8 أبريل، 2024 7:01 م
Search
Close this search box.

رواية حفلة التيس.. سيطرة الطاغية نفسيا على أتباعه

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (حفلة التيس) للكاتب البيروفي”ماريو بارغاس يوسا” تناولت حياة الديكتاتور في دولة الدومينيكان، الذي حكم حوالي ثلاثون عاما، وعاني شعبه من قسوته وطغيانه، وأهم ما يميز الرواية أنها قدمت الديكتاتور في حالات إنسانية ورصدت ما يدور بداخله ولحظات ضعفه وانهزامه.

الشخصيات..

رافائيل ليونيداس تروخييو: حكم دولة الدومينيكان، من عام 1930 حتى اغتياله في 1961، غير اسم العاصمة “سانتو دومينغو” لـ “تروخييو”، وكان نموذجا مثاليا للطاغية الوحشي، وكان عنصريا يكره الملونون رغم أن أمه تنحدر من أب وأم ملونين من “هايتي”، وكان يعادي جيرانه بسبب لونهم، وكان يعتقد بتفوق البيض، كما أنه أدار البلاد بقسوة وكان لا يتورع عن تصفية خصومه وكل من يشك في ولائه، وامتلك شخصية قوية تستطيع إخضاع من حوله والتلاعب بهم.

 

أورانيا: إحدى الشخصيات الهامة في الرواية، وتبدأ الرواية وتنتهي بالحكي عنها، هي ابنة السنيور “أوغسطين كابرال” وقد تعذبت من الديكتاتور هي أيضا وعانت من خيانة أبيها، وتركت بلدها لتعيش في أمريكا وتصبح محامية شهيرة، لكنها لم تستطع تجاوز معاناتها وهي طفلة في الرابعة عشرة من عمرها.

السنيور أوغسطين كابرال: كان من المقربين من الديكتاتور ويشغل منصبا هاما في الدولة، لكن “تروخييو” غضب عليه فجأة، وقد استسلم لحل بغيض وهو إعطاء عذرية ابنته ل “تروخييو” كهدية، في محاولة لنيل العفو عنه، ولكنه لم يحصل على ذلك بسبب اغتيال “تروخييو” وعاش طويلا وقد أصبح قعيد المرض.

جوني آبيس غارسيا: رئيس الاستخبارات، رجل يقوم بالعمليات القذرة ل”تروخييو” ويصفي أعدائه بطرق مشينة، وعند اغتيال “تروخييو” تولى تعذيب المتورطين، لكن أبعده الرئيس الصوري للجمهورية، وانتهت حياته بقتله وأسرته في بلدة أخرى كان يمارس أعماله القذرة فيها.

انطونيو دي لامثا، وانطونيو إمبرت، وأماديتو غارثيا، وسلفادور إستريا سعد الله، هم من قاموا باغتيال “تروخييو”، ولكل واحد منهم قصة مأساوية مع “تروخييو”، حيث أنه بدأ مواليا له أو عمل في فترة حكمه، ثم أصبح لا يطيق ظلم “تروخييو” أكثر، واتفقوا جميعا على اغتياله والسعي لأن يتغير حكم البلاد، قتل منهم من قتل ومن ظل على قيد الحياة عومل كبطل بعد ذلك.

الأخوات ميرابال: كن معارضات ل “تروخييو” وقد أمر بقتلهن على الطريق في سيارتهن، حيث تعرضن لحادث سير، حكايتهن كانت السبب في تسمية ٢٥ من نوفمبر بـ “اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة”، وكان مقتلهن أيضا دافعا لدى بعض ممن اغتالوا الديكتاتور.

الدكتور خواكين بالاغير: الرئيس الصوري في عهد “تروخييو”، كان تابعا له تماما لكنه كان موافقا على اغتياله، وحين قتل “تروخييو” استطاع “بلاغير” تحويل كل الأمور لصالحه، وتخلص من كل أعوان “تروخييو” ومن عائلته بالهدوء والروية ولعبة التوازنات.

هناك شخصيات أخرى في الرواية، فالرواية ثرية بالشخصيات والأحداث.

الراوي..

الرواية تعتمد على راوي عليم يتنقل في الحكي عن الشخصيات، يحكي عن دواخل الشخصيات ورؤيتهم ووجهات نظرهم، وأحاسيسهم وإخفاقاتهم،  ويترك مساحة حرية للشخصية لتعبر عن نفسها من خلال الحوار الذي شغل مساحة لا بأس بها في الرواية، ويتخلل ذلك الحوار حكي الراوي العليم، وقد أعطى الراوي العليم “تروخييو” كامل الحرية في التعبير عن وجهة نظره، وأعطاه مساحة كبيرة في الرواية ليكشف مشاعره وأحاسيسه وأفكاره ومبرراته كديكتاتور يسعى لعمل دولة قوية.

السرد..

الرواية محكمة البناء، تتنقل بين الشخصيات التي يحكي عنها راوي عليم، وتقدم الحدث من وجهات نظر مختلفة، وتعطي فرصة لشخصيات متعارضة فكريا وإنسانيا في التعبير عن نفسها، وهي تحكي قصة حقيقية عن حاكم لبلاد الدومينيكان، لكن هناك قصص متخيلة داخل الرواية، فلم تكن الرواية تأريخا خالصا لفترة واقعية. تقع الرواية في حوالي 440 صفحة من القطع المتوسط، وتعد من أهم الروايات التي تناولت ظاهرة الطاغية، ومن روائع أدب أمريكا اللاتينية.

سيطرة الطاغية نفسيا على أتباعه..

يمكن قول الكثير عن الرواية ومميزاتها، لكني سأتوقف عند فكرتين هامتين، أولهما كيف كان يسيطر الطاغية “تروخييو” على أتباعه، وكيف كان يشعر كل ما ينظر في عينيه بتبعيته التامة، وبانسحاق ذاته أمامه، عبرت أكثر من شخصية داخل الرواية عن ذلك وعن قوة شخصية “تروخييو” التي كانت تضمن له ولاء من يعملون تحت إمرته، وهذا يفسر ولو قليلا كيف يستطيع فرد واحد إدارة آلاف من البشر، ودولة كاملة بقسوة ووحشية واستمرار ذلك سنوات طويلة، دون أن يتمرد عليه الناس أو يجرؤون وقد كانت تلك الفكرة تحيرني دوما.

استطاع الكاتب بنجاح رصد هذه الفكرة الهامة، وهي كيف أن “تروخييو” كان يسيطر عليهم جميعا، حتى أن بعضهم كان يكن ولاء حقيقيا له ويعتبره منعم ومخلص وصاحب فضل، وحتى بعد اغتياله لم يتخلص قائد قواته أن ينقلب عليه، وظل محتفظا بخوفه الذي تمكن منه، إلى أن تم القبض عليه وتعذيبه، وكأن الجميع فقد استقلاله وانسحقت ذاته وأصبح تابعا ذليلا للخوف.

كما ترصد الرواية ببراعة كيف تحول “تروخييو” إلى ديكتاتور، وكيف كان يعتبر نفسه منعما، وأنه حتى حين يتخلص من أعدائه بوحشية كان يرى ذلك خيرا لمصلحة بلاده، فهو قبل كل شيء كان يريد إنشاء دولة قوية، حتى أنه كان يرفض تحويل أمواله إلى الخارج، رغم أن أساسيات الاقتصاد كلها في يديه، بل وكان كريما مع شعبه، يصرف عليهم ببذخ ويعطيهم الهدايا ويوفر لهم رفاهية، ويغدق الأموال والفرص على أتباعه.

الفكرة الثانية هي رصد الرواية لضعف “تروخييو” الإنساني، بداية انهزامه النفسي حين تكالبت المواقف الصعبة عليه، وأصبحت أمريكا غاضبة عنه، تكيل له المؤامرات، كما أن عائلته نفسها كانت عبئا عليه بأفرادها الكسولين والنهمين للتلذذ بنعم الحياة، لكن ما هزمه من الداخل فعلا ليس كل تلك التحديات الصعبة، ومرور بلاده بمحن سياسية قوية، وإنما تقدمه في السن وفقدانه فحولته الجنسية، ذلك هو ما كسره نفسيا، حتى أنه بكى أمام طفلة صغيرة في الرابعة عشرة من عمرها، اغتصبها وأفقدها عذريتها، وأخذ يرثى على حاله، وكأن فحولته هي ما تبقيه قويا وصامدا. وقد كان تروخييو يمارس فحولته مع نساء كثيرات، ومع زوجات أتباعه وبمعرفتهم، وكان يتخذ هذا السلوك كوسيلة إذلال وإخضاع لأتباعه.

وتنتهي الرواية بحكي “أورانيا” عن مشهد اغتصابها على يد المنعم، وكيف أن أبوها قد تواطأ معه وسلمها له، وكيف أنها لم تنس ذلك أبدا، وتجعلها تلك الحادثة هذه تعيش أكثر من 35 عاما من الإذلال، وتفقد حياتها الطبيعية وتكره الرجال والجنس.

وكأن الرواية تود أن تقول أن الديكتاتور اغتصب البلاد والشعب، ومارس فيهم كل أفعاله الوحشية، وبمباركة من أتباعه الذليلين، لكنه رغم ذلك نال جزائه على يد من استفاقوا من التبعية وقرروا الانتقام.

الكاتب..

“ماريو فارغاس يوسا” روائي، صحفي، سياسي بيروفي حاصل على الجنسية الإسبانية، وهو “خورخي ماريو بيدرو فارغاس يوسا” ولد في 28 مارس 1936، أريكويبا، بيرو. حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 2010. برز في عالم الأدب بعد نشر روايته الأولى “المدينة والكلاب” التي نال عليها جوائز عديدة منها جائزة “ببليوتيكا بريفي” عام 1963، وجائزة “النقد” عام 1998. وقد ترجمت إلى أكثر من عشرين لغة أجنبية. وتتالت أعماله الروائية، وتعددت الجوائز التي حصل عليها، وقد كان من أشهرها حصوله على جائزة “ثيرفانتس” للآداب عام 1994، والتي تعد أهم جائزة للآداب الناطقة بالإسبانية.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب