7 أبريل، 2024 12:17 م
Search
Close this search box.

رواية “المرأة في الطابق العلوي”.. تسجن نفسها في شخصية هامشية وهوس مرضي

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “المرأة في الطابق العلوي” للكاتبة الأمريكية “كلير مسعود” ترجمة “إيمان أسعد” تحكي عن امرأة تشعر بالتهميش، تشعر أنها على هامش هذا العالم، تراقب نفسها وهي تدخل إلى الأربعين وحيدة وتشعر بالهوس تجاه عائلة أجنبية صادفتها.

الشخصيات..

“نورا إلدريدج”: البطلة، امرأة عادية، عاشت طوال حياتها تحاول أن تقوم بأدوار مرضية للجميع، أن تكون ابنة بارة، ومعلمة صالحة وصديقة محبة، لكنها تشعر أن ذلك أفقدها الكثير وحرمها من حياة طبيعية، تشعر بالهوس تجاه إحدى الأسر. وقت حكي الرواية كانت في السابعة والثلاثين من عمرها وتشعر أن العمر ينفلت من بين أصابعها وأحلامها التي كانت ترغب في تحقيقها تتسرب هي أيضا.

سيرينا: امرأة أربعينية، لها ابن اسمه “رضا”، تتعرف عليه “نورا” لأنه التحق بالمدرسة التي تعمل فيها معلمة. من أصول إيطالية وتعيش في باريس لكن لظروف عمل زوجها تضطر إلى الانتقال إلى أمريكا لمدة عام، وتشعر بالضغط بسبب ذلك، وتتعرف على “نورا” ويؤجران سويا مرسما ليعملا فيه، لكنها تهتم وفقط بفنها وتستمريء مساعدة “نورا” لها وتعاملها بأنانية.

اسكندر: زوج “سيرينا”، لبناني عاش في باريس، ثم تطور عمله في مجال التاريخ وذهب لأمريكا لإلقاء المحاضرات، تشعر “نورا” نحوه بالهوس أيضا، لكنه أيضا يعاملها كشيء هامشي.

ديدي: صديقة “نورا” المقربة، تكتشف أنها ميولها الجنسية المثلية وترتبط بصديقة لها وتتبنى طفلة، وتظل تدعم “نورا” دوما.

الراوي..

الراوي هو “نورا” نفسها، التي تركز الحكي عن ذاتها وأحلامها المجهضة وحياتها الحزينة البائسة، وتظل تحكي مرارا عن شعورها بالانحباس بسبب سجن نفسها داخل إطار شخصية هامشية، ورفضها أن تكون بطلة في حياتها. وتحكي عن باقي الشخصيات في الرواية من خلال رؤيتها لهم وتفاعلهم معها وفقط، ولا تترك لهم حرية التحدث عن أنفسهم أو التعبير عن أنفسهم إلا من خلال رؤيتها لهم وموقعهم من حياتها. وأثناء الحكي تخاطب نورا قارئ متخيل كأنه يسمعها، وتبرر له بعض الأمور في حكيها أو بعض أحاسيسها ومشاعرها التي تشعر أنها مبالغ فيها.

السرد..

تقع الرواية في حوالي 430 صفحة من القطع المتوسط، تنقسم إلى ثلاث أجزاء، ويدور الحكي فيها على مدى خمس سنوات، قضت “نورا” سنة منهم بصحبة الأسرة الأجنبية، و4 سنوات على ذكراهم، ثم انتهت الرواية على شعور “نورا” بالإحباط الشديد لكنها مع ذلك قررت أن تغير سلوكياتها وانحباسها وتتحرر من أثر شعورها الطاغي بالحزن والتقييد.

شخصية هامشية..

تقدم “نورا” نفسها من بداية الرواية وتحاول وصف نفسها كثيرا، ويتضح أنها متأثرة كثيرا بأمها التي كانت لها أحلام كثيرة لكنها تسربت منها بسبب الزواج والإنجاب، ورغم أنها تخرجت من الجامعة، والتي كانت في ذلك الوقت وسيلة لرفع شأن المرأة لكي تجد زواجا مناسبا، وليس وسيلة لتحقيق استقلال مادي ومعنوي، إلا أنها ظلت طوال حياتها ربة منزل، وإن قامت ببعض الأعمال البسيطة إلا أنها لم تنجح في أية مشروع فكرت في انجازه مثل خياطة الملابس.

وقد تشربت “نورا” إحباط أمها ويأسها إلى أقصى درجة، خاصة وأن أمها أصيبت بمرض خطير في الأعصاب جعلها تموت ببطء مع انطفاء جسدها وقدراته. كل ذلك ساهم في رسم حياة “نورا” البائسة.

فقد كانت تحلم أن تكون فنانة تشكيلية لكن أمها دفعتها إلى دراسة مجال تستطيع من خلاله أن تجد وظيفة مناسبة، فاتجهت إلى مجال التدريس.

ورغم أنها عملت في وظيفة كبيرة وأصبحت تملك المال وكان لها صديق إلا أنها في لحظة تركت كل هذا، ربما خوفا من مصير أمها في أن يخنقها الزواج ويقضى على استقلالها، وبعد ذلك تحولت إلى ابنة بارة تراعي أمها في مرضها ثم والدها فيما بعد في شيخوخته.

هوس مرضي..

وفي ظل حياتها الباهتة تعرفت على أسرة “اسكندر” وشعرت بالهوس الشديد تجاه أفرادها الثلاث، فكان “رضا” بالنسبة لها بمثابة الابن الذي لم تستطع إنجابه، وكانت “سيرينا” الصديقة حتى أنها وقعت في غرامها بشكل مبالغ فيه، و”اسكندر” أيضا شعرت بالهوس تجاهه، وفي وقت من الأوقات  مرت بينهما لحظات حميمية سرعان ما تناساها وتركها دون اهتمام.

ظلت “نورا” تساعد “سيرينا” واستغلتها الأخيرة جيدا، فجعلتها ترعى ابنها وتساعدها في مشروعها الفني، الذي حقق لها نجاحات فيما بعد، بل والأقسى من ذلك وضعت ل”نورا” فيديو وهي تقوم بفعل حميمي مع جسدها على مشروعها الفني، كجزء من ترويج مشروعها دون أن تخبرها بذلك، واكتشفت “نورا” هذا الأمر بعد أربع سنوات من رحيل “سيرينا” إلى باريس.

كانت “نورا” دوما ما تبرر هذا الهوس المرضي بعائلة “اسكندر” وأنه فتح لديها آفاقا جديدة، وشجعها على أن  تشعر بالحياة تضخ إلى دمائها مرة أخرى، وعادت تمارس فنها بحماس شديد وتشعر بأهميتها، لكنهم سرعان ما رحلوا بعد عام، ولم يعيروها أي اهتمام.

لكنها رغم ذلك ظلت تتشبث بهم وبذكرياتهم وأخبارهم لمدة أربع سنوات أخرى، إلى أن تفاجأت بخسة “سيرينا” وأنها نشرت فيديو خاص لها كجزء من مشروعها الفني، الذي ساعدتها “نورا” على انجازه، ولم تشير إلى ذلك أبدا. وقتها كانت لحظة الإفاقة حيث انتبهت “نورا” أخيرا لخطورة ما فعلته طوال خمس سنوات من عمرها، ضيعتهم على هوس مرضي، وقررت أن تبدأ حياتها من جديد وأن تتحرر، ليس فقط من هوسها بأسرة “اسكندر” وإنما من حياتها الرتيبة.

تحولات الجسد..

أثناء الحكي تتناول “نورا” نقاط هامة جدا حول شعور المرأة، أيا كانت جنسيتها والبلد الذي تعيش فيها، سواء كان متحضرا كما يحلو للبعض تسميته أو متأخرا. كقارئة شعرت أن هموم المرأة تقريبا متشابهة، ومعظمها تدور حول تحولات الجسد، فالمرأة تشعر بالرعب الشديد حين يمر العمر ويتحول الجسد، دون أن تحقق ما يوافق نمط المجتمع وأفكاره عن المرأة، أو ربما ما يتوافق مع أحلامها هي أيضا. ف”نورا” كانت تحلم أن تحصل على أطفال وزواج ناجح لكنها لم تسع بشكل حقيقي إلى فعل ذلك أو تهيئة حياتها له، ومع ذلك ظلت تشعر بالحزن لحرمانها من الإنجاب ومن الزواج. وظلت تلوم نفسها أنها حبست نفسها في خانة الابنة البارة والمعلمة الطيبة والصديقة العطوفة، لكنها لم تفعل شيء إزاء كسر ذلك.

كما ظل الرعب مصاحبا لها حين أوشكت على دخول الأربعين، وهروبا من رعبها شغلت نفسها بهوس مرضي تجاه أحد الأسر الأجنبية، بدلا من محاولة تغيير مفردات حياتها وجعلها أفضل وفق تصوراتها وأحلامها. ويتضح رعبها الشديد من تحولات الجسد في أكثر من تفصيله، أولا حين شاهدت الصور التي التقطتها “سيرينا” لبعض النساء ووجهة نظرها فيها، فالفتاة المراهقة وفقا ل “نورا” وردة في طور النمو، والمرأة الثلاثينية مشدودة الجسد وردة في قمة ازدهارها، بينما الأربعينية، التي حملت بثلاثة أطفال وخضع جسدها لعمليات الولادة وعمليات أخرى، وردة اكتمل ازدهارها وأوشكت على الدخول في مرحلة الذبول، بينما جسد المرأة السبعينية هو في مرحلة الذبول، وفقدان الجسد جماله ورونقه وبهاءه لصالح التجاعيد وعلامات الزمن القاسية.

ليست “نورا” وحدها هي من تقيس المرأة بملامح جسدها ومدى تماسكه أو انهياره بفعل الزمن، اعتقد أن نساء كثيرات يتلبسهن ذلك المعيار في الحكم على المرأة. حتى أنها حين رأت “سيرينا” بعد أربعة أعوام لم تكن تروق لها، رغم أنها وقعت في غرامها واشتهت التواصل الجسدي معها، لكن التغييرات الجسدية التي حدثت ل”سيرينا” أفقدتها ذلك الاشتهاء والهوس حتى أن “نورا” كانت تلاحظ أقل التغييرات الجسدية على “اسكندر” أيضا.

سجانة لسجنها..

يمكن القول أن “نورا” لم تكن ضحية، وإنما هي من اختارت بنفسها أن تكون على الهامش وأن يتم استغلالها، وأن تظل تعطي دون أن تطلب الأخذ، كما أنها من اختارت بنفسها إهمال الفن رغم أنه كان من أحلامها المهمة، وأهملته بدعوى أن الفنانين منافقين ويستخدمون الإطراء والعلاقات الاجتماعية للوصول، وكانت تنفر من نجاحات الفنانين وتراها وهم زائف.

كما أنها هي نفسها من رفضت الزواج من الرجل الذي عاشت معه، بعد سنوات وتركت وظيفة كانت تدر عليها ربحا كثيرا، واستغرقت طويلا في عقدة أمها التي ورثتها عنها بعناد، رغم أن أمها نفسها كانت تتعامل مع حياتها بتسامح أكثر وحتى مع مرضها كانت راضية ومستسلمة.

وظلت “نورا” طوال سنوات كثيرة لا تعرف أنها سجانها، لكنها ربما في نهاية الرواية اكتشفت ذلك وقررت أن تتحرر.

الكاتبة..

“كلير مسعود” هي روائية أميركية من أصول جزائرية، هي مؤلفة لثلاث روايات وكتاب قصص قصيرة. وأحدث رواياتها “أطفال الإمبراطور” اختارتها صحيفة “نيويورك تايمز” من بين أفضل عشرة كتب للعام 2006. كما كانت بين المرشحين النهائيين مرتين لنيل جائزة بن/ فولكنر، وحصلت على زمالات دراسية من مؤسسة غوغنهايم، ومعهد رادكليف، ومركز العلوم الإنسانية في جامعة هارفرد، تعيش مع عائلتها في كامبريدج، ولاية مساتشوستس. وتتناول “كلير مسعود” في روايتها الحيوات التي لا تجري وفق ما خطط لها والقصص التي يشكلها الناس لأنفسهم.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب