خاص: قراءة – سماح عادل
رواية “بحة الناي” للكاتبة العمانية “فاطمة الشيدي”، الصادرة عن مؤسسة الانتشار العربي 2019، تحكي عن محنة الإنسان العربي، حيث يعيش في ظروف غاية في السوء، ويحرم ليس فقط من حرياته ومن التعبير عن رأيه وإنما يحرم من أبسط حقوقه كإنسان.
الشخصيات..
الشخصية الرئيسية هي البطل “عمر”، وباقي الشخصيات شخصيات ثانوية يقابلهم في الحياة ويتفاعل معهم، واجتهدت الكاتبة في رسم الشخصيات الثانوية أيضا بعمق.
الراوي..
الراوي هو “عمر” الذي يحكي بضمير المتكلم، ويحكي عن باقي الشخصيات، ويحكي عن نفسه وعن مشاعره وانفعالاته وصراعاته النفسية، كما سمحت الكاتبة لراو آخر هو والد “عمر” الذي حكي من خلال أوراقه التي تركها لوالدته بعد هروبه، وحكي فيها عن أخويه وعن نفسه، وعن عائلته، وراو ثالث هو “ماريا” التي حكت ل”عمر” عن حكايتها. وفي الأخير راو رابع حيث انتهت الرواية على لسانه وهو “عمران” ابن “عمر” الذي أعلن النهاية.
السرد..
الرواية تقع في حوالي 174 صفحة من القطع المتوسط، ومحكمة البناء، يتوزع الحكي بين الحاضر حيث رحلة “عمر” إلى باريس ثم يعود للماضي حيث يحكي “عمر” عن حياته منذ الطفولة وبشكل تصاعدي. ويظل الحكي يتنقل بين الحاضر والماضي بالتناوب، إلى أن يحدث كشف مفاجئ في مسار الأحداث وتنتهي الرواية نهاية صادمة وحزينة.
محنة العربي..
ترصد الرواية محنة الإنسان في المنطقة العربية، وما يعانيه من افتقاد للحرية وكيف أن الوقت الحاضر يمتلئ بالأوضاع المأساوية للإنسان في تلك المنطقة، ما بين تضييق ومنع للحريات وفقدان القدرة على التعبير، بالإضافة إلى فقر وجهل وأوضاع اقتصادية واجتماعية بائسة، حيث تفصل الرواية في شرح تلك الأوضاع البائسة وكيف أنها تقلق ذات من يمتلكون الوعي والفهم مثل “عمر”. وقد أشارت الرواية إلى ما يسمى ب”ثورات الربيع العربي” وكيف كانت بمثابة أبواب للأمل شعر بها الناس، وخاصة المثقفون والثوريون والساعون إلى تحسين أحوال مجتمعاتهم، شعروا أنها بداية لما يحلمون به. لكن تمت سرقتها وتحويل مسارها من قبل جماعات التشدد الديني والسلطات. ولم تسرق تلك الثورات فقط بل وأصبحت نقم على الشعوب العربية لأنها فرخت عنفا وعدم استقرار .
تاريخ السلطنة..
كما أشارت الرواية إلى التاريخ العريق لسلطنة عمان، وكيف أنه يمتد إلى ما قبل الميلاد بآلاف السنين وكيف أنها كانت صاحبة حضارة عريقة بما تمتعت به من خيرات طبيعية. ثم وقفت الرواية عند احتلال الانجليز للسلطنة ورصدت ما فعلوه بالشعب من ظلم وإجحاف، حتى أنهم قتلوا منهم الكثير في حرب غير متكافئة، استعان فيها الانجليز بأسلحتهم المتخلفة من الحرب العالمية الثانية، في حين أن الشعب العماني لم يكن يعرف التطور على المستوى العسكري. وقد عاملت بريطانيا الشعب أسوأ معاملة وقتلت الكثيرين من أطفال ونساء وكبار، وهم عزل من السلاح. كما احتجزت كثريين منهم في سجن تم تشبيهه فيما بعد بسجن الباستيل الموجود في فرنسا.
ورغم كل تلك الانتهاكات الإنسانية التي اقترفتها بريطانيا في حق الشعب العماني إلا أنه ثار على ذلك الاحتلال، وكانت هناك حركة ثورية شعبية قوية، قاومت الاحتلال الانجليزي وناضلت ضده لكن تم التحايل عليها أيضا وإضعاف أفرادها حتى تم القضاء عليها تماما.
أزمة الوعي..
كما تناولت الرواية أزمة الوعي التي يعاني منها بعض المثقفين، حين تتفتح أعينهم وعقولهم على تلك الأوضاع المزرية، وحين يكتشفون مأساوية الأوضاع ينهارون أو يصابون بالإحباط واليأس، ويكرهون تلك الأوضاع ويهربون منها، مثلما فعل “عمر”، أو يستميتون على تغييرها وحين يفشلون ينهون حياتهم مثلما فعل “أحمد” زوج “ماريا”.
وقد تناولت الرواية الأوضاع في مصر وسوريا وسلطنة عمان بشكل أكثر تفصيلا، ينم عن وعي شديد واهتمام بأوضاع تلك البلدان، كما ينم عن حس قومي عروبي.
وكان الطرح واعيا في الرواية حيث أرجع كارثية الأوضاع في المنطقة العربية للاستعمار الذي تعمد نهب ثروات المنطقة الكثيرة، وتعمد تأخير البلدان في المنطقة، والتي أصبح يطلق عليها بلدان العالم الثالث ليكونوا رهن الجهل والتخلف والفقر، في حين استطاع الغرب النهوض من كبوته والتطور، لأنه ينهب ثروات البلاد ويغرقهم في أوضاع كارثية.
ورأت الرواية أن الحل في تلك البلدان العربية ليس الثورات المفاجئة وإنما في نشر الوعي وتحسين التعليم وتحسين الأحوال الاقتصادية للناس، لكي يستطيعوا أن يحسنوا حياتهم فيما بعد، ويعون ما هي الأوضاع الإنسانية الملائمة التي المفروض أن تكون عليها بلادهم.
الغرب ليس جنة..
كما أشارت الرواية إلى الأوضاع البائسة للإنسان وللمرأة في المجتمعات العربية، ولم تعتبر الغرب جنة كما يعتقد البعض، وإنما أشارت إلى مشاكل لا إنسانية كثيرة تعاني منها أمريكا وباقي بلدان الغرب، فهي لا تخلو من عنصرية وتمييز وعنف واضطهاد للأقليات، كما أشارات لمشكلة العرب الذين يهاجرون إلى تلك البلدان الغربية ويعانون من تلك النظرة النمطية لهم التي تصنفهم على أنهم همجيين وإرهابيين .
اعتمدت الرواية على لغة عذبة أقرب إلى اللغة الشعرية، وعلى رسم عميق للشخصيات، وسبر أغوارهم ورصد صراعاتهم النفسية خاصة بالنسبة ل”عمر وماريا”. كما رصدت كيف حاول “عمر” الهروب من واقعه السيء نحو الموسيقا، تلك التي يحبها ويعشقها وتحقق له الاحساس بالجمال، كذلك فعلت “ماريا” فمازال هناك منافذ للخروج، والهروب من واقع لا يحتمل نحو الشعور بالذات وبالجمال وبالسلام.