مرات كثيرة داخل الرواية معتمدا على مقتطفات قالها كتاب كبار.

إبهار القراء..

لكن يبقى تباهيه وعرض لقدرته الكتابية في ثوب من النرجسية والغرور، أسوأ ما في الرواية، وحديثه المتوالي مع القراء محاولا كسر الإيهام لديهم أكثر من مرة، ليخبرهم عن قدراته العالية  في الكتابة، وقدرته على قتل الراوي قبل أن تنتهي الرواية ب80 صفحة، حين مات “رافاييل” بل وتباهيه بأنه جعل القراء يتعاطفون مع الشخصيات ثم قتلها لكي تصبح روايته خالدة في أذهانهم.

شعرت أن “ميسو” يتلاعب بحرفيته في الكتابة أمام القراء كبهلوان لكي يثير إبهارهم، ويظهر هذا بوضوح في عدة أماكن بالرواية، حين يجعل القصة البوليسية شديدة التعقيد لكي يشد القارئ من أذنيه ويبقيه منتبها له، ولكي يكشف له أشياء وراء أشياء فيوهمه أن مرتكبي الجريمة الشهيرة هما رجل وامرأة تم قتلهما وتعذبيهما فيما بعد، ثم تحوم أصابع الاتهام حول “ناثان فاولز” نفسه ونشعر أنه هو القاتل. لنكتشف في النهاية أن الوالد هو الذي قتل عائلته وكان ينتوي بداية حياة جديدة في مكان آخر، وأن “ناثان” احتجزه عشرين عاما انتقاما له على قتل حبيبته.

مسار آخر للأحداث..

ويستمر “ميسو” في استعراض عضلاته فيضيف بعد النهاية خاتمة توهم القارئ أنه هو قد عاش في فيلا “ناثان”، وأنه اكتشف مخطوطة له وأن “ناثان فاولز” شخصية حقيقية، وأن “فاولز” اختار الحب حيث وقع في حب “ماتيلد” مما جعله يكسر عزلته التي استمرت عشرين عاما. في محاولة من “غيوم ميسو” ليخبر القاري بإمكانية عمل مسار آخر لأحداث الرواية، وكقارئة كنت أفضل لو كان حل اللغز هو علاقة حب آسرة وقع فيها “فاولز” وعاشها مع امرأة أخرى، ثم عاشها مرة أخرى مع “ماتيلد” لكن “ميسو” فضل القصة البوليسية الدموية على قصة حب آسرة. ثم يعود ويتلاعب بالقارئ مرة أخرى ليكتب بعد الخاتمة أن تلك الخاتمة هي أيضا خيالية وان كل أحداث الرواية من صنع خياله، وأنه استعان بأشياء واقعية تساعده وفقط على نسج خيوط الرواية.

شعرت أيضا أنه لصالح لتباهي بقدارته ككاتب ناجح ومحترف ضحى “ميسو” برسم عميق للشخصيات وبوضع خلفيات عن ماضيهم وأحداث حياتهم وصفاتهم، كما ضحى بعمل قصة خيالية تسحر القارئ حين كسر إيهامه مرات عديدة، وقد كانت رواياته الأولى أكثر سحرا وجمالا وأكثر إحكاما في بناءها، وكانت تجعل القارئ يعيش القصة الخيالية بعمق.

خلفيات سياسية..

أشارت الرواية إلى الحروب التي جرت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، في الدويلات التي كانت تحت إطار الاتحاد السوفيتي وانتشار العصبية والعنصرية والحس القومي الذي أدى إلى مجازر.

كما أشار إلى استغلال بعض الانتهازيين لهذه الحروب لكي يحققوا مكاسب مالية، من الاتجار في أعضاء الناس، وهذا ما فعله “الكسندر فرنوي” الذي قتل عائلته في النهاية. كما أشارت إلى بعض الأمور في فرنسا مثل انهيار المؤسسات الحكومية في مجالي التعليم والصحة، وبعض السليبات وأشار إلى الجمود العاطفي والجفاء الذي يعاني منه البشر في المدن الفرنسية .

الكاتب..

“غيوم ميسو” مواليد 6 يونيو 1974 في أنتيب- فرنسا، هو كاتب وروائي فرنسي. أحد أشهر المؤلفين الفرنسيين المعاصرين، وتحتل كتبه قوائم أفضل المبيعات. دأب “ميسو” منذ طفولته على قراءة الكتب والمسرحيات، حتى أصبحت لديه قناعة حقيقية بأنه سوف يكون روائيا يومًا ما.

غادر بلده إلى الولايات المتحدة في سن التاسعة عشر، وأقام في ولاية نيويورك لعدة أشهر مع بعض المغتربين، معتمدًا على بيع الآيس كريم كوسيلة لاكتساب رزقه! عاد إلى وطنه فرنسا وعقله مليء بأفكار عديدة للروايات.

صدرت أولى رواياته في 2001 ولم تحقق النجاح المطلوب، ثم تتابعت أعماله الناجحة بعد ذلك حتى صار من أشهر مؤلفي فرنسا. ترجمت بعض رواياته إلى أكثر من عشرين لغة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة