19 نوفمبر، 2024 3:52 ص
Search
Close this search box.

رواية “حزن وجمال”.. براعة رصد مشاعر  الحب والغيرة والتملك

رواية “حزن وجمال”.. براعة رصد مشاعر  الحب والغيرة والتملك

خاص: قراءة – سماح عادل

رواية “حزن و جمال” للكاتب الياباني الشهير “ياسوناري كواباتا” رواية إنسانية بامتياز، تتناول قصة حب بعمق، وتستطيع أن تنفذ داخل النفس الإنسانية، وترصد ما تفكر فيه وتشعر به، ببراعة كاتب اختبر الحياة والناس في عصره.

الشخصيات..

أوكي:  روائي ياباني مشهور، يقرر أن يقضي رأس السنة في مدينة “كيوتو” ويسافر إلي هناك، ليحكي بعد ذلك أنه يشعر بالحنين نحو حبيبته السابقة التي أحبها منذ سنين طويلة لكنه افترق عنها، وبالفعل ينجح في لقاءها، ثم تتسارع الأحداث وتتطور فيما بعد.

أتوكو: سيدة أربعينة، تعمل رسامة محترفة، هي تلك الفتاة التي أحبها “أوكي” وهي في عمر السادسة عشر من عمرها، وكان هو أكبر منها ورجل متزوج، ورغم أن ذلك الحب خلف لها مأساة حياتية كبيرة إلا أنها كانت متسامحة مع “أوكي” بل وما زالت تحتفظ بالحب داخلها له بنفس قوته.

فوميكو: زوجة “أوكي” وقد عانت هي أيضا، وقد صور الكاتب معاناتها وكيف أنها رغم معاناتها حين كتب رواية عن حبه ل”أتوكو” لم يمنحها حق أن يكتب عنها وعن معاناتها، وإانا صور غيرتها وجنونها، مما جعلها شخصية ليست ساحرة بالنسبة للقراء، وللأسف في هذه الرواية أيضا لم أتعاطف معها كقارئة وإنما كرهتها أيضا.

كايكو: فتاة شابة تقع في غرام “أتوكو” ويصبحان حبيبتين وتقرر الانتقام لها من “أوكي” وزوجته وتقوم بفعل شرير .

الراوي..

الراوي هو البطل في الرواية، “أوكي” يبدأ الحكي عن نفسه ثم يسلم زمام الحكي لراو عليم يحكي عن “أتوكو” وما تشعر به في داخلها من مشاعر وانفعالات، وعن “كايكو” وما تفكر في فعله، وعن “فوميكو” و”أوكي” في احتكاكهما اليومي، لكننا نشعر في العموم أن حتي هذا الراوي العليم هو الكاتب الذي يحكي قصة حدثت له في حياته، وكإن الكاتب هو “أوكي” يحكي مرة من خلال عيونه ووجهة نظرة، ومرة من خلال الراوي العليم الذي يتطلع علي كل الأحداث التي لا يراها “أوكي” أو لا يعرفها، لكننا نفهم ضمنيا أنه هو هو نفسه “أوكي”.

السرد..

تقع الروية في حوالي 290 صفحة من القطع المتوسط، محكمة البناء، يبدأ السرد من لحظة ذهاب “أوكي” إلي المدينة التي تعيش فيها “أتوكو” فقط ليراها بعد سنوات طويلة من الفراق، ثم تتوالي الأحداث بعد تلك المقابلة. ويعود في الحكي إلي الماضي وقت أن كان في علاقة مع “أتوكو”. يحكي فيها عن علاقة الحب ومدي قوتها وسحرها ومأساويتها كما يحكي عن زوجته ورد فعلها، وتأثير تلك العلاقة عليها وعلي زواجهما، ثم يعود لرغبة “كايكو” في الانتقام وشعورها بالغضب الشديد من “أوكي” وما فعله ب “أتوكو” ثم تنتهي الرواية نهاية حزينة.

قصة حب مشتعلة..

الرواية تعتمد علي قصة حب جميلة، هي قصة حب “أوكي” و”أتوكو” رجل في عمر الثلاثينات وفتاة في السادسة عشرة من عمرها، يحدث بينهما انجذاب قوي، وعلاقة حب جميلة، تكون فيها الفتاة هي المندفعة والمتهورة، والطائشة، ويصل مقدار الحب بينهما إلي أبعد الحدود، حتي أن “أوكي” يعبر عن هذا الحب بجمل ساحرة وجميلة. لكن يحدث الحمل، تحمل “أتوكو” من “أوكي” وتعرف أمها بالأمر وتستنكره وتضغط علي ابنتها لكي تتخلص من علاقتها ب”أوكي”.

و”أوكي” نفسه لا يرغب في الطفل لأنه لا يستطيع التخلي عن زوجته وطفله الصغير، لذا يذهب ب”أتوكو” لعيادة سرية لكي تلد فيها عندما يأتيها المخاض قبل موعد الولادة، ويتسبب خوفه هذا في موت الطفلة لأنها تولد غير ناضجة، وربما تكون العيادة السرية خالية من الإمكانيات التي تنقذ حياة طفلة.

يعترف “أوكي” أثناء الحكي أنه لا هو ولا أم “أتوكو” كانا يرغبان في هذا الطفل، وحدها من تعذبت بموت الطفلة “أتوكو” حتي أنها قررت الانتحار ولم تنجح في تحقيقه، وحينما فعلت ذلك ذهب إليها “أوكي” لكي يداويها، وسهر إلي جوارها وهو حزين محاولا إنقاذها من الموت.

ويصور الكاتب ببراعة مدي حب “أوكي” ل “أتوكو” حتي أنه من قوة حبه لها كتب عنها رواية أسماها “فتاة السادسة عشر”، تلك الرواية التي ضمنها مشعاره القوية تجاه “أتوكو” وقصة الحب الجميلة، ومن جمال ذلك الحب استطاعت الرواية أن تشتهر وأن تحقق الشهرة ل”أوكي” .

هذه الشهرة التي نفعت “أوكي” ماديا ومعنويا ليصبح كاتب شهير وتتوفر لديه الأموال ليربي طفليه ويعول أسرته، في حين أنها كانت وصمة ل “أتوكو” لأن الناس ربطت بينها وبين الرواية، وعرفوا أنها هي البطلة. وظن “أوكي” أنه أفسد حياة “أتوكو” بهذه الرواية، بعد أن أفسدها بالتسبب في مقتل طفلتهما، حيث حرمت هذه الشهرة التي لحقة ب”أتوكو” كحبيبة طائشة حرمتها من فرصة زواج مناسبة ومن إنجاب الأطفال.

لكن حين صور الراوي العليم دواخل “أتوكو” اكتشفنا أنها هي التي امتنعت عن الزواج، وأنها ظلت مخلصة لحبها ل”أوكي” أكثر من 24 عاما، وأنها أبدا لم تكن تريد أن تحب رجلا آخر غيره، حتي عندما اقتربت من أحد اقتربت من فتاة لكي تظل محتفظة بذكري حبها ل”أوكي” وذكري لمساته ولحظاته الحميمية معها.

غيرة..

رصد الكاتب ببراعة غيرة الزوجة، التي ما أن علمت بعلاقة زوجها حتي أصابها الجنون، وأخذت تسير في الشوارع علي غير هدي تنتظر زوجها، أو ربما تبحث عنه مصطحبة في يديها طفلها الصغير الذي أصابته الحمي جراء جنونها وغيرتها. ورغم ذلك فإن “أوكي” كان يعاملها بلطف وإنسانية وكان حريصا علي أن يعامل زوجته باحترام وود، فهو لم يتركها أو يتخلى عنها، ولم يترك ابنه وأيضا حين احتاجته “أتوكو” وقت الانتحار ذهب إليها وكان معها وقت الولادة. وبالنسبة لزوجته حرص “أوكي” علي مصارحتها بكل شيء حين أعطاها مسودة روايته “فتاة السادسة عشر”، لأنها اعتادت أن تكتب رواياته علي الآلة الكاتبة، وشعر أنه من غير الإنساني أن يخفي عنها هذه الروية، وأن هذا كفيل بأن يهدم حياتهما الزوجية، مما يعكس حرصه علي أن تظل علاقته الزوجية بزوجته جيدة.

وعندما قرأت الزوجة تلك الرواية تعذبت كثيرا، حتي أنها من شدة عذابها فقدت طفلا كان قد تكون في رحمها، لكنها مع ذلك أصرت علي كتابة الرواية، فقط ما زاد من عذابها روعة قصة الحب بينه وبين “أتوكو”، وتصويره ل”أتوكو” بعذوبة وجمال وروعة.

في حين أنه اكتفي بإعطائها مساحة ضئيلة داخل الرواية، يصور فيها غيرتها المجنونة، أحست الزوجة أن ذلك أكبر دليل علي قوة حبه ل”أتوكو” وفي المقابل هو لم يحبها ولم يراها بنفس الطريقة التي رأي بها “أتوكو”، وبالفعل نشعر كقراء أنه حتي في رواية “حزن وجمال” في تصويره للزوجة جعلنا لا نتعاطف معها ولا نحبها وإنما تعاطفنا وأحببنا “أتوكو”.

حب نسائي..

يصور الكاتب علاقة الحب بين امرأتين، وفي رأيي أن هذه جرأة نظرا لوقت إصدار الرواية في أواخر الستينات من القرن الفائت، وأنه قد امتلك الجرأة علي أن يصور تلك العلاقة بتفاصيل دقيقة، مصورا مشاعر السيدتين اللتان يمثلان طرفا تلك العلاقة، وهذه جرأة وبراعة من كاتب ذكر.

فقد رصد مشاعر “أتوكو” التي انجذبت للفتاة الصغيرة، والتي استجابت لمداعبتها الجسدية، كما رصد حب وغيرة “كايكو” الشديدة ونزقها كفتاة لا تخلو من شر ومن نزق، حتي أنها غارت حين ظهر “أوكي” مرة أخرى علي مسرح الأحداث وقررت الانتقام منه بشكل شرير، حتي تفوت الفرصة علي “أتوكو” و”أوكي” لاستئناف علاقتهما، مدعية أنها تهتم فقط للعذاب والمعاناة التي عاشتهما “أتوكو” جراء حبها ل”أاوكي”، لكني كقارئة أشعر أنها قامت بذلك الانتقام لتحتفظ ب”أتوكو” وتمنعها من العودة ل”أوكي” بأي شكل كان.

من جانبها بدت “أتوكو” مسالمة وطيبة ومحبة، ولم تفكر أبدا في الانتقام من “أوكي” أو من زوجته أو من أسرته بل حاولت منع ذلك من أن يحدث.

الانتقام..

قامت “كايكو” بفعل شرير حيث اغوت “أوكي” أولا، وبالفعل انساق “أوكي” لإغوائها وتورط  في عمل علاقة حميمية معها، رغم شعوره بالخطر من جانبها. وهنا يضعنا الكاتب في حيرة في فهم شخصية “أوكي”، هل هو شخص طيب أم شرير؟، في البداية يبدي محبة وود ولطف مع حبيبته ومع زوجته، لكنه مع ذلك يتخلي عن “أتوكو” وقتما احتاجت إليه ويتوقف عن القيام بفعل مناسب عندما طلبت منه أم “أتوكو” أن يتزوجها، ويقرر البقاء مع زوجته، ويسمح لزوجته أن تنجب طفلة أخري، ويعيش كأب مسالم وطيب يرعي أطفاله وزوجته، ولا يهتم بمصير “أتوكو” بل يتمني من داخله أن تجد الزواج والإنجاب وأن تتمتع بحياتها رغم حبه الكبير لها.

ثم حينما تغويه “كايكو” يستجيب كأي رجل لا يهتم سوي بالجمال والجسد والعلاقة الحميمية مع أية امرأة جميلة، ولا يحاول دفع الشر عن أسرته، رغم استشعاره لهذا الخطر. لكنه في رأيي اتخذ موقف المتفرج كما يفعل دوما، انحبس في خانة المتفرج.

منذ بداية علاقته ب”أتوكو” نشعر أنه كان في الجانب السلبي الذي يأخذ خانة رد الفعل ثم المتفرج، يستجيب لاندفاع فتاة صغيرة واقترابها، ثم يتخذ موقف المتفرج وهو يري زوجته تتعذب بغيرتها، ثم موقف المتفرج وهو يري “كايكو” تنسج خيوط المصيدة له ولأسرته، وخاصة ابنه، لينتهي الأمر بموت الشاب المسكين التي استدرجته “كايكو” إلي البحيرة لكي تغرقه بدماء باردة.

وقد سمح الكاتب للابن الشاب أن يعبر عن نفسه أيضا، وأن يصور شعور الطفل الذي يشاهد أبيه وهو يعذب أمه بغيرة مجنونة ويتعاطف مع امه وعذابتها، كما رصد محبة الشاب ل”كايكو” التي تلونت وأجادت التمثيل وأوهمت الشاب أنها فتاة بريئة وبسيطة وطيبة ومحبة.

الرواية علي قدر كبير من الروعة في تصوير المشاعر الإنسانية العميقة للفتاة المحبة، وللمرأة الأربعينية التي تحتفظ بحب عمرها المأساوي، وتصوير مشاعر الزوجة التي تعرف أن زوجها يحب فتاة أخري بجنون لكنها تتعايش مع ذلك الحب فقط لأنها لا تستطيع الاستغناء عن ذلك الزوج وتحبه وتحب امتلاكه، ومشاعر الفتاة النزقة التي تريد الاحتفاظ بحبيبتها بأية طريقة حتي وإن كانت القتل والتدمير لأسرة.

الرواية..

“حزن وجمال” هي آخر رواية كتبها “ياسوناري كواباتا” ظهرت سنة 1965 ونال جائزة نوبل للآداب عام 1968، قبل أن ينتحر في 12 نيسان 1972.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة