20 سبتمبر، 2024 12:54 ص
Search
Close this search box.

رواية اليوم ما قبل السعادة.. الثورة كالموسيقى تحصدها قوة غاشمة

رواية اليوم ما قبل السعادة.. الثورة كالموسيقى تحصدها قوة غاشمة

خاص: قراءة سماح عادل

رواية (اليوم ما قبل السعادة) للكاتب الايطالي “إنريكو دي لوكا” ترجمة “معاوية عبد المجيد”، تحكي عن ثورة شعب مدينة “نابولي” الإيطالية وقت الحرب العالمية الثانية، حين كان الألمان يحاولون غزو المدينة، كما تحكي عن فقراء المدينة من خلال عيني يتيم.

الشخصيات..

البطل: طفل يتيم ينشأ دون أب أو أم، يعيش في غرفة صغيرة في بناية في إحدى الحارات الفقيرة في “نابولي”، يعتني به حارس البناية ويربيه، يحكي له عن الحرب العالمية الثانية ويعلمه أمور أخرى، يحب فتاة لكنها ستقوده بجنونها إلى ترك المدينة بعد أن يكمل 18 عاما ويصبح على أعتاب الشباب.

آنا: فتاة صغيرة كانت تسكن في البناية المقابلة للبطل وتنظر إليه عبر النافذة، وظلت عالقة بذهنه إلى أن يتقابلا وهما في مرحلة المراهقة ويتواصلا بشكل حميمي، ليكتشف أنها اقتربت منه فقط ليصل الأمر إلى مشاجرة بينه وبين خطيبها، لترى الدماء والعنف، فهي تعاني من التوحد وأودعها أبويها في مصحة للأمراض النفسية، ثم خرجت بعد أن أصبحت مراهقة لتبحث عن بيتها وعن الطفل الذي كانت تراقبه وهي صغيرة.

دون غايتانو: حارس البناية الذي يتولى رعاية البطل، ويعلمه كثير من الأشياء ويحوطه برعايته، وعندما يقع ضحية ويصبح مجرما يساعده على الهروب من “نابولي”.

دون رايموندو: بائع كتب، يزود البطل بكتب مجانية للاستعارة، ويدعمه.

الراوي..

الراوي هو البطل، يحكي بضمير المتكلم عن نفسه وانفعالاته ومشاعره، كما يحكي عن باقي الشخصيات من خلال وجهة نظره هو، لكنه يترك الحرية ل”دون غايتانو” ليتحدث من خلال الحوار.

السرد..

السرد محكم البناء، يعتمد على لغة شعرية منتقاه بعناية، يهتم الحكي بدواخل البطل وحكي “دون غايتانو”، ورصد البيئة حول البطل، وتأتي النهاية متوقعة لأن الكاتب يمهد لها.

الثورة كالموسيقى..

أهم ما في الرواية أنها ترصد على لسان “دون غايتانو” يوميات الحرب العالمية الثانية، رغم أن الرواية تدور في الستينات من القرن الفائت إلا أن “دون غايتانو” يحرص على حكي أحداث الحرب للبطل، فيروي له كيف ثار شعب مدينة “نابول”ي على الألمان حين دخلوا المدينة، وأنهم من خلال بعض الثوار القليلون استطاعوا منع تقدم الألمان داخل المدينة، بعد أن ملوا أجواء الحرب المتوحشة والاختباء في المخابئ ومشاهدة المدينة وهي تدمر، واستطاعوا أن يحدثوا خسائر في صفوف الألمان الذين كانوا مجهزين بشكل جيد لغزو المدينة، لكنهم بوسائل بسيطة ومبتكرة كانوا يحطمون الدبابات ويستولون على مخازن الأسلحة الألمانية، ويقتلون الألمان في الشوارع، وهذه الثورة هي ما منعت الألمان من غزو المدينة بالكامل وتراجعوا، لكنهم وكعادتهم زرعوا الأرض التي تراجعوا عنها بالقنابل، واستمر الثوار في نضالهم حيث بدءوا في تفكيك القنابل التي خلفها الألمان حتى يقللوا من حجم الخسائر على المدينة، وهذا الحكي عن الثوار جعل البطل الذي يدخل أعتاب الشباب بعد طفولة بائسة يشعر بالفخر للانتماء إلى مدينته وشعبها، رغم معاناته من اليتم والفقر الشديد وعدم وجود أبوين يرعيانه تقول الرواية: “الثورة تشبه الموسيقى إلى حدٍ ما، كل واحدٍ يعزف على آلةٍ معينة والنتيجة ليس مجموع العازفين بل الموسيقى بحد ذاتها. الثورة عندما يغضب البحر فتهوج الأمواج، الثورة عندما يجعلك الجوع ترى الخبز مرميًا على الأرض فتتركه لغيرك، الثورة الأم التي تساعد ابنها في درب الخلاص، والحرقة التي تجعل العينين تذرف دمًا لا دمعًا. لا أعرف كيف أشرحها إذا وجدت نفسك في خضم ثورة فانخرط فيها لتعرفها. قد تشبه هذه التي أقصها عليك بما إن الثورات الشعبية ضد سياط الطغاة وهمجية الاستبداد أسبابها واحدة”.

حارات نابولي..

كما ترصد الرواية الحياة في إحدى حارات “نابولي” الفقيرة وكيف يعيشون الناس فيها، وتفاصيل من حياتهم اليومية، مثل بائع الأحذية الذي كسب جائزة اليانصيب وأصبح يرتدي ملابس جديدة ويمارس حياته كمحدث نعمة، وكيف أن الناس من حوله كانوا يستهجنون سلوكياته الجديدة، وترصد كيف تتشاجر النسوة لأسباب تافهة نتيجة لاكتظاظ الحارة بالسكان والملل من الحياة البائسة، كما تحكي عن الجارة الأرملة التي تستدرج حارس البناية لمضاجعتها بشكل يومي، وحين تشعر أنه لا يشبع رغبتها الجنسية تستبدله بالبطل الشاب الذي يساعده في أعماله.

كما ترصد العنف الذي تتسم به حارات إيطاليا، وكيف أن خطيب “آنا” يقرر التشاجر مع البطل وقتله بعد أن يعرف بعلاقته بها، كما ترصد ظاهرة امتلاك كل شاب في الحارة لخنجر ليدافع به عن نفسه مما يشي بمدى انتشار العنف في تلك الحارت وتسيد المافيا فيها.

كما تتناول الرواية قصة حب البطل ل”آنا” لكنها قصة حب غير مكتملة، حيث أن “آنا” فتاة مضطربة نفسيا تتقرب من البطل فقط سعيا وراء العنف ووراء رؤية مشاجرة شابين عليها، والبطل رغم ذلك يندفع في هذا الاتجاه رغم علمه به مدفوعا بحبه لها.

كما تتناول حارس البناية الذي يستطيع أن يقرأ أفكار الآخرين والذي يسعى ليكون مصلحا بين السيدات حين يتشاجرن، والذي يرعى فتى يتيم لأنه هو نفسه تربي يتيما، حيث أنه بعد الحرب أصبح هناك عدد كبير من الأطفال اليتامى.

كما ترصد الرواية استحواذ أمريكا على النصر الذي حققته ثورة الشعب في “نابولي”، فهم الذين منعوا تقدم الألمان لكن من حصد النتائج كانوا الأمريكان الذين كانوا على حدود المدينة في البحر، وكيف أنهم بدخولهم المدينة قد حولوا السكان فيها، فاندفعت النساء نحو الجنود الأمريكيين مما خلف جرائم كثيرة بدافع الغيرة، وسعى بعض الرجال إلى الاستفادة من وجود الأمريكان ماديا..

الرواية مميزة تحتوي على لغة شعرية وعلى نظرة طفل للعالم من حوله واكتشافه للحياة وقوانينها القاسية، ثم اضطراره في النهاية أن يترك مدينته التي لا يعرف غيرها بسبب تورطه في جريمة قتل خطيب أنا.

 

الكاتب..

“إنريكو دي لوكا”  شاعر وروائي إيطالي معاصر، عُرف برواياته القصيرة المكثفة وقدرته العالية على استعراض تاريخ إيطاليا من خلال رواياته بأقل قدرٍ ممكن من الكلمات، كما عرف بلغته الشاعرية، ترجمت له للعربية عدد من الروايات أشهرها «اليوم ما قبل السعادة»، و«جبل الرب»، و«ثلاثة جياد». عُرف لوكا بانتمائه للأحزاب اليسارية منذ فترة مبكرة من حياته واشتراكه في عدد من المظاهرات الشعبية ومناصراته لقضايا البسطاء والمشردين والفقراء في العالم كله، كما كتب في روايته الأخيرة «الطبيعة المكشوفة» عن مشكلة اللاجئين في البلاد الأوروبية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة