15 نوفمبر، 2024 2:27 م
Search
Close this search box.

رواية بغداد نيويورك..  الروح تهفو للعشق دون حساب للعمر

رواية بغداد نيويورك..  الروح تهفو للعشق دون حساب للعمر

  • خاص: قراءة – سماح عادل

رواية (بغداد- نيويورك) للكاتبة العراقية “نهاد عبد” تحكي عن قصة حب في الواقع الافتراضي تقوم على الخيال، كما تتناول حاجة المرأة إلى الحب حتى وإن فارقها الشباب وأصبحت في منتصف العمر، فحاجة المرأة للحب في مجتمعاتنا الشرقية لا يتم تقديرها، ويعتبرون المرأة التي فارقها الشباب زائدة عن الحاجة وليس لها قلب.

الشخصيات..

ناي: البطلة، فتاة في العشرينات من عمرها، هاجرت إلى أمريكا بصحبة عائلتها، ثم تزوجت من مهندس عراقي وأنجبت منه طفلة، وهي أثناء ذلك تدخل في علاقة عشق افتراضية عبر (فيس بوك)، لنكتشف في النهاية أن شخصية “ناي” شخصية وهمية وأن البطلة الحقيقية هي أخرى.

كريم: البطل، رجل إعلامي شهير، يعيش في العراق، وفي الأربعينات من عمره، متزوج ولديه أولاد، يدخل مع “ناي” في علاقة عشق تمتد لثلاث سنوات، لا يراها أبدا إلا من خلال بعض الصور غير الواضحة، لكنه يتواصل معها روحيا، ويتمنى أن يراها لكنه ترفض دوما.

عز الدين: زوج “ناي” الذي تزوجته، رجل غير مهتم، يعمل كثيرا ولا يشترك مع زوجته في اهتماماتها ولا يهتم بها.

مريم: البطلة الحقيقية التي ستكشف عنها الرواية في النهاية، امرأة في نهاية الأربعينات، هي من تتواصل مع “كريم” على (فيس بوك) وتبادله العشق لمدة ثلاثة سنوات، موهمة إياه أنها فتاة صغيرة في العشرينات وجميلة، هي أرملة عاشت معاناة كثيرة في بلدها العراق، وعانت التهجير القسري وتعيش أيضا في أمريكا، وكانت متزوجة من عسكري قضى سنوات طويلة في الحروب، وكانت تعاني من الحرمان العاطفي والجنسي أثناء زواجها، حتى حينما عاد من الحروب لم يكن قريبا منها ولم يشبعها جسديا أو روحيا، ثم انتهى الأمر برحيله وأصبحت وحيدة.

الراوي..

الراوي هو شخصية “ناي” الوهمية والتي ظلت تحكي عن نفسها وأمها وعن سفرها إلى أمريكا ومشاكلها الحياتية، ثم علاقتها ب”كريم” وزواجها من “عز الدين”، حتى قاربت الرواية على النهاية، لتحكي “مريم” بعد ذلك في رسالة طويلة على (فيس بوك) ل”كريم” ونكتشف المفاجأة.

السرد..

الرواية اعتمدت على التشويق لكنه ظهر في نهاية الرواية، السرد محكم واللغة سلسة، وفي أحيان كثيرة تتحول إلى لغة شاعرية مفعمة بالرومانسية، استطاعت الكاتبة عمل مفاجأة في آخر الرواية قلبت الأحداث، وجعلت القارئ يعيد التفكير في كل ما قرأه، الرواية تقع في حوالي 170 صفحة من القطع المتوسط، وتنقسم إلى أربعة أجزاء يبدأ كل جزء بمقتبس صغير من كاتب شهير.

العشق ملاذ من الوحدة..

تتناول الرواية علاقة عشق روحانية، يتلاقي فيها الحبيبان افتراضيا دون أن يتلاقا واقعيا، لا وجود حسي بينهما مجرد كلمات على شاشة، لكن تلك الكلمات تجمع بينهما والعلاقة تمتد لثلاثة سنوات، يعيشان فيها معها تفاصيل حياتهما اليومية، أو بالأحرى يعيش “كريم” حياته اليومية بالمشاركة مع “ناي”، يخبرها بكل شيء عن يومه وعن أسفاره الكثيرة، وعمله وعن زوجته، تحاول هي أكثر من مرة الابتعاد عنه لكنها تفشل، ودوما ما ترجع إليه، حتى بعد فترة انقطاع طويلة تعود العلاقة كما كانت، مما يدل على أن التوافق الروحي بينهما هو ما يحافظ على استمرار العلاقة.

لا نعرف كقراء سوى تلك المعلومات التي حكتها “ناي” ل”كريم”، أنها فتاة في العشرينات سافرت حديثا لأمريكا، وتحاول التأقلم على العيش هناك، تتعلم اللغة الانكليزية وتبحث عن عمل يتوافق مع شهادتها الجامعية، لكنها لا تعمل، ثم تضغط عليها أمها لتتزوج من مهندس عراقي ناجح لديه بيت وسيارة، وتوافق بعد أن تستنجد ب”كريم” وتقول له بشكل صريح أنها تريده أن يأتي إليها، لكنه يواجهها بصراحة باردة أنه لن يستطع الزواج منها، وأنه غير مناسب لها لأنه أكبر منها في العمر، كما أن لديه أسرة لن يتخلى عنها رغم أن علاقته بزوجته يشوبها الجفاء.

ثم تتزوج بعد ذلك التخلي من جانبه، ولا تعيش حياة سعيدة لأن “عز الدين” لا يهتم بها ولا يشاركها حياتها، وتستأنف علاقتها ب”كريم”، تلك العلاقة الافتراضية التي تملأ حياتها وتمنحها الفرح والبهجة والأمان.

وبعد إلحاح شديد من “كريم”، بعد مرور ثلاثة سنوات على تلك العلاقة الملتهبة، على رؤيتها ومراوغات من “ناي” حتى لا تقابله، بحجة أنها تخاف من الخيانة الزوجية، يسافر “كريم” إلى أمريكا في عمل، ويلح عليها لكي يراها لكنها ترفض باستماتة، وحين تنتهي أيام وجوده في أمريكا يرسل إليها رسالة وداع، لأنها رفضت مقابلته وهو راضي بذلك، ومؤكدا فيها أنه أحبها بجنون، لتأتي المفاجأة ليست ل”كريم” فقط وإنما للقراء أيضا.

فحين تتيقن “ناي” من وداع “كريم” لها تقرر أن تصارحه بحقيقتها وتكشفها له، خاصة بعد أن بدأ يتشكك في هويتها، وتعترف “مريم” بحقيقتها، كونها أرملة في نهاية الأربعينيات، لم تعش حياة زوجية سعيدة أثناء حياة زوجها، حتى أنها تخبره بجارة لها كان زوجها يلتهمها أثناء ممارسة الجنس معها، وقد تصادف أن رأتهما “مريم” وهي تنشر الغسيل وهو يضاجعها مضاجعة أشبه بالاغتصاب في حديقة منزلهما، مما جعلها تكتشف أنها ليست متزوجة، وأن العلاقة التي تعيشها مع زوجها علاقة مميتة تميت روحها وقلبها، مؤكدة له في رسالتها الطويلة التي أرسلتها له على (فيس بوك) أن الزواج حين لا يكون الزوجان متقاربان روحيا يعد عبئا.

وتعترف له أنها تقربت منه لأنها كانت تعاني من الوحدة، وأن علاقته بها ومعايشته لها طوال تلك السنوات الثلاث كانت ملاذها من الوحدة، والأمل الذي تعيش به، ومذكرة إياه أنه أيضا كان يستمتع بوجودها، لكن كفتاة عشرينية تشعل برودة زواجه، وتجعله يستمر في العيش مع زوجته، تشعل خياله وتلهبه، مذكرة إياه ببعض الوقائع التي كان يتخيل فيها “ناي” وهو يتقرب من زوجته، لكنها لا تفسر أبدا لما اختارت أن تتعرف عليه في شخصية فتاة عشرينية جميلة، لكن كقارئة استنتج أنها عرفت أن إعلامي شهير مثله لن يلفت انتباهه امرأة أربعينية ليست على حظ كبير من الجمال، في حين أن فتاة عشرينية جميلة سوف تسرق عقله وخياله.

لا تعتبر “مريم” نفسها مدانة أنها انتحلت شخصية وهمية، لكنها تبرر ذلك بأنها كانت تبحث عن عشق يدفيء روحها، وأنه أيضا استمتع بوجودها، والدليل أنه استمر معها ثلاث سنوات، رغم أنه لم ير منها سوى بعض الصور القليلة التي كانت لفتاة وهمية.

الرواية شديدة التميز، استطاعت الكاتبة فيها أن ترصد مشاعر الفتاة العشرينية التي تقع في عشق رجل أكبر منها، والتي تستعيض عنه بوالدها المتوفي الذي كان مقربا لها، وكيف أنها تشعر بالأمان في حضوره الافتراضي، كما رصدت الصراع النفسي الذي عانته “ناي” في علاقة لا أمل فيها ولن تنته بالزواج، وحتى حين تزوجت رصدت مشاعر الزوجة التي لا تجد ذاتها في زواج يملئه الجفاء، في حين أنها تطير فرحا حين تتواصل افتراضيا مع رجل يفهم روحها ويهتم بها ويتقرب إليها بلهفة وشغف، حتى يظهر ذلك على أفعالها وعلى وجهها.

كما رصدت ببراعة إحساس المرأة الأربعينية التي تلجأ لفرصة أخيرة للحب قبل أن تذبل تماما، حتى وإن لجأت للحيلة لكي ترتشف ذلك العشق، مؤكدة على حقها في أن تشعر بكيانها كامرأة عانت من كوارث ومصائب حياتية كثيرة، وكاسرة بذلك ذلك العرف الاجتماعي الأبله الذي يحبس المرأة التي تتجاوز عمر الشباب في قالب من لا تريد شيئا من الحياة، والتي ليس لها الحق في أن تعشق وأن يخفق لقلبها.

الكاتبة..

نهاد عبد القادر، كاتبة عراقية مغتربة، مواليد محافظة الأنبار قضاء حديثة، تخرجت من كلية القانون جامعة بغداد، عملت بالتعليم فترة من الزمن، غادرت العراق بعد الغزو الأمريكي بفترة قصيرة، صدرت روايتها (بغداد نيويورك) عن دار سطور 2017.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة