22 سبتمبر، 2024 12:33 ص
Search
Close this search box.

رواية “بنات إيران” .. ترصد أحوال المرأة على مدى ثلاثين عام

رواية “بنات إيران” .. ترصد أحوال المرأة على مدى ثلاثين عام

خاص : قراءة – سماح عادل :

تتميز رواية (بنات إيران) للكاتبة الإيرانية “ناهيد رشلان”، ترجمة “عمر الأيوبي”، إصدار دار الكتاب العربي، بأنها تتناول الحياة في إيران على امتداد سنوات طويلة، من أوائل الخمسينيات وحتى أواخر الثمانينيات، أي حوالي ثلاثين عاماً ترصد فيها التغيرات السياسية وتأثيراتها على حياة الناس في إيران من خلال الحكي عن إحدى العائلات.

الرواية عبارة عن سيرة ذاتية للكاتبة، تحكي فيها عن عائلتها, وتكتب أحداثاً واقعية مرت بها حتى أنها تسمي الأبطال بأسمائهم الحقيقية، وتدعم ذلك بتضمين الرواية صوراً فوتوغرافية للشخصيات، وإن كانت هذه أول مرة أرى رواية مدعمة بصور الشخصيات وكأنها كتاب تأريخي، كما يلاحظ أيضاً الشرح التفصيلي لكل الأمور وكأن الكاتبة تخاطب قراء لا يعرفون شيئاً عن إيران أو أهلها وسيتضح بعد المضي في القراءة أن الكاتبة تعيش في أميركا، وأنها تكتب للقراء الأميركان وكأنها رواية تعريفية لبلدها.

هجر الأم..

على الرغم من ذلك تمتلئ الرواية بشحنات عاطفية مختلفة، كما أنها تتناول شخصيات نابضة بالحياة والسرد فيها مميز.. تبدأ الرواية بمقدمة تقول فيها الكاتبة أنها توخت الصدق في الحكي وأنها نقلت الواقع.. ثم تحكي عن طفولتها حيث ربتها خالتها “مريم” بعد أن تركتها لها أمها “محترم”, فـ”مريم” أخت “محترم” الكبرى وحرمت من الإنجاب, ولذا أعطتها “محترم” التي أنجبت كثير من الأطفال ابنتها “ناهيد”.. تقضي “ناهيد” تسع سنوات مع “مريم” مليئة بالحنان والحب ثم تجبر على العودة لعائلتها، يجبرها أبوها على العودة وتقضي سنوات في محاولة التأقلم مع “محترم” وباقي أشقائها.

حلم الحرية..

شقيقتها “باري” هي التي تتقرب لها وتصبح فيما بعد صديقتها المقربة، وسيتضح فيما بعد أن الكاتبة ألفت الرواية لأجل أختها “باري” فقط، سوف تحلم “ناهيد” و”باري” بالحرية في إيران، على الرغم من أن كل مؤشرات الحياة تفيد بأن المرأة مهضومة الحق، تحلمان برفض فكرة الزواج المدبر من الأسرة في سن مبكرة وإكمال تعليمهما، تحلم “باري” بأن تكون ممثلة مثل ممثلات أميركا الفاتنات، وتحلم “ناهيد” بأن تكون كاتبة وتهاجر إلى أميركا، لكن “باري” تجبر على الزواج من أحد الأثرياء, “طاهري”, رغم مقاومتها في البداية وسعيها للزواج من شاب تحبه “مجيد”، وتنهار حياتها بعد أن تمنع من التمثيل وتنجب طفلاً من “طاهري” ثم تصر على الطلاق وتحرم من ابنها لسنوات طوال، لأن القانون ينكل بالمطلقات ويعطي حضانة الأطفال للأب، وتتزوج من رجل آخر يبدو أكثر تفهماً لكنها تظل تعيسة طوال حياتها إلا أن تقرر أن تنهي حياتها.

الشخصيات..

البطلة “ناهيد” تتولى السرد, فهي الراوية لكل أحداث الرواية، هي طفلة مهجورة من أمها تظل طوال حياتها تشعر بالحزن لذلك، رغم أن خالتها “مريم” كانت أم حنون لها، كما أنها ستظل مسكونة بإيران رغم تركها لها وهي في بداية الشباب واستقرارها في أميركا، لتصبح كاتبة وتكتب عن إيران في كل أعمالها.. استطاعت “ناهيد” أن تحقق أحلامها فقد تفوقت في دراستها لكي تستطيع إقناع والدها بأن يتركها تسافر لتكمل تعليمها في أميركا، لكنه يرفض وبعد خشيته من أن تسبب له “ناهيد” المشاكل, يتركها تسافر لأميركا برعاية شقيقين لها هناك، وهي تواصل طريقها وترفض العودة لإيران وتكمل دراستها العليا في علم النفس، وتتزوج بشاب أميركي.. أبو “ناهيد” يظهر دوماً في الرواية لكننا أبداً لا نعرف مشاعره الداخلية، نراه شخصية متسلطة تراقب أبناءها وتحدد لهم طرق الحياة التي يسلكونها، وحين تقرر “ناهيد” العيش في أميركا يقاطعها, لكنه عندما يكبر يطلب منها زيارة إيران ويرحب بزوجها وابنتها ويتعامل بود معها، لكنها تصرح أنها أبداً لم تستطع عمل حوار معه وإنهاء الأمور العالقة بينهما، يموت أبو “ناهيد” أثناء الاضطرابات التي جرت في إيران بمرض الرئة.

و”باري” فتاة رقيقة تحلم بأن تكون ممثلة لكن حياتها تفسد بسبب وصاية الأهل وظلم القوانين الإيرانية وتنتهي بقرار منها، بعد أن تقوم ببعض محاولات المقاومة، فقد سعت لسنوات لاسترداد ابنها من طليقها، كما اهتمت بتعلم التمثيل وكانت تصاحب نساء قويات اخترن طريق التمرد على قيم المجتمع المحكم الإغلاق.

“مانيجة” فتاة مدللة, وهي شقيقة “ناهيد” الصغرى، وهي المقربة من أمها “محترم” ولذلك كانت مصدر إزعاج دائم لـ”ناهيد” طوال فترة مكوثها في منزل العائلة، وشقيقي “ناهيد” الذكور, واللذان سافرا إلى أميركا واستقرا هناك، و”مريم” خالة “ناهيد”، امرأة متدينة ترتدي الشادور بإرادتها لأن الشاه في ذلك الوقت أعطى للمرأة حرية ارتدائه برغبتها، وتصلي كل الصلوات وحين يأخذون “ناهيد” منها تتفرغ للعبادة، تتزوج مرة أخرى من أحد الرجال لكنها تطلق منه وتظل “ناهيد” تزورها بانتظام ثم تعيش مع “محترم” بعد أن تكبر في السن، وشخصية “محترم” أم ناهيد لا نعرف عنها الكثير ربما لأن الراوية تأخذ منها موقفاً نفسياً وتلومها على تركها لها، لكنها امرأة أجبرت أن تتزوج في سن التاسعة من رجل يكبرها كثيراً، ثم تنجب أطفال كثيرين وتظل ترعاهم طوال حياتها، وحين يموت زوجها تعيش مع ابنة لها ومع أختها الكبيرة “مريم”، تسمح لها الراوية في أحد المشاهد بأن تظهر مشاعر ما حين كانت “ناهيد” تستعد للسفر إلى أميركا، لكنه رغم ذلك مشهد قاسي فقد ودعتها بطريقة تخلو من حميمية.

وشخصية “طاهري” زوج “باري”, رجل غير متوازن نفسياً, يتعامل معها بقسوة وحين ترفض العيش معه يحرمها من ابنها طوال حياتها، و”مجيد” رجل عاشق يعطي لـ”باري” الزهور ويظل يحبها حتى بعد أن تتزوج، تجبره أمه على التزوج من إحدى الفتيات وينجب منها أطفالاً لكنه حين يعرف بطلاق “باري” وزواجها من آخر يحاول التواصل معها, وبالفعل يتم التواصل لكنه يرفض ترك زوجته ويلوم “باري” على تركها لأبنها وطلبها الطلاق، ويكون أحد أسباب سعي “باري” إلى الانتحار وحين تموت يزور قبرها ويبكي.

الراوي..

البطلة “ناهيد” تحكي من وجهة نظرها.. تعطي المساحة لبعض الشخصيات وتضيق مساحة شخصيات أخرى، تكتب ما عاينته ورأته وعايشته فقط.. حتى أنها ترصد ما قالته لها الشخصيات أو ما عرفته عنهم ولا نجد حوارات داخلية إلا لدى “ناهيد” فقط.

تقسيم الرواية..

قسمت الرواية, التي تبلغ 304 صفحة من القطع المتوسط ,إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول: “بنات إيران”، القسم الثاني: “أميركا”، القسم الثالث: “أرض الجواهر”، وكل قسم مقسم إلى فصول.. القسم الأول يتناول حياة “ناهيد” في إيران حيث عاشت أول تسع سنوات في طهران وباقي السنوات في الأهواز، والقسم الثاني تحكي فيه عن تأقلمها مع الحياة في أميركا ودراستها ثم كيف ذهبت إلى نيويورك لتتعلم وتعمل، وقابلت زوجها ثم أنجبت طفلة، وكيف أصبحت كاتبة، في القسم الثالث تحكي عن “باري” التي انتحرت, وكيف أن ذلك أحدث فجوة في وجودها فجعلها تسافر إلى إيران لتستقصى تفاصيل الحادث الذي تعرضت له “باري”، حيث سقطت من على الدرج وتأخر الإسعاف فماتت سريعاً، وتحكي عن باقي التفاصيل الغامضة في حياة “باري” من خلال رسائل وحكي الشخصيات الأخرى.

إيران..

تتميز الرواية بأنها لا تكتفي بسرد حياة العائلة والشخصيات, بل تظهرها في محيطها العام بكل شروطه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فنعرف أن الشاه “محمد رضا بهلوي” في الخمسينيات كان يتعامل بسفه ويسرف في إنفاق الأموال، كما أنه كان موالياً لبريطانيا وبعد ذلك أميركا التي أعادته إلى عرشه بعد تمرد الإيرانيين عليه، ونعرف أن أبو الشاه أجبر النساء على خلع الشادور لأنه أراد أن يبدو حداثياً وأن الشاه شجع النساء على خلع الشادور مصدراً قراراً يفيد بأن ارتدائه اختياراً، مما أفرز طبقة من الأغنياء الذين يعملون في مجال استخراج النفط يتجهون لأن يقلدوا الأميركيين والبريطانيين، يتركون زوجاتهم يرتدون فساتين حديثة ويسرحون شعورهن مثل الأميركيات لكنهن مع ذلك لا يتمتعن بأية حرية، فهن تحت رحمة أزواجهن، كما أصدر الشاة قانوناً يسمح للنساء بالتصويت, كان سينفذ بعد سنوات, لكنه قانون شكلي لأن النساء بالفعل لا يتمتعن بأية حقوق.. وتؤكد الكاتبة على ذلك كثيراً وعلى أنه رغم وجود اتجاهين، اتجاه المتدينين الملتزمين واتجاه الأقل تديناً، كما أسمتهم، الذين يتشبهون بالغرب إلا أن الواقع كان يشي بالانغلاق، فإيران في عهد الشاه كانت دولة محكومة بقبضة من حديد حيث أن الأميركان ساعدوا الشاه على إنشاء جهاز, عرف بـ”السافاك”, كان يقمع أية حركة احتجاج على الشاه في مهدها، وكان يقتل المعارضين أو يحتجزهم ويعذبهم بوحشية، ولذلك كان أي اعتراض يلقى معاملة غليظة حتى أنه منع الكتب أو كتابة شيء يشي بالتمرد، وامتنع الناس عن انتقاد الشاه خوفاً ورعباً

ورصدت الكاتبة صراع الشاه مع التيار الديني المعارض, المتمثل في مؤيدي آية الله “الخميني”، وكيف استطاع أن يصل للحكم بعد صراع طويل مع الشاه وتخلي أميركا عن الشاه بعد أن استفحلت جرائمه في مجال حقوق الإنسان، وقضية الرهائن الأميركيين وتداعياتها، كما رصدت التغيرات التي حدثت بعد الثورة الإسلامية على إيران وإحكام إغلاق المجتمع وترهيب الناس أكثر.. لكن يعاب على الكاتبة أنها رصدت ذلك بطريقة استعراضية، كان من الواضح أنها تستهدف بها القارئ الأميركي.

الكاتبة ناهيد رشلان

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة