24 سبتمبر، 2024 9:27 م
Search
Close this search box.

رواية القارئ..  تحكي هوس المرأة الأولى ووحشية المعسكرات النازية   

رواية القارئ..  تحكي هوس المرأة الأولى ووحشية المعسكرات النازية   

 خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “القارئ” للكاتب الألماني “برنارد شلينك”، ترجمة “تامر فتحي”، إصدار “دار روافد”، تتناول محرقة اليهود التي قام بها النازيون الألمان وراح ضحيتها الآلاف من اليهود.. يتناولها الكاتب من منظور عقدة الذنب والخزي تجاه تلك الجرائم المتهم فيها الجيل الذي عاصر تلك الجرائم، وكان مشاركا فيها، سواء بالمشاركة الفعلية أو بقبولها أو بتجاهلها والسكوت عنها..

الشخصيات..

مايكل بيرج: البطل، فتى في الخامسة عشر من عمره، تعرف بالمصادفة على سيدة ثم انجذب لها وهي بدورها اتخذته عشيقا لها، وكانت تتمتع به جسديا وتشكل وجدانه ووعيه فيما بعد وفقا لعلاقته بهذه السيدة، حتى أن قصته معها أصبحت قصة هامة في حياته، حددت كثير من الأمور في مسارها المستقبلي، وهو قانوني وقاضي عاش في امريكا فيما بعد وأصبح كاتبا.

هانا شميتز: سيدة في عمر 36 حين قابلت “مايكل”، استمرت في علاقة جسدية معه عدة سنوات وهو في المرحلة الثانوية، ثم هربت دون أن تخبره واختفت من حياته.

جيرترود: زوجة “مايكل”، لن يستطيع العيش معها طويلا لأنه سيظل يقارنها ب”هانا” ولن يستطيع أن يطور علاقة حب معها.

والد مايكل: متخصص في الفلسفة، كان يعمل أستاذا في الجامعة ثم خسر عمله في أثناء الحكم النازي، واضطر للعمل كمحرر لدار نشر وهو بعيد عن أولاده يعاملهم مثلما يعامل تلاميذه.

الراوي..

الراوي هو البطل “مايكل”، يحكي من وقت أن كان مراهقا وحتى تقدمه في السن، يحكي مشاعره وانفعالاته وعلاقته ب”هانا”، كما يحكي تأثير العنف النازي عليه وعلى جيله، الرواية تعتمد على الصوت الواحد لكن البطل يترك مساحة ل”هانا” أثناء الحكي، لتكشف عن نفسها من خلال بعض الأحداث.

السرد..

السرد تصاعدي.. يتمتع بثراء وغزارة، يحكي فيه البطل بزخم مشاعر المراهق ثم الشاب ثم الرجل الذي وصل لمنتصف العمر، يكشف عن جوانب الشخصية الثانية الرئيسية وهي شخصية “هانا”، كما أنه يترك مساحة كبيرة لقضية معسكرات الاعتقال، الرواية تقع في حوالي 216 صفحة من القطع المتوسط، وتنقسم إلى ثلاثة أجزاء كبيرة،  يدور الجزء الأول بداية من 1958 ويتناول علاقة المراهق بالسيدة الثلاثينية، و الجزء الثاني يدور في عام 1966ويتناول محاكمة “هانا” كمجرمة حرب، والجزء الثالث يحكي عن عودة الاتصال بينه وبينها وعن موتها في الثمانينات.

خزي المحرقة..

تركز الرواية على فكرتين رئيسيتين الأولى هي فكرة العنف الوحشي الذي عامل به النازيون اليهود، وكيف أنهم أحرقوهم في أفران الغاز وأدخلوهم في معسكرات اعتقال بالمئات، وكان ذلك سنوات قبل 1945 وقت الحرب العالمية الثانية، حيث يتبنى البطل وجهة نظر الجيل الثاني الذي رفض تلك الوحشية بعد أن كبر ووصل إلى مرحلة الشباب، وأتطلع على التاريخ، كان ذلك في منتصف الستينات مع حركة الطلاب الثورية في ألمانيا، والتي أعلنت رفضها لممارسات النازيين وأدانت الجيل السابق، جيل الآباء الذي وافق على تلك الوحشية، ومنهم من شارك فيها فعليا بقتل اليهود وتعذيبهم وكأنه يقوم بعمل آلي بارد دون ضغينة أو كراهية، أو من وافق على ذلك بالمشاركة السلبية أو من لم يبد مقاومة أو يرفض، واعتبر البطل وجيله من الشباب أن جيل الآباء جميعهم مدانون وجعلهم ذلك يشعرون بالخزي كألمان، وقطعوا اتصالهم بجيل الآباء حتى أن البطل يصل في التنكر إلى جيل الآباء إلى الحد الأقصى، ويعتبر حب الشباب لآبائهم أمرا معيبا..

ركزت الرواية على أن “هانا” التي اكتشف البطل بعد هجرها له بثماني سنوات، بعد أن التحق بمدرسة القانون، وأتيح له حضور محاكمة عن جرائم النازيين أنها كانت سجانة في معسكر “اوشيفتز”، وأنها كانت تقوم بحراسة السيدات اليهوديات، وأنها كانت إحدى المسئولات عن اختيار 60 امرأة شهريا لإرسالها إلى أفران الغاز، واكتشف أن أول سيدة يتواصل معها في علاقة حميمة في حياته ما هي إلا سجانة متوحشة، وأنها تركت هي وزميلاتها من السجانات الألمانيات اليهوديات يمتن حرقا في إحدى الكنائس، بعد انفجار قنبلتين، لأنها خشت إطلاق سراح السجينات.

ورغم ذلك وبعد أن استسلمت “هانا” للمحاكمة ولميل باقي السجانات إلى تحميلها مسئولية الأمر برمته، مما أدى إلى الحكم عليها بالسجن مدى الحياة، في حين أخذن هن أحكام أخف تحولت “هانا” كما سيكشف البطل فيما بعد إلى نادمة، وأخذت تقرأ عن معسكرات الاعتقال من وجهة نظر المسجونات اليهوديات، بعد أن تعلمت بفضل تسجيلاته القراءة والكتابة، وأخذت تبحث في الأمر، حتى أنها حين انتوت الانتحار بعد مرور 18 سنة على سجنها وإطلاق سراحها، بعد تلمس العفو عنها، تركت كل ما تملك من أموال لفتاة صغيرة نجت من الحريق هي وأمها، وكتبت كتاب عن ذلك المعسكر والحريق المروع الذي جرى فيه، لقد تحولت “هانا” فيما بعد من تلك السجينة الوحشية التي كانت تستغل الفتيات الصغيرات لكي يقرؤوا لها لأنها كانت أمية ولم تكن تريد أن يعرف أحد بذلك، ثم بعد ذلك كانت ترسلهم إلى أفران الغاز، تحولت إلى سيدة رقيقة تساعد من حولها من السجينات، وتأسف على ما حدث لليهود لكنها أبدا لم تصرح لأحد بذلك.

أول امرأة..

تناقش الرواية قضية أخرى هامة، وهي أول امرأة في حياة الرجل، فقد كانت “هانا” أول سيدة يتصل بها “مايكل” جسديا، وكانت المسئولة عن اكتسابه الثقة في نفسه ونموه النفسي والجسدي، فهي لم تكن تتعامل معه كجسد يمتعها فقط، وإنما كانت تحرص على مستقبله الدراسي وتحثه على أن يقرأ لها، لكنها بعد ذلك هجرته دون إبداء الأسباب، وتركته لسنوات طويلة يظن أنها هجرته لأنه تنكر لها وكان يخجل من التواجد معها أمام أصدقاءه من المراهقين، ثم اكتشف أنها هربت لأنها كانت تخشى أن ينفضح أمر أميتها، وهذا السبب هو ما جعلها تلتحق بمعسكر الاعتقال كسجانة بدلا من أن تترقى في الشركة التي كانت تعمل بها، حتى لا ينكشف أمرها ويعرف الجميع أنها لا تقرا ولا تكتب.

ظل “مايكل” طوال حياته أسيرا لهوسه ب”هانا”، حتى حين تزوج ظلت “هانا” هي النموذج الذي يقيس عليه الأنثى التي يتقرب منها، طريقتها في المشي والإمساك بالأشياء، وطريقتها في ملامسته ورائحة جسدها وتفاصيله، كانت هي دوما النموذج الذي يقيس عليه، وبناء عليه فشلت باقي علاقاته العاطفية، ورغم أنه من البداية كان بطلا هروبيا ولم يكن يتحمس لإعلان علاقته بها منذ المراهقة، وحين تمت محاكمتها لم يسع لمساعدتها وكشف أميتها للقاضي، والتي ربما كانت خففت من عقوبة سجنها، إلا أنه ظل مهووسا بها سنوات طويلة وكان يعتبر قصته معها قصة محزنة.

حتى عندما قرر إعادة التواصل معها بعد أن أصبح رجلا ومستقلا، قرر أن يتصل بها اتصالا محايدا، أصبح يرسل إليها شرائط مسجلة يقرأ عليها كتبا وقصصا، ولم يهتم بإرسال رسالة أو تسجيل شيء حميمي وشخصي لها، وعرف بعد ذلك أنها كانت تنتظر ذلك منه، وحين اتصلوا من السجن به ليرعاها بعد الإفراج عنها تردد وخاف من أن يجبر على التواصل المباشر معها، وحين قابلها في سنة 1984، بعد أن أصبحت عجوزة عاملها بحياد وبرود، وهي فعلت ذلك أيضا، وفضلت أن تنتحر يوم خروجها من السجن ربما تجنبا لأن تكون عبئا نفسيا عليه.. وبعد موتها بدأ “مايكل” في الإحساس بها كأنثى مرة أخرى، وتعذب بذكرياته معها وقرر أن يكتب قصتهما – المحزنة- ليتخلص منها أو ليؤرخها..

الرواية..

الرواية عذبة ومليئة بالمشاعر الإنسانية العميقة، نشرت في ألمانيا في عام 1995 وفي الولايات المتحدة (مترجمة إلى اللغة الإنكليزية من جانب كارول براون جانواى) في عام 1997.. وقد لاقت ترحيبا في ألمانيا، وأيضا في الولايات المتحدة، وقد فازت بجوائز عديدة. وتعتبر الرواية خروجاً عن روايات المباحث المعتادة ل”شلينك”. وقد أصبحت أول رواية ألمانية تصل إلى أعلى قائمة صحيفة “النيويورك تايمز” لأكثر الكتب مبيعا. وقد ترجمت إلى 37 لغة وأدرجت في المناهج الدراسية لدورات الكليات في أدب محرقة اليهود واللغة الألمانية والأدب الألماني.

 

باعت رواية “القارئ” 500،000 نسخة في ألمانيا. وحصلت على عدة جوائز أدبية. في عام 2004، عندما نشرت شبكة تلفزيون “زد دي اف” قائمة المائة كتاب المفضلين لدي القراء الألمان، كانت في المركز 14. وفي عام 1998 مُنِحت رواية “القارئ” جائزة “هانز فالادا”، وهي الجائزة الأدبية الألمانية. وفازت عام 1999 بجائزة Boeke.

تحولت رواية “القارئ” إلى فيلم سينمائي أخرجه “ستيفن دالدري” في ديسمبر 2008، لعبت الممثلة الأمريكية “كيت وينسلت” دور “هانا”، مع “ديفيد كروس” الذي قام بدور “مايكل” الشاب, و”رالف فاينز” في دور الرجل الأكبر سنا، وقام “برونو غانز” و”لينا أولين” بأدوار داعمة. ورشح لخمسة جوائز أوسكار منها أفضل فيلم، وفازت “وينسلت” بجائزة الأوسكار كممثلة أولى.

الكاتب..

“برنارد شلينك”: روائي ألماني ومحامي ولد في 6 يوليو 1944 في بيت إيل، ألمانيا، لأب ألماني وأم سويسرية، وكان الابن الأصغر بين أربعة أبناء. وكان كل من والديه طلاب لاهوت، ولقد فقد والده وظيفته كأستاذ في اللاهوت بسبب النازيين، واكتفى بأن يكون راعياً في الكنيسة عوضاً عن ذلك. ولقد نشأ “برنارد شلينك” في “هايدلبرج” منذ كان يبلغ من العمر عامين. درس القانون في الجامعة الحرة في برلين الغربية، وتخرج في عام 1968.

أصبح “شلينك” قاضياً في المحكمة الدستورية في الدولة الاتحادية بشمال الراين وستفاليا عام 1988، وفي عام 1992 صار أستاذاً للقانون العام وفلسفة القانون في جامعة هومبولت في برلين. وتقاعد في يناير 2006.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة