9 أبريل، 2024 3:19 م
Search
Close this search box.

رواية “الوجه الآخر للضباب”.. التراحم الإنساني وسط وحشية الحرب

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “الوجه الآخر للضباب” للكاتب العراقي “كريم صبح”، صدرت في بغداد العام 2020, عن دار سطور للنشر والتوزيع، وهي تحكي عن الكوارث التي تسببها الحرب، كوارث إنسانية تظل في عالقة بالأرواح التي تعذبت بها طويلا. لكن في ظل تلك الحرب هناك تكافل إنساني وتراحم.

الشخصيات..

البطلة: روزالين- إيفا فتاة نصف روسية ونصف سورية، أمها روسية تدعى كريستينا، تزوجت بوالدها ثروت أثناء عمله في روسيا، تربت ايفا في روسيا حتى سن العاشرة ثم بعد وفاة ووالدتها أخذها أبوها لتعيش في سوريا، وعاشت حياة قاسية بسبب قسوة زوجة أبيها وأشقاءها الثلاث، وعاشت محنة الاختلاف بين المجتمعين الأول روسيا التي عاشت فيها وتربت وسوريا والتي تختلف ثقافيا وحضاريا عن روسيا، ثم تتصاعد الأحداث.

وهناك شخصيات أخرى داخل الرواية تتقاطع مع البطلة.

الراوي..

الرواي عليم، بدأ حكي الرواية منذ بدايتها، عن ثروت وكريستينا وحياتهما، بضمير الغائب، ثم عن ايفا البطلة، وحكي عن روسيا واصفا أحداثا هامة بها وأماكن حيوية، وعن تحول روسيا من الاتحاد السوفيتي إلى روسيا، ثم تحول الحكي إلى صوت ايفا، التي كتبت مذكراتها بضمير المتكلم، وتتبعت حياتها بعد ذهابها إلى سوريا وحتى نهاية الرواية وتناولت في الحكي حياتها الشخصية وتأُثير الحرب التي حدثت في سوريا عليها.

السرد..

الرواية تقع في حوالي 196 صفحة من القطع المتوسط، محكمة البناء، تحكي عن الأحداث تصاعديا، تركز على حكاية البطلة ايفا وتمهد لها، لكنها تحكي أيضا عن روسيا وعن سوريا، وترصد الأماكن رصدا دقيقا موضحة التفاصيل الدقيقة للأماكن مثل مدينة بطرسبرج في روسيا وأيضا اللاذقية في سوريا، كما وتحكي عن المشاعر الإنسانية والانفعالات الخاصة بالحرب والتحولات السياسية، وتنتهي نهاية مفتوحة للتدليل عن أن الحكايات لا تنتهي وإنما تستمر باستمرار الحياة الإنسانية، كما ويتمتع السرد بحس التفاؤل والتبشير بالأمل رغم تناوله موضوع شائك وهو موضوع الحرب ووحشيتها.

التراحم الإنساني وسط وحشية الحرب..

ترصد الرواية تحولات روسيا في عهد ميخائيل غوربتشاوف وكيف غازل الغرب وساهم في تفكيك الكيان الكبير والقوي وهو الاتحاد السوفيتي، وانقلب على الاشتراكية التي أعطت للاتحاد السوفيتي قوته ثم تفكك هذا الاتحاد وأصبحت هناك فقط روسيا، وتحولت مدينة شهيرة مثل “ليننجراد” إلى “بطرسبرج” حيث استعادت اسمها القديم أيام حكم القيصر وتنكر النظام للاشتراكية وحدثت تحولات كثيرة في روسيا وذلك أثناء الحكي عن والدا ايفا وعلاقتهما.

ثم انتقل الحكي إلى سوريا برحيل إيفا إليها، حيث ترصد الرواية تفاصيل الحرب على سوريا، وكيف بدأت الشرارة بوجود معارضة للنظام في سوريا، وأن هذه المعارضة هي التي تحالفت مع الغرب ثم بدأ التدخل في سوريا، وظهر التدخل لجماعات التشدد الديني التي قامت بعمل مذابح وحشية في عدة مناطق في سوريا، وأصبحت الحياة في سوريا صعبة حيث شحت المواد الأساسية للحياة من غاز ومازوت وأصبحت الكهرباء تنقطع.

الرواية نقلت الحرب من وجهة نظر ايفا التي تقدس رئيس روسيا وتعتبره نبي، وتمتدح تدخله وعمل قاعدة روسية في سوريا لكي تقمع المتشددين دينيا، وصبت نقدها على المعارضة التي اعتبرتها المسئولة الوحيدة عن الحرب في روسيا ولم تنتقد النظام والذي من المعروف أنه هو من أخرج المتشددين دينيا من السجون لكي يضرب بهم احتجاجات المعارضة، وأنه هو السبب في أن تعيث الجماعات المتشددة دينيا الفساد في سوريا، وأن النظام هو من غذى العنصرية والطائفية لكي يفقد ثورة الشعب السوري معناها ويحولها إلى حرب وصراع بين طائفتين، ولا يعني هذا تبرئة بعض فئات المعارضة تماما، لكن تحميل المعارضة مسئولية حدوث الحرب هو انحياز وبعد عن الحقيقة.

كما مجدت ايفا وهي لسان حال الرواية من روسيا دون أن تشير إلى أن روسيا دولة عظمى تسعى إلى استغلال سوريا ومواردها وأنها ليست البطل المخلص وإنما نظام له مطامع يسعى إلى تحقيقها، كما أغفلت الرواية دور الرأسماليات العظمى في تمويل وتسهيل عمل الجماعات المتشددة دينيا لكي تتخذ من سوريا مسرحا لها.

إن الحرب على سوريا ما هي إلا حلقة من سلسلة لعبة يتم فيها استغلال الرأسماليات الكبرى لدول الشرق الأوسط ونهب ثرواتها، وافتعال صراعات طائفية وعرقية وحروب لكي تبقى المتحكمة في الموارد الكثيرة في منطقة الشرق الأوسط، وما شعوب هؤلاء الدول إلا ضحايا للعبة كبيرة خيوطها متشابكة وكل الرأسماليات الكبرى متورطة فيها بما فيهم روسيا التي تصورها ايفا بالملاك الذي ينقذ سوريا.

رغم أن الرواية لها رؤية في حرب سوريا اختلف معها كقارئة إلا إنها  رصدت تفاصيل الحرب الوحشية على سوريا على لسان أحد المعاشين لها، كيف كانت الجماعات الدينية تغير على القرى وتذبح الناس أطفالا ونساء وعجائز، وكيف خلفت جيلا من الأيتام الفقراء الذين لا حول لهم ولا قوة، وكيف كان العساكر محاصرون في أحد المطارات وانتهى الأمر بذبحهم.

لكنها أيضا لم تصور الأمر بسوداوية ولكنها أعطت الأمل من خلال ايفا التي تطوعت لتكفل ثلاثة فتيات، وتربيهن كأنها أمهن، وترعاهن وترعى مستقبلهن، معطية الأمل في أن التكافل والتراحم الإنساني باق وموجود رغم وحشية الحرب وقسوتها.

الكاتب..

“كريم صبح” مواليد 1969 كركوك – العراق، حاصل على البكالوريوس  من جامعة بغداد 1991، الماجستير من جامعة بغداد، 2000، الدكتوراه من جامعة بغداد، 2006، وهو عضو الاتحاد العام للكتاب والأدباء في العراق.

مؤلفاته في التاريخ:

  1. جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية ومحنة الانشقاق، 1909-1916 ، بغداد،2010.
  2. تفتيت. حزب الفهد الأسود ومكتب التحقيقات الفدرالي1966-1971، بغداد، 2011.
  3. التاريخ السياسي للصراع العرقي في الولايات المتحدة الأمريكية 1865 – 1915. جزآن، بغداد ، 2015.
  4. الولايات المتحدة الأمريكية. دراسات في تاريخها الاجتماعي والسياسي، بغداد، 2017.

الأدب:

– الغزل ليس حكرا على الرجال، مجموعة قصصية، بغداد ، 2016.

– بائع الألم، مجموعة قصصية، بغداد، 2017.

– رأس للإيجار، مجموعة قصصية، بيروت، 2018.

– فياجرا، مجموعة قصصية، القاهرة، 2018.

– همسٌ وجدبكِ المطر، خواطر، القاهرة، 2018.

– الوجه الآخر للضباب، رواية، بغداد ،2020.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب