16 نوفمبر، 2024 2:41 ص
Search
Close this search box.

رواية “حجر الصبر” .. تكشف أسرار المجتمع الأفغاني المحرمة !

رواية “حجر الصبر” .. تكشف أسرار المجتمع الأفغاني المحرمة !

خاص : قراءة – سماح عادل :

رواية (حجر الصبر) للكاتب الأفغاني “عتيق رحيمي”، ترجمة “صالح الأشمر” وإصدار دار الساقي.. تبدأ داخل غرفة صغيرة في أحد المنازل الأفغانية.. وصف مقتضب لملامح رجل في منتصف العمر، يرقد  بلا حراك ترعاه زوجته بشغف، تظل بجواره تضع له قطرة العينين ومحلول ملحي، يدخل إلى جسده من خلال أنبوب طويل يدخل من فمه ليصل إلى أحشاءه، على إيقاع تنفس الرجل البطيء تُسبَح المرأة بأسماء الله الحسنى هكذا قال لها “الملا” لكي تسرع في شفاء زوجها.

إيقاع التنفس البطيء..

ثم يبدأ الكشف معتمداً على إيقاع بطيء في البداية، يشبه إيقاع تنفس الرجل ثم يتسارع في رواية صغيرة الحجم تبلغ 112 صفحة من القطع المتوسط.. يبدأ حماس المرأة يفتر، لقد مرت أيام وزوجها بلا حراك، مفتوح العينين لكنه لا يشعر بشيء، تترك طفلتيها خارج الغرفة دوماً حتى لا تزعجا الوالد، وتبدأ في محادثة نفسها أولاً ثم محادثة الزوج، تكشف له عن أشياء لم تقلها أبداً أثناء حياته، ليس لأنها لا تريد وإنما لأنه لا يتحدث معها مطلقاً، يعاملها بقسوة ووحشية، تركته عائلته بعد أن أصيب برصاصة في رقبته، ورغم أنه من المجاهدين “الأبطال” بعد اشتراكه في حروب أفغانستان الكثيرة, إلا أن الرصاصة أتته من زميل له في نفس فُصيله بسبب معركة كلامية صغيرة بينهما، أدخلته هذه الرصاصة في غيبوبة امتدت لأسابيع، ولأن بيتهم يقع في منطقة التماس ما بين الفصائل المتناحرة نشاهد التحطيم والدمار ونسمع طلق الرصاص وصوت الدبابات، حتى أن المنزل نفسه يتحطم، لكن المرأة، والتي حرص الكاتب ألا يعطيها اسماً لتعبر عن كل النساء الأفغانيات، وربما عن كل النساء في المجتمعات محكمة الإغلاق التي شوهتها حركة التشدد الديني في المنطقة، تظل ترعى زوجها رغم الدمار المتواصل.

غرفة مغلقة..

الرواية لا تخرج عن حدود الغرفة المغلقة التي يسكن فيها جسد الرجل المسجى، وتعتمد على حوار المرأة بشكل أساسي، إما حوارها مع نفسها المسموع أو حوارها مع الرجل، ثم على حكي عن ما يدور في هذه الغرفة من دمار واعتداء من بعض المجاهدين على المرأة وعلى المنزل.

الشخصيات.. 

تعتمد الرواية على شخصية أساسية هي شخصية المرأة التي تحكي وتحاور الرجل، وشخصية الرجل الذي نعرف عنه من خلال حكي المرأة، وشخصية ثانوية لمجاهد دخل الغرفة ليفتشها ثم تعامل بازدراء مع المرأة حتى أنه بصق في وجهها بعد أن أخبرته أنها تبيع جسدها، وذلك إدعاء منها حتى لا يغتصبها الرجل، وشخصية مساعد هذا الجهادي وهو شاب مراهق يتلعثم في نطق الكلمات، يعود بعد أن يعرف أن المرأة تبيع جسدها ويجبرها على ممارسة الجنس معه بقوة السلاح، لكنه يعطيها المال ثم تتطور العلاقة بينهما وتبدأ المرأة تحنو عليه وتعامله بلطف، لتكتشف أنه ضحية للمجاهد الذي يرافقه وأنه يعتدي عليه جنسياً منذ كان طفلاً صغيراً، وشخصية أخرى ثانوية هي شخصية عمة المرأة، التي اتهمت بأنها عاقر أثناء زواجها وهي صغيرة وأهملها أهل زوجها، ثم اعتدى عليها حماها وقتلته وبعد أن قتلته اضطرت إلى الادعاء بأنها انتحرت وتحولت إلى بغى تعمل في بيت للدعارة، تصادف أن قابلتها المرأة بعد زواجها من المجاهد وأصبحت عمتها سنداً لها في مواجهة أهل زوجها، وشخصية أبو الزوج والذي كان حنوناً يعامل المرأة بأبوة ويعلمها أشياء كثيرة، وشخصية أبوها نفسه الذي كان يستخدم السمان في عمل معارك ورهانات، وكان يزوج بناته في عمر صغير من رجال يكبرونهم في السن ليحصل على المال يعوض به خسارته في رهاناته.

الراوي..

الرواية خارج الرواية يحكي عن ما يدور في الغرفة، ويحكي عن المرأة ولا يعلم شيء خارج الغرفة، يحكي ما يستطيع رؤيته أو سماعه فقط فهو ليس راوي عليم، وباقي التفاصيل نعرفها من حديث المرأة المسموع.

السرد..

يعتمد السرد على تنبيه حواس القارئ, سواء السمع أو الرؤية، فتشعر أنك ترى فيلماً سينمائياً وليس رواية تقرأها، تشعر بالمكان نتيجة الوصف الدقيق له، وبحركة المرأة التي اعتمدت في البداية على إيقاع تنفس الرجل، ثم تسارعت فأصبحت تخرج للقاء عمتها ثم تعود لتهتم بالرجل.

الأسرار المحرمة..

بعد مرور الأيام البطيئة تمل المرأة من رعاية زوجها، خاصة وأن منزلها تحطم وتعرض لاعتداء متواصل من المجاهدين الذين ينتمون لنفس فصيل زوجها، وتعرضت هي نفسها لاعتداء جنسي، حتى أنها في أحد المرات تخلع الأنبوب الذي يوصل المحلول للزوج لكنها تعود في اليوم التالي لتجده مازال حياً، يتنفس بنفس الإيقاع البطيء، وتندم على محاولة قتله لأنها بذلك تصبح مثل هؤلاء المجاهدين القساة، وتكتشف أنها تستطيع أن تحكي بحرية لزوجها وتعتبره “حجر صبرها”.. ذلك الحجر الذي يتلقى أسرار الناس ويجعلهم يتخففون من حمولتها، ثم ينفجر من وطأة تلك الأسرار، فتحكي أكثر له لترتاح وتلومه على معاملته القاسية لها طوال حياتهم الزوجية التي امتدت لعشر سنوات، وعلى إهماله لها جسدياً ومعنوياً وتعترف له بأنها أنجبت طفلتيها بطريقة غير شرعية، فقد ساعدتها عمتها وأوهمت حماتها بأن هناك شيخاً يعالج العقم، وجعلتها تضاجع رجلاً وهي معصوبة العينين في غرفة مظلمة، وهي فعلت ذلك خوفاً من أن توصم بأنها عاقر وتلقى نفس مصير عمتها، لان أم زوجها كانت تنوي تزويجه من أخرى، يقوم الرجل في آخر الرواية في حركة مفاجئة ويضرب المرأة بعنف، رغم أنه لا توجد أية إشارات على وجود الحياة بجسده، وتنجح هي في ضربه بخنجر معلق على الحائط لكنه يقتلها في النهاية.

تغوص الرواية في عمق ذات المرأة التي تعايش الحروب والدمار وقسوة “المجاهدين” وتعطشهم للدماء، تعويضاً عن عجزهم عن ممارسة الحب بشكل صحيح، كما يصرح الكاتب في الرواية على لسان المرأة، وتكشف هشاشة هؤلاء “المجاهدين” الذين يرتكبون كل الفواحش ويدعون أنهم حماة الدين بحثاً عن المكاسب المادية وتفريغاً لأمراضهم النفسية.. يمكن القول أنها ترميز لقهر المرأة في المجتمعات التي دمرتها حركات التشدد الديني والتي تأسست بأيدي الدول الكبرى، كنوع جديد من الاستعمار ولكنه استعمار يعتمد على إبادة أهل البلدان أصحاب الثروات الطبيعية.

أهدى “عتيق رحيمي” الرواية لشاعرة أفغانية تدعى “ناديا أنجومان”، ذكر حروف اسمها الأولى.. هذه الشاعرة  قتلها زوجها حيث ضربها ضرباً مبرحاً أودى بحياتها، وكانت الحادثة عام  2005، وذلك بسبب أنها أصدرت ديوانها الشعري الأول، وكانت تبلغ 25 عاماً وكانت أما لطفلة صغيرة، وجدير بالذكر أن رواية (حجر الصبر) فازت بـ”جائزة غنكور” الفرنسية عام 2008، ثم تحولت لفيلم سينمائي أخرجه “عتيق رحيمي” نفسه.

الكاتب..

“عتيق رحيمي” هو كاتب أفغاني ولد 1962، في كابل.. يكتب باللغتين الفارسية والفرنسية, وهو أيضاً مخرج أفلام سينيمائية، بعد الاجتياح السوفياتي لأفغانستان، وانهيار النظام السياسي غادر إلى فرنسا، حيث أتم دراسته وحصل على الدكتوراة في الاتصالات البصرية، وفي عام 2008 حاز على “جائزة غنكور”، الجائزة الفرنسية الأدبية الأبرز، عن روايته (حجر الصبر)، وجائزة الأدب الفارسي في إيران في 2010 عن روايته (الأرض والرماد)، من رواياته (ملعون ديستوفسكي)، (أرض ورماد).

 

فيلم حجر الصبر

https://www.youtube.com/watch?v=D96pgq_gLpg

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة