24 ديسمبر، 2024 2:39 ص

رواية “جدارية العاج”..  المشاعر الإنسانية بالغة التعقيد

رواية “جدارية العاج”..  المشاعر الإنسانية بالغة التعقيد

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “جدارية العاج” للكاتبة السودانية “فدوى سعد” تحكي عن العلاقات الإنسانية وتشابكاتها، وتتناولها بعمق كما امتلئ بحس التفاؤل والإيجابية.

الشخصيات..

تتميز الرواية بوجود شخصيات متعددة داخلها، تتناولهم الكاتبة بعمق وتبرع في رسم ملامح شخصياتهم.

الراوي..

تتميز الرواية بتعدد الأصوات، حيث تترك الكاتبة للشخصيات حرية التعبير عن أنفسهم، فيتحدثون بضمير المتكلم ويعبرون عن مشاعرهم الداخلية وأحاسيسهم وأفكارهم تجاه أنفسهم وتجاه الآخرين، وتستعين بالرسائل كتقنية أخرى في البوح وفي التعبير عن شخصية “رضوان”.

السرد..

تنقسم الرواية إلى واحد وعشرين فصلا أو مقطعا معنونا، وتحت هذه الفصول توجد تقسيمات فرعية، السرد توزع بين الشخصيات الرئيسية في الرواية، والأحداث التي تجمعهم، وحاولت الكاتبة الربط بين الشخصيات رغم تباعدهم، كما تتبعت مسار بعض الشخصيات زمنيا منذ الطفولة وحتى الكبر، وكانت الثورة متواجدة في خلفية الرواية، وجاءت النهاية إيجابية تبشر بالأمل والاستمرار والتفاؤل رغم الموت والحزن والفقد.

تعقيدات العلاقات الإنسانية..

اعتمدت الرواية على تصوير تعقيدات العلاقات الإنسانية وكان مكانها السودان، فتناولت أسرة بسيطة لامرأة تدعى “الندى الطيب” تركها زوجها سنوات طويلة بطفلين تتحمل مسؤوليتهما وحدها، فعملت بالخياطة وضحى ابنها الأكبر “منير” بتعليمه لكي يتسنى لأخيه رضوان التعلم ويصبح طبيبا، وظلت “الندى” تشعر بالامتنان لابنها الأكبر وتعامله بود ومحبة لدرجة أن ابنها الآخر “رضوان” شعر بالحرمان العاطفي رغم تضحيات أخيه ومعاملته الطيبة له.

لكنه رغم ذلك ورغم كل تلك التضحيات من أمه وأخيه الأكبر إلا أنه كان تعيسا ناقما على كون أخيه في مقام والده، متمنيا لو كان مجرد أخ عادي يتعامل معه بندية. ومن هنا نقول أن الكاتبة برعت في تناول التعقيدات الإنسانية حيث صورت المشاعر المتناقضة والمتداخلة خاصة بالنسبة لشخصية “رضوان”.

كما رصدت مشاعر “الندى” التي ظلت تحب زوجها “خلف السدابى” ذلك المهندس الذي رجع إلى زوجته في إحدى دول الغرب وهجرها وتركها تتحمل مسؤولية طفلين وحدها، ولم يسال أبدا عنها، لكنها عند موته تكشف عن محبة هائلة احتفظت بها طوال سنوات الهجر والفراق، ولم يمنعها الموت أيضا من الاحتفاظ بها، فظلت تذكر أنها قضت سنوات معدودة بصحبة زوجها وكان يعاملها فيها معاملة طيبة ويحبها كثيرا.

ومما عزز مشاعرها تلك أنه ترك لها كل ثروته، ومع ذلك لم تنتقم لما حدث لها بل تعاملت بنبل ووزعت ثروته على جميع أبناءه، ولكن كأي إنسان عادي له رغبات ومشاعر حرمت الزوجة الأجنبية من ثروة الزوج كانتقام منها على حرمانها من زوجها كل تلك السنوات. ونعيد القول أن رصد تعقيدات النفس البشرية هي ما أبدعت فيه الرواية.

ونجد مثالا آخر عند “طل”، تلك الفتاة الجميلة الرقيقة التي أحبت “منير” وأوشكت على الزواج منه، وكان حبهما ساحرا وجميلا، وبعد موته المفاجئ والصادم تتحرك مشاعرها نحو أخيه “رضوان”، ورغم أنها تسعى للزواج منه لتظل داخل أسرة “منير”، وتحتفظ بذكراه إلا أنها تحب “رضوان” رغم ذلك وتشتهيه كأنثى.

ومن المفارقات الإنسانية أن “رضوان” أيضا يبادلها نفس المشاعر، رغم مشاعره المتناقضة نحو أخيه ما بين محبة كبيرة وحقد دفين، لأنه استأثر بمحبة الأم ودعائها ورعايتها واهتمامها وتبجيلها. وتنتصر الرواية لصالح حب “رضوان” و”طل” لأن الحياة لابد وأن تستمر.

كما ترصد مشاعر الابن الذي اكتشف بعد أن كبر وتزوج أن له أخوين، “خلف السدابي” حين يعلم بموت ابنه “منير”، وذلك بعد موته بفترة تحدث له صدمة كبيرة ويخبر أحد أبناءه من زوجته الأجنبية، ويسعى هذا الابن إلي التعرف على شقيقه الآخر ويذهب إلى السودان لأجل ذلك، وترصد الرواية نمو المشاعر بين الأخوين الذي لم يعرفا بعضهما البعض إلا في سن كبيرة، وكيف تتطور تلك المشاعر، حتى يصبح بين الأخوين علاقة إنسانية جميلة، بل أن “الندى” نفسها تتطور علاقتها بهذا الابن رغم ما يمثله من قهر لها ولولديها، بل وتتعامل معه بتسامح.

اليتم..

وأيضا تتناول الرواية مشاعر اليتيم الذي يفقد والده، تتناولها بعمق وترصد مشاعر الطفل الذي يشعر بالشفقة في عيون الناس، الشفقة والحزن اللذان يثقلان روحه البريئة ويظل يهرب منهما طوال حياته، فاليتم يمثل شقاءه ليس فقط لفقدانه لوالده وعدم رؤيته له وإنما لأنه يرى يتمه يوميا في عيون الناس، الذين ينظرون له نظرات ملؤها الشفقة والحزن.

كما تتناول علاقة الخال الذي ربا اليتيم “المعز”، وجعله لا يشعر بيتمه أبدا فكان بمثابة الأب بالنسبة له. ومن مفارقات الرواية أن يموت “المعز” هو أيضا ليتركك طفلتيه يتيمتان، ويرى كيف يتعامل أصدقاءه مع يتم ابنتيه بمحبة ولطف.

التكاتف الاجتماعي..

كما تناولت الرواية ظاهرة إيجابية وهي التكاتف الاجتماعي من خلال “المعز” وأصدقاءه  “الهادي” و”مجدي”، ووالد الهادي وأم مجدي، وكيف أن والد الهادي حينما عرف بخبرة أم مجدي في الزراعة استعان بها، وبمساعده جيرانه قام بزراعة مناطق قريبة في الحي، وتعاون الجميع على إنجاح ذلك المشروع. وقد كان والد الهادي نموذجا للأب الداعم الذي يربي أبناءه وأصدقاءهم على المبادئ والأخلاق القويمة وعلى التعاون والجهد والعمل والتعاون.

الثورة السودانية..

تمثل تناول الثورة السودانية في الرواية من حيث تأثيراتها الاجتماعية على الناس، وكيف أثرت على الحس الجماعي والتعامل الإنساني وقربت الناس وجعلت بينهم تعاملات إنسانية عميقة وجميلة.

كما تناولت الرواية الموت بطريقة إيجابية رغم كونه مبعث الحزن والألم بسب الفقد، فكان موت “منير” رغم أنه صادم ومفاجئ وغير متوقع إلا أن المحيطين تعاملوا معه بتسامح وود، وحتى “طل” التي ظلت طويلا تحت تأثير حزنها بفقد “منير”، إلا أنها استطاعت أن تحب من جديد وتتعامل مع ذكرى “منير” بتسامح وإيجابية.

كذلك كان موت “المعز” الذي اختفى في أحداث الثورة، فقد تعامل معه أصدقاءه رغم حزنهم بتسامح، وقرروا أن يهتموا بطفلتيه كوسيلة للتعبير عن محبتهم لصديقهم العزيز، كما صورت الرواية “منير والمعز” بعد موتهما وهم يطلان على من يحبان، ويتفقدان أحوالهم ويعرفان مصير من عاش.

الرواية اعتمدت على لغة عذبة أقرب إلى الشعرية، وعلى وصف دقيق لمشاعر الشخصيات، كما رسمت بعمق ملامح بعض الشخصيات في تعقيداتها وتناقضاتها.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة