15 نوفمبر، 2024 1:36 م
Search
Close this search box.

رواية حواء ذات الوجوه الثلاث.. المرأة العاقلة المتوازنة هي النموذج

رواية حواء ذات الوجوه الثلاث.. المرأة العاقلة المتوازنة هي النموذج

خاص: قراءة- سماح عادل

في رواية “حواء ذات الوجوه الثلاث” تقدم  الكاتبة المصرية “أمينة السعيد” ثلاث نماذج للمرأة في المجتمع، وتتحمس للدفاع عن نموذج واحد من هذه النماذج الثلاث، في إطار عرض لمرض نفسي خطير في ذلك الوقت الذي صدرت فيه الرواية.

الشخصيات..

ايف هوايت: البطلة، هي امرأة في فترة الشباب من عمرها، متزوجة ولديها طفلة في عمر الرابعة، تظهر عليها أعراض نفسية خطيرة وتذهب للعلاج ليكتشف أنها تعاني من مرض نفسي خطير.

ايف بلاك: شخصية ثانية ل”ايف هوايت”، وهي على عكسها تماما، فهي شخصية مرحة مستهترة، لا تتمتع بأي قدر من التعليم والثقافة، تغوي الرجال وتحب ارتداء اللون الأحمر والملابس العارية.

جين: شخصية ثالثة للبطلة لكنها على درجة كبيرة من الاتزان، على درجة كبيرة من العقلانية والاتزان النفسي، ليست مستكينة ولا مستهترة، تقع في المنتصف ما بين “ايف هوايت” و”ايف بلاك” .

رالف: زوج البطلة، كان يعاملها بأنانية وتسلط، مما أعاد إليها مرضها النفسي الذي عانت منه منذ الطفولة.

الطبيبان: يعمل طبيبان أمريكيان على علاج البطلة، ويتابعان حالتها لمدة سبع سنوات، ويكتشفا تفاصيل مرضها الخطير والنادر في ذلك الوقت.

والدا البطلة: الأم والأب ساهما في اختلال البطلة النفسي، وأوصلاها إلى حالة نزاع نفسي، حتى ظهرت لها شخصية أخرى كانت لا تعرف عنها شيئا.

الراوي..

الراوي عليم، محايد، لا يتدخل في أثناء الحكي، ويكاد وجود يختفي وينقل الأحداث بشكل محايد، وكأنه يتحدث عن أحداث جرت في الواقع، لكنه رغم ذلك ينحاز بشكل خفي إلى أحد الشخصيات الثلاث، ويتضح ذلك من أنه يبين أنها هي التي ساهمت في شفاء المريضة، والراوي لا يحكي عن دواخل المريضة إلا بشكل محايد، كمن يلاحظ أحدا من الخارج لكن لا يستطيع الغوص داخل نفسه.

السرد..

السرد تقريري أشبه بحديث الصحافة منه إلى الرواية، وكأنه يحكي عن واقعة حدثت ويصف جوانبها، والرواية تقع في حوالي 160 صفحة من القطع المتوسط .

ثلاث نماذج للمرأة..

تقدم الكاتبة “أمينة السعيد” في روايتها ثلاث نماذج للمرأة من خلال قصة أحد الأمراض النفسية النادرة الذي ظهر في أمريكا، ولا نعلم على وجه التحديد أهي قصة حقيقية تحكيها الكاتبة عن فتاة أمريكية أصيبت بمرض تعدد الشخصيات، أم أنها حكاية متخيلة حاولت الكاتبة إضفاء الواقعية عليها وكأنها حدثت بالفعل، لأن الكاتبة لم تشر إلى كون هذه القصة حقيقية ووقعت بالفعل.

“ايف هوايت” البطلة سيدة مستكينة طيبة ولطيفة، تزوجت من رجل كاثوليكي رغم أنها تتبع الديانة البروتستانتية، وأقسمت أن تجعل أولادها على مذهب والدهم لكنها تراجعت عن هذا الوعد عندما أنجبت ابنتها، مما سبب مشاكل كثيرة بينها وبين زوجها، لكن سيتضح خلال الرواية أن هذه المشكلة ما هي إلا مشكلة صغيرة مقابل مشاكل كثيرة بينها وبين زوجها، حيث يتعامل معها بسلطوية ويجبرها على عيش الحياة كما يهوى هو، كما أنه يبخل عليها بالمال ويستغل طيبتها واستكانتها ويحرمها من أشياء كثيرة، ويجبرها على العمل خارج المنزل بجانب العمل في المنزل ليستفيد من راتبها، كما أنه أناني لا يعاملها كما يجب، مما سبب لها عودة مرضها النفسي القديم، حيث سيكتشف الطبيبان أنها كانت تعاني من مرض تعدد الشخصيات منذ الطفولة، حين كان يعاملها والدها بقسوة شديدة، ويفضلون عليها ابنة عمها، حيث أنهم كانوا يجلدونها ويحرقونها بأشياء ساخنة مما سبب لها نزاع نفسي خطير، بالإضافة إلى مباشرتها لفكرة الموت وقسوتها، مما جعل شخصية “ايف بلاك” تظهر منذ الطفولة وتقوم بأفعال تتمرد بها على سلطة الوالدين، مما ضاعف من عقاب البطلة الوحشي عليها وضاعف من ميلها إلى الاستكانة والاستسلام..

ولا يخفى على القارئ الاسم الرمزي للبطلتين “هوايت” و”بلاك” ف”ايف” السوداء هي فتاة مستهترة تغوي الرجل وترتدي ملابس شبه عارية، وتسهر مع  رجال غرباء وتغني بصوت أجش وبها أنوثة وجمال، لكنها تستغلهم للتعرف على مزيد من الرجال واللهو بهم، تحب شراء الملابس الغالية الثمن، وتحب إيذاء الناس حتى أنها تتعمد إيذاء “ايف هوايت” جزاء لها على طاعتها العمياء واستسلامها.

في حين أن “ايف” البيضاء على النقيض تماما، سيدة مطيعة راضية متدينة، تخشى مخالفة زوجها وتخشى فقدان ابنتها، لا تقوم بفعل أي شيء يثير استهجان الناس، متفانية في العمل ومحبة للجميع، وتقدم خدماتها لكل الناس، حتى أنها تصبر على معاملة زوجها القاسية وترضى بالعيش معه طوال العمر حتى لا تفض الرابط المقدس بينهما.

يخبر الطبيبان “ايف هوايت” بوجود “ايف بلاك” وتحاول التعامل معها وقمعها داخلها، لكنها تواجه صعوبات كثيرة، وتضطر إلى الانفصال عن زوجها والعمل لإعالة طفلتها التي تتركها لوالديها لرعايتها، وتطرد من عدة أعمال بسبب نزق “ايف بلاك” وتهورها وإصرارها على إيذائها، لكن وبعد عدة سنوات من المعاناة مع شخصيتين متناقضتين تماما تعايشهم البطلة تظهر شخصية ثالثة، هي شخصية “جين” المتزنة العاقلة، لديها قدر من الثقافة والفهم، وهي تحكم عقلها جيدا وتتعامل مع الناس باتزان، ليست ضعيفة ومستكينة تماما ك”ايف هوايت”، وليست نزقة ومتهورة وشقية مثل “ايف بلاك”، وإنما هي متوازنة، وكأن الكاتبة تبين أن النموذج الأفضل للمرأة هو تلك المرأة المتوازنة، التي تحكم عقلها، والتي تهتم بأن تتسلح بقدر من الثقافة والعلم، وتتعامل مع الناس بتوازن يجمع ما بين الطاعة والقوة، أن تكون لها شخصية مستقلة لكن أن تكون طيبة وغير مؤذية في نفس الوقت وتتمتع بالأخلاق.

وكأن الكاتبة ترفض شخصية “ايف هوايت” و”ايف بلاك” معا، وتستطيع “جين” أن تتسيد ثم تعود “ايف هوايت” إلى حالتها الطبيعية وتتخلص من استكانتها، ومن مرض تعدد الشخصيات، وتواصل حياتها، تعمل بجد وتعول طفلتها، وتصر على الطلاق من زوجها الذي يؤذيها، وتستطيع “ايف هوايت” الجمع بين الشخصيات الثلاث والعيش باستقرار في حياتها.

يمكن القول أن الرواية رمزية فهي تقدم وجهة نظر الكاتبة في النموذج الأفضل الذي من المفترض أن تكون عليه المرأة، كما تحكي عن مشاكل التربية التي قد تودي بالأطفال إلى أمراض نفسية خطيرة، وتدين معاملة الزوج السيئة، وتشجع أن تكون المرأة قوية وتتخلص من أية علاقة زوجية تؤذيها، حتى أن “ايف هوايت” استطاعت أن ترتبط برجل ثاني يحترمها ويقدر عقلها ويدعمها ويساندها حتى أثناء مرضها.

الكاتبة..

“أمينة السعيد” هي ناشطة نسوية، وأول سيدة تتولى رئاسة تحرير مجلة حواء، المطبوعة النسائية الشهيرة التي صدر أول أعدادها عام 1954 وكان معدل توزيعها يصل إلى 175،000 نسخة، ومازال لها قدر من الشعبية والانتشار حتى اليوم. تناولت أمينة السعيد في كتاباتها موضوعات أكبر وأهم من نصائح الجمال ووصفات الطهي التي اعتادت الكتابات النسائية تناولها. كان دفاع أمينة السعيد عن المساواة بين الرجل والمرأة هو وقود كتاباتها القيمة لسنوات طويلة تغير فيها تاريخ مصر.

عاشت أمينة السعيد طفولتها وسط مجتمع أسيوط المغلق عندما كان نضال هدى شعراوي وزميلاتها من أجل المساواة قد وصل إلى ذروته. وما أن بلغت أمينة عمر الرابعة عشر، حتى انضمت إلى الاتحاد النسائي، ثم في عام 1931 التحقت بجامعة فؤاد الأول ضمن أول دفعة تضم فتيات.

عملت أمينة السعيد بعد تخرجها سنة 1935 في مجلة المصور وظلت تكتب عمودها بانتظام حتى قبيل وفاتها، وكثيراً ما دافعت من خلاله عن زميلات الكفاح مثل درية شفيق وغيرهما. اشتهرت أمينة السعيد أيضا بباب “اسألونى”، وقد اكسبتها شجاعتها وجرأتها احترام وشعبية بين زملائها من الكتاب والصحفيين. ثم أصبحت أمينة السعيد رئيسة لدار الهلال، وقادت بجرأة حملة جديدة من أجل المرأة المصرية، ولكن هذه المرة ضد المد الأصولي الإسلامي الذي بدأ في سبعينيات القرن الماضي، وتوفيت أمينة السعيد عام 1995 وهى حزينة ومحبطه لما آل إليه حال المرأة في مصر، وقالت قبل وفاتها بأيام: “إن المرأة المصرية اليوم لم يعد لديها الشجاعة الكافية للنضال”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة