18 نوفمبر، 2024 11:33 م
Search
Close this search box.

رواية “بلد الثلوج”.. حين تفقد المرأة براءتها وجاذبيتها في عيون رجل أناني

رواية “بلد الثلوج”.. حين تفقد المرأة براءتها وجاذبيتها في عيون رجل أناني

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “بلد الثلوج” للكاتب الياباني “ياسوناري كواباتا” والتي صدرت في 1947، تحكي عن قصة حب ما بين رجل غني ناضج وبين فتاة صغيرة، وتحكي عن المشاعر الإنسانية برهافة شديدة معروفة عن ذلك الكاتب الياباني الشهير.

الشخصيات..

شيمامورا: البطل، رجل ناضج، غني، سائح يزور المنطقة النائية التي تعيش فيها فتاة صغيرة ويقع في غرامها، لكنه مع ذلك مفرط في الخيال، قابع داخل ذاته، مختبئ في الداخل، يأخذ موقع المتفرج وفقط وموقع رد الفعل دوما، مشاهد يرصد تفاصيل الطبيعة ويرصد تفاصيل الفتاة الصغيرة، ويستمع.. دوما ما يستمع وقليلا ما يتكلم.

أشعر كقارئة أنه هو نفسه “ياسوناري كاوباتا”، هو نفسه بشخصيته وسلبيته وميله إلي التمسك بموقع المتفرج المحايد. لكننا لا نعرف علي وجه الدقة مدي التشابه ما بين البطل وبين الكاتب ولن نعرف أبدا، سيكون مجرد تخمين متلصص.

كوماكو: فتاة صغيرة، فقيرة، أجبرت علي جلب المال مثل حال كثير من الفتيات الفقيرات في اليابان، عملت أول الأمر كمساعدة لأستاذة الموسيقي ولم تفكر في أن تكون فتاة من فتيات الغيشا، تلك الفتيات اللاتي يجبرن علي ممارسة الجنس مع الغرباء وتسليتهن والغناء لهن أو العزف، ومصاحبتهن لجلب المال لهن ولذويهن. عرفها شيمامورا حين ذهب إلي بلدها التي تتميز بطبيعة ساحرة وتعلقا ببعضهما البعض وكانت وقتها تحبه حبا رومانسيا، ثم عاد إليها عدة مرات.

يوكو: فتاة أخري صغيرة ذهبت إلي نفس البلدة، تعمل ممرضة، ولا ترضي أبدا أن تكون فتاة غيشا، وإنما تصر علي القيام بأعمال مجهدة تعيش من خلالها بدلا من أن تعمل كفتاة غيشا، وتنتهي حياتها بالموت. وحين يراها شيمامورا يسحر بجمالها وهدوءها.

الراوي..

الراوي هو شيمامورا، الذي يحكي عن نفسه عن مشاعره الداخلية عن أحاسيسه، عن رؤيته لتفاصيل الطبيعة الدقيقة والتي تكتسب أشكالا وفق حالته المزاجية والنفسية، ووفق علاقته بالفتاة التي ينجذب إليها. ونعرف عن الفتاتين الأخرتين كوماكو ويوكو من خلال شيمامورا ومن خلال جمل الحوار التي تتبادلها كوماكو معه والتي تمتلئ بها الرواية وبعض الجمل التي قالتها يوكو.

السرد..

تقع الرواية في حوالي 203 صفحة من القطع المتوسط، تحكي بالأساس عن علاقة حب بين شيمامورا وكوماكو، وعلي خلفية تلك القصة نتعرف علي يوكو، ويكثر الكاتب من الاستغراق في وصف تفاصيل الطبيعة والأماكن داخل تلك البلدة التي سميت بلدة الثلوج، لكنها قصة حب حزينة، لا يهتم فيها شيمامورا بفعل أي شيء سوي المشاركة بشكل سلبي. ونشعر كقراء بعذاب كوماكو التي تعاني من تعلق شديد بشيمامورا والذي يأتي لها مرة في العام، ولا يبقي سوي أيام معدودة، هي من تتعذب في تلك العلاقة التي لا تأخذ منها أي شيء سوي بعض الاطمئنان التي تشعر به بالقرب من شيمامورا وتحاول سرقة الوقت لتقضيه معه. وتنتهي الرواية  نهاية حزينة بحدوث حريق كبير وبسقوط يوكو فيه وبشعور كوماكو بفتور شيمامورا نحوها.

علاقة حب حزينة..

الأساس الذي ترتكن عليه الرواية علاقة حب حزينة بين رجل في متوسط العمر، غني، مثقف، خيالي، منغلق علي نفسه ومكتفي بها، يعيش داخل ذهنه أكثر من تفاعله مع الآخرين. ذلك الرجل هو شيمامورا الذي يتعلق بفتاة صغيرة، يجلبوها له حين يحجز في أحد النزل في بلدة في منطقة نائية، يذهب إليها السياح للتزلج علي الجليد وللتنزه.

ترفض تلك الفتاة إقامة علاقة حميمية معه وتوضح لها أنها ليست فتاة من الغيشا وإنما هي فقط جليسة لتسلية السياح، تعزف الموسيقي وتقوم بعمل حديث شيق مع هؤلاء السياح، وحين يخبرها شيمامورا بشكل محايد أنه لديه طاقة مختزنة في جسده ويريد إفراغها تعطيه اسم احدي فتيات الغيشا، لكنه يكتشف أنه انجذب من الوهلة الأولي لكوماكو ويظل يقابلها طوال أيام إجازته وتنشأ بينهما علاقة انجذاب.

يعود شيمامورا لأنه وعدها أن يعود لكن بعد عام، ويجدها تشتاق إليه وتحتفظ بانجذابها نحوه وتعلقها به، هو أيضا يجد في نفسه تعلق وانجذاب وإلا ما كان قد عاد ليبحث عنها، لكنه رغم ذلك ينجذب أيضا ليوكو حين يري ظلال وجهها منعكسة علي نافذة القطار أمامه. ويظل يتلهف لمعرفة أخبار يوكو ومقابلتها.

ثم يكتشف أن كوماكو قد أصبحت من فتيات الغيشا لأنها تريد جلب المال لمريض هو ابن أستاذة الموسيقي التي تولت رعايتها، ثم بعد موته تستمر في العمل كغيشا لترعي أستاذة الموسيقي.

تنطفئ مشاعر شيمامورا نحو كوماكو بالتدريج، بينما هي من تتعذب من ذلك الانجذاب والتعلق وتظل تشتاق إليه في غيابه وتتلهف علي لمسه في حضوره، حتى أنها تحاول سرقة الدقائق فقط لتراه وتلمسه،  حتى أنها في أول مرة حين انتوي الرحيل ذهبت معه إلي محطة القطار ورفضت تركه إلي أن يرحل، رغم إخبارها أن ابن أستاذة الموسيقي يحتضر، مما يعكس مدي تعلقها وانجذابها نحو شيمامورا الذي لا تريد أن تفارقه. وهو يكتفي بكونه رد فعل وفقط ولا يظهر لها أي اهتمام أو محبة فقط يكتفي بمدحها ومدح قوتها.

المحزن في الأمر أن شيمامورا قد يكون فقد انجذابه نحو كوماكو لأنها تحولت من تلك الفتاة البريئة الصغيرة التي تخرج من مرحلة الطفولة والتي تمتلك قلبا بكرا وبريئا وتحولت إلي فتاة غيشا أصبحت أكثر خبرة ونضجا في التعامل مع الرجال وفي إمتاعهم وإغوائهم، وأنه انجذب إلي يوكو في أحد مرات ذهابه إلي كوماكو، لأنها هي من مثلت في خياله نموذج للفتاة البريئة الصافية الطفلة الساذجة البكر. مما يعكس أنانية شيمامورا الذي وقف يتفرج علي تحولات كوماكو القاسية دون أن يحاول مساعدتها، أو حتى رعايتها.

فتيات الغيشا..

كشفت لنا الرواية عن عالم فتيات الغيشا في حدود ما تقوم به كوماكو، حيث نتعرف علي عالم الفتيات الفقيرات اللاتي تضطرهن الحياة الصعبة في المجتمع الياباني والقيم والعادات الظالمة إلي بيع أجسادهن، حتى وهن طفلات لم يكتمل نموهن، فتبيع الفتاة جسدها لأجل أن تسد دين الإنفاق عليها ورعايتها والطعام والشراب والإقامة في منزل آمن. حتى أن أي أسرة تستطيع أن تقوم برعاية عمل فتاة غيشا واستضافتها لوقت معلوم لتأخذ أموالا مقابل ذلك، ناتج من بيع الفتاة لجسدها ومن مصاحبة الرجال الأغنياء والسائحين وملاطفتهم، والترويح عنهم ومشاركتهم الشراب والملذات.

لا يظهر شيمامورا أي تعاطف، يبدو محايدا بشكل غريب، حتى حين يري كوماكو وهي تضطر أن تتحول لفتاة غيشا رغم رفضها المستميت لذلك، فقط بسبب حاجتها للمال، يكتفي فقط بالتفرج عليها ومشاهدتها وانتظارها ما بين جلسات العمل مع الزبائن، والاكتفاء بالاستمتاع بها كأي رجل آخر غريب. بل هو من داخله مقتنع أن ما يفعله الرجال أمر مقبول أن يفرغن طاقة أجسامهن في أجسام طفلات صغيرات مجبورات علي العمل لأجل لقمة العيش.

الوصف الشاعري..

تتميز الرواية بالوصف الشاعري لعلاقة الحب ولأحاسيس المرأة التي تتعذب بالحب لرجل يبدو غير مهتم، ونجد أن البطل رجل متزوج لكنه لا يجد غضاضة في أن يحب وينجذب لفتاة وأخري، لكن يشهد ل”ياسوناري كاوباتا” قدرته علي سبر أغوار النفس الإنسانية ورصد ما يدور فيها من مشاعر وأحاسيس وتردد وصراع وتذبذب.

الرواية..

قدمت الرواية كفيلم سينمائي في اليابان عام 1957 وحققت نجاحا كبيرا، وما أثار دهشة النقاد هو الإقبال الكبير من الشابات في مقتبل العمر لمشاهدة الفيلم. وعلى الرغم من أن هذا العمل يعتبر رواية قصيرة إلا أن أهميته تمثلت في تعدد مستويات المعاني والرموز، مع الاختزال في السرد والتعبير والوصف.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة