11 أبريل، 2024 8:19 ص
Search
Close this search box.

رواية “الناجون”.. تجربة جيل السبعينات في المغرب بهزائمها وانتصاراتها

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة – سماح عادل

رواية “الناجون” للكاتبة المغربية “الزهرة رميج” تحكي عن تجربة جيل السبعينات في المغرب والذي انتمى إلى اليسار، وكان متأثرا بحركات الطلاب التي تأججت في فرنسا في أواخر الستينات، وكيف عاني هذا الجيل من سلطة باطشة تلاعبت بمصائر أفراده والتي تنوعت ما بين قتيل ومهاجر ومشرد ومعتقل ومهزوم.

الشخصيات..

البطل: “عبد العاطي”، هو البطل الرئيسي في الرواية، شاب انتمى لجيل السبعينات ثم اضطره قمع السلطة إلى الهرب إلى فرنسا لكنه لم يعد وعاش عمره في فرنسا مركزا على تحقيق ذاته.

سامية: زميلة “عبد العاطي” وحبيبته، تجاوزت محنة عدم عودته وعاشت حياتها بشكل سوي وبقوة تحسد عليها واستمرت في النضال من أجل الوطن.

حسناء: قريبة من  اليسار، أثرت عليها محنتها الشخصية وجعلتها تعيش حياة بائسة.

وباستثناء الشخصيات الرئيسية الثلاث في الرواية، نجد شخصيات فرعية تحكي عنهم الرواية وعن تاريخهم وماضيهم وتطور حياتهم وهي شخصيات كثيرة وثرية .

الراوي..

تبدأ الرواية براو عليم يحكي عن البطل “عبد العاطي” وعن أحاسيسه الداخلية وأفكاره وانفعالاته، وعن شعوره بالحنين تجاه وطنه بعد مرور عمر من الغربة، وهذا في القسم الأول، وفي القسم الثاني يكون الراوي هو “سامية” التي تتكلم بصوتها في الرسائل، تلك الرسائل التي احتفظ بها “عبد العاطي” سنوات طويلة، وتحكي “سامية” فيها غن فترة السبعينات بكل تعقيداتها واشتباكاتها. ثم يعود الراوي العليم في القسم الثالث ليعطي ل”حسناء” الفرصة ويحكي عنها وعن مشاعرها وأفكارها تجاه “عبد العاطي” وتجاه علاقته ب”سامية”، ثم في النهاية يحكي عن عدد كبير من أفراد جيل السبعينات وعن مصائرهم.

السرد..

تقع الرواية في حوالي 512 صفحة من القطع المتوسط، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام كل قسم له عنوان، وهي محكمة البناء، ركزت على رصد حركة السبعينات اليسارية وما وصلت إليه كما ركزت على قصة “عبد العاطي” و”سامية” و”حسناء”. وامتلأ السرد بعرض أفكار سياسية وفلسفية تخص هذا الجيل ورؤيته للعديد من الأمور، كما تضمنت أفكار حول النضال السياسي وطبيعته في فترة السبعينات، وتغيره في الوقت الحالي وقت صدور الرواية، وانتهت الرواية نهاية مفتوحة على مستوى حكاية “حسناء”، ونهاية مرضية تماما للمناضلين حيث عاد “عبد العاطي” وفهم رفاقه أنه لم يكن خائنا أو أنانيا. كما أظهروا رضا عن تاريخهم رغم ما مر بهم من صعاب.

فترة السبعينات وحركات التمرد..

تميزت فترة السبعينات بظهور حركات تمرد في صفوف طلاب الجامعات، وذلك في عدد من بلدان منطقة الشرق مثل مصر والمغرب وكان ذلك تأثرا بتلك الحركة الغربية التي ظهرت في فرنسا في أواخر الستينات وقام بها الطلاب بشكل أساسي، وكانت الحركة في فرنسا تسعى إلى التغيير الثوري وأثرت بشكل كبير على المجتمع الفرنسي، وساهمت في ظهور جيل واعي ومختلف في رؤاه نحو مفاهيم الدولة والسياسية ودور الأفراد، كما أنتجت تحرر جنسي وفكري. أما على مستوى بلدان الشرق لم تحقق حركات التمرد في صفوف الطلاب نتائج مرضية، وذلك بسبب القمع الشديد الذي تعرضت له من قبل السلطات.

وبالنسبة لرواية “الناجون” فهي تقدم رصدا دقيقا لتلك الحركة في المغرب، كيف بدأت وكيف تم قمعها بقسوة حتى بلغ الأمر بالسلطة إلى إغلاق الجامعات في مدينة فاس وحرمان عدد كبير من الطلاب من إكمال دراستهم، كما تعاملت بضراوة مع الطلاب الثائرين فقبضت على كثير منهم وتعرضوا للتعذيب الجسدي القاسي، فقد استطاعت السلطة تفريق أفراد تلك الحركة وإضعاف قوتهم ما بين حبس وتعذيب وملاحقة.

ومنهم من اضطر إلى الهرب إلى البلدان الأخرى، وآخرون قضوا أعواما طويلة في السجن، ومنهم من ماتوا تحت التعذيب الوحشي، ومنهم من تأثر نفسيا بما حدث له، ومنهم من أثبت قوة وصمودا واستمر في النضال رغم تلك الظروف القاسية، ومنهم من ترك النضال وغير اتجاه حياته، ومنهم من انتقل إلى اتجاه متطرف إما إلى التشدد الديني أو إلى التشدد في اتجاه فكري آخر. ورغم كل تلك الصعاب، إلا أن بعض الأفراد استطاعوا الحفاظ على سلامهم النفسي والعقلي، وأكملوا حياتهم وعاشوها بود وتراحم وسلام، وأصبحوا بعد مرور حوالي أربعين عاما راضين عن تاريخهم الشخصي والنضالي.

العلاقات الحرة..

ناقشت الرواية مجموعة من الأفكار والتي كانت تدور في أذهان هؤلاء الشباب السبعينيين، ومنها حرية العلاقات بين الجنسين متأثرين في ذلك بالحركة الفرنسية وبعلاقة “سيمون دي بفوار” الشهيرة ب”سارتر”، وقدمت “سامية” تفسيرا وشرحا تفصيلا لأفكار هذا الجيل حول العلاقات، فمنهم من رضى بعلاقات حرة بالكامل تربط ما بين الرجل والمرأة، ومنهم من ارتضى بعلاقات لا تختنق بقيد الزواج المجتمعي لكنهم كانوا يكتفون بأن تكون العلاقة بين طرفين دون الانفتاح على أشخاص آخرين. ومنهم من ارتضى الزواج المجتمعي والقانوني إطارا يحكم علاقتهم، وقد استمرت علاقات بنفس قوة بدايتها وعلاقات أخرى انهارت بفعل مرور الزمن وحدوث تغييرات بين الطرفين.

ومنهم من لم يرتبط من الأساس لأن النضال أفقده الفرصة في عمل علاقة ناجحة، لكن يبقى النقاش حول رؤية جيل السبعينات لتلك العلاقات أمر يستحق التقدير، فالرواية سبرت أغوار اليسار المغربي في فترة السبعينات وكيف كان يفكر ويحلم ويتمنى كما رصدت انهزاماته ومناطق قوته وصموده.

التعذيب..

حكت “سامية” بالتفصيل عن تجربة اعتقالها والتي امتدت لسبعة أيام، وكيف كانت قاسية ومؤثرة على نفسيتها، ومن خلال تلك التفاصيل تعرفنا على كيفية تعامل السلطة مع الطلاب وتلك القسوة المفرطة التي وجهتها نحوه شباب بريء في مقتبل حياته، وكيف استخدمت السلطة ليس فقط التعذيب الجسدي المباشر وإنما استخدمت أيضا التعذيب النفسي وتعريض المعتقل لعدة أنواع من المهانة لكي تكسره من الداخل. وكيف كان الهاربين مهددون بالسجن مدى الحياة أو الموت تحت التعذيب مما جعل كثير منهم يجبر على ترك وطنه رغما عنه.

لكن مع ذلك اتسمت الرواية بطابع الإيجابية، فقد تمثلت تلك الإيجابية في شخصيتي “سامية” وزوجها الدكتور “خليل”، الذين استطاعا أن يقدما نموذجا إيجابيا لعلاقة الحب الناجحة التي لا تشيخ مع مرور الزمن أو تتأثر بالتغيير الذي يحدث للطرفين، علاقة ملؤها السلام والمحبة والتفاهم والحرية دون إجبار أو ملكية.

النضال السلمي..

كما ناقشت الرواية فكرة النضال المسلح الذي كان جيل السبعينات متأثرا بها، خاصة من تجربة “تشي جيفارا” وكيف أنه كان من أحد أحلامهم القيام بحركة نضال مسلح، لكنه كان حلما بعيد المنال مع سلطة قوية وحركة ممزقة بفعل السلطة. كما تمتلئ الرواية بطرح الأفكار حول تصوراتهم عن فكرة العدالة الاجتماعية، وعن علاقة المثقف بالكادح وهل هي علاقة قيادة أو تعالي أم علاقة مساواة، وكيف ينظر مثقفوا حركة اليسار إلى العمل اليدوي وهل يحتقرونه؟، وكيف يستقيم احتقارهم للعمل اليدوي مع مناصرتهم للعمال والفلاحين والكادحين؟، وأن هذا ينطوي على تناقض فكري ونفسي داخل المثقف اليساري، كما ناقشت فكرة التغيير وكيفية حدوثه ومغالبة الذات والرغبة في تحقيق المصالح الفردية.

كما فضحت الأفراد الذين تاجروا بنضالهم للحصول على مكاسب فردية رخيصة، وقدمت “عبد العاطي” في صورة المناضل الذي سعى إلى تحقيق ذاته وحلمه الفردي، لكنه رغم ذلك لم ينس وطنه وشعبه وفي النهاية فكر في مساعدة شعبه بالأموال التي جمعها من عمله الناجح.

الرواية تحكي عن زمن جميل ولى لكن بقى أفراده متشبثين بأطراف الحلم الثوري، وفي النهاية تحدثت الرواية عن تسليم راية النضال لجيل الشباب الذي يسعى إلى عمل تغيير هادئ وسلمي، برؤاهم الجديدة وأفكارهم التي تواكب التطور التكنولوجي الهائل الذي حدث.

وأجمل ما في الرواية أنها رصدت معاناة المرأة حين تم اعتقالها وحين تعذبت في علاقة حب، وحين أثرت عليها الظروف السياسية والقهر، وحين عانت من أنانية شريكها أو من اختلاف اختيارات الطرفين، وقدمت نموذجين للمرأة، الأولى هي القوية التي تمر بمعاناة لكنها تتجاوزها وتكمل حياتها وتكون قادرة على عمل علاقة جديدة سوية ومشبعة وهي “سامية”، والثانية التي تنسحق تحت وطأة ما حدث لها، وتتحدد حياتها وفق ذلك الفشل في علاقة الحب، وتعيش باقي عمرها أسيرة لذلك الفشل وذلك التخلي، وتخسر إمكانية عمل حياة جديدة وعلاقة حب جديدة وتتمثل في شخصية “حسناء”.

الكاتبة..

“الزهرة رميج” قاصة وروائية مغربية، من مواليد 1950. حاصلة على الإجازة في الأدب العربي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، وعلى شهادة الكفاءة التربوية بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط سنة 1973. مارست مهنة التدريس قبل أن تتقاعد في إطار المغادرة الطوعية سنة 2005، وتتفرغ للكتابة. عضو اتحاد كتاب المغرب. ترجمت بعض قصصها إلى الفرنسية والإسبانية والبرتغالية والإنجليزية.

مؤلفاتها..

في الإبداع:

  • أنين الماء: (مجموعة قصصية) منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب، دار القرويين/ الدار البيضاء، 2003.
  • نجمة الصباح: (مجموعة قصصية) المركز الثقافي العربي الدار البيضاء / بيروت، 2006.
  • أخاديد الأسوار: (رواية) الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي/ الدار العربية للعلوم، بيروت، 2007، الطبعة الثانية دار فضاءات للنشر والتوزيع، الأردن، 2015.
  • عندما يومض البرق: (قصص قصيرة جدا) النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2008.
  • عزوزة: (رواية) النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2010 . الطبعة الثانية بدار النايا ودار محاكاة، سوريا، 2012. الطبعة الثالثة بدار فضاءات للنشر والتوزيع بالأردن، 2016.
  • الناجون: (رواية) دار فضاءات للنشر والتوزيع، الأردن، 2012
  • أريج الليل: (مجموعة قصصية) اتحاد كتاب المغرب، 2013.
  • الغول الذي يلتهم نفسه: (رواية) دار النايا ودار محاكاة، سوريا، 2013.
  • الشبرق: (مجاميع قصصية) دار النايا، سوريا، 2014.
  • صخرة سيزيف: (مجموعة قصصية) دار فضاءات للنشر والتوزيع، الأردن، 2015.
  • عيون تحدق في العتمة، حوارات حول الكتابة والحياة، سليكي أخوين طنجة، 2015.
  • ترانيم ، شعر، سليكي أخوين، طنجة، 2016.
  • الذاكرة المنسية: سيرة ذاتية، دار فضاءات للنشر والتوزيع، الأردن، 2017.
  • قاعة الانتظار: رواية، سليكي أخوين، المغرب، 2019.

في الترجمة لها أعمال كثيرة.

وحازت على الجوائز:

  • جائزة الترجمة عن مسرحية «تمارين في التسامح» لعبد اللطيف اللعبي في إطار مهرجان المسرح المدرسي لسنة 1998.
  • الجائزة الأولى ل«ثقافة بلا حدود» للقصة القصيرة جدا بسوريا سنة 2007.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب