خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “الغرف الأخرى” للكاتب “جبرا إبراهيم جبرا” تختلف عن باقي نصوصه السردية، فهي تحمل قدرا عالي من الغموض والتشويق، والذي ينتهي نهاية محبطة للقارئ.
الشخصيات..
نمر علوان: مفكر شهير، له مقولاته وأفكاره التي تعجب الكثيرين، أفكار فلسفية خاصة بفهم الذات، يحاول المحيطين بالبطل دوما إقناعه أنه “نمر علوان” لكنه ينكر ذلك، رغم أنه لا يتذكر من هو وما هو اسمه، لكنه يعرف أنه ليس “نمر علوان”.
عادل الطيبي: اسم آخر للبطل، تطلقه عليه امرأة قامت باحتجازه، لكنه يعرف أيضا أنه ليس اسمه.
فارس الصقار: اسم ثالث يناديه به الآخرون، وهو لكاتب شهير.
لمياء: فتاة جميلة، تأخذ البطل بسيارتها لبيت كبير تحتجزه فيه مع آخرون، أناس كثيرون يدخلون هذا البيت الذي يشبه المتاهة، حيث أن له غرف كثيرة، وتمارس “لمياء” علي البطل ألاعيب كثيرة، وتدخله في مشاهد كثيرة ملفقة دون أن توضح له أي شيء.
هيفاء الساعي: سيدة ضمن مجموعة الناس داخل البيت المتاهة، تقوم بعدة أدوار داخل المشاهد المصطنعة.
سعاد: سيدة يذكر البطل جيدا أنه يحبها، ويستدعيها من ذاكرته، لكنه مع ذلك يتشكك في كونها حقيقة، ويظن في وقت أنها ربما ذاكرة زائفة، أتته من كتاب قرأه.
عليوي عبد التواب: الرجل ذو الأزار الذهبية، رجل أصلع يقوم بمهام عدة داخل البيت المتاهة، فهو يتحكم في أبواب الغرف أتوماتيكيا، ويقوم بتوصيل البطل إلى عدة أماكن، ويساهم بدوره في اللعبة الغامضة، وفي النهاية يظهر كرجل خليجي يستقبل البطل لكي يوصله إلى حفل توقيع كتابه.
عزام ابو الهور: الرجل ذو المعطف الأسود، يقوم بأدوار هو أيضا داخل البيت المتاهة، وتنتهي حياته بسكتة قلبية، وفي لحظة يشكو للبطل أنه يخاف من “عليوي” الذي يخطط لأخذ وظيفته.
راسم عزت: شاب يعمل ممرض ثم يظهر مرة أخرى في شكل مريض، وقد ساهم في تضليل البطل وأوهمه أنه سيرسله إلى مخرج آمن من هذا البيت المتاهة، لكنه لم يفعل.
الراوي..
هو البطل، لكن يبدو أنه ليس في حالة عقلية جيدة، فهو لا يتذكر اسمه ولا مهنته ولا من هو، ورغم ذلك يعرف في بداية الرواية أن الميدان الذي كان يجلس فيه تائها هو ميدان في مدينته، التي يعرفها جيدا، ثم يتعجب أنه لا يعرف الشوارع، الراوي يحكي عن أحاسيسه المتخبطة تجاه لعبة غامضة تتسلسل وتتعقد.
السرد..
السرد على درجة عالية من التشويق، لكنه تشويق لا يفضي إلى شيء، فقد أسرف الكاتب في لعبة التشويق حتى أنه قرر في النهاية ألا يفك الغاز غموضه، ولا حكايته المشوقة للقارئ، وتركه يتخبط في عدم فهمه واصلا إلى نهاية أكثر غموضا، لا تكشف شيء عن البطل ولا عن البيت المتاهة، تحوي الرواية أفكارا فلسفية عن الذات والمعرفة والحقيقة، لكنها في رأيي تتعالي على القارئ وتتأثر بشكل واضح بالأفكار الفلسفية الغربية، والتي لا علم لقراء كثريين بها، الرواية قصيرة تقع في حوالي 112 صفحة من القطع المتوسط.
الغموض والبحث عن المعرفة..
في بداية الرواية يذكر الكاتب حكاية شعبية عن سيدة تزوجها رجل غني، وعاشت في قصره ذي الأربعين غرفة، وطلب منها أن تستمتع بالهدايا وكل مظاهر الترف في الغرف التسعة والثلاثون، لكن غرفة واحدة ممنوع عليها دخولها، هي الغرفة الأربعين. ورغم تمتع السيدة بكل مظاهر الترف إلا أنها لا تستطع التغلب على فضولها للتعرف على ما في الغرفة الأربعين، وتنتظر حتى يسافر زوجها مع الخدم وتدخل الغرفة الأربعين، وحين تدخلها يقول لها صوت أنها حين تخرج منها ستكون على حال غير تلك التي دخلت بها الغرفة.
ثم تبدأ حكاية البطل الذي لا يعرف شيئا عن نفسه، ولا يعرف أي شيء عن ماضيه ويبدو تائها ومرتابا، ويركب مع سيدة سيارة وتبدأ ليلة احتجازه، حيث توصله السيدة إلى بيت كبير أشبه بمتاهة وتدخله في مشاهد كثيرة مفتعلة، يعرف في جميعها أنه ليس “نمر علوان” وليس “عادل الطيبي” لكنه لا يعرف في نفس الوقت من هو.
ثم وفي خلال تلك المشاهد المصطنعة والغرائبية يقول البطل أشياء كثيرة عن الرغبة في المعرفة وكيف أنها محفوفة بالمخاطر، حيث لا أحد يضمن أن الحقيقة التي سيتوصل إليها الباحث هي الحقيقة أم لا، ثم ينتقل للحديث عن الذات، وكيف أنها شديدة التعقيد وأنها منقسمة إلى ثنائيات متضادة، فالإنسان ينقسم إلى عقل وغريزة، وعي ولاوعي..إلخ، وأنه لا يستطيع فهم ذاته جيدا مهما حاول، لكن أوضح فكرة أمكنني التقاطها كقارئة هي عبثية الحياة، وأن العالم أصبح موحشا وعبثيا بسبب المجازر الكثيرة التي تحدث، وقتل الإنسان للإنسان وامتلاء العالم بالشرور والأفعال الوحشية، حتى أن صديق للبطل قد انتحر تاركا تلك الحياة العبثية.
ثم يتناول البطل فكرة أخرى وهي فكرة انشطار الإنسان وكيف أنه في لحظة ما يصبح اثنين أو ربما أكثر وهو لا يعي ذلك جيدا، وفي رأيي لا يوجد ترابط بين تلك الأفكار المبعثرة أو على الأقل لم يربطها الكاتب ببعضها البعض مستخلصا بعض النتائج، ثم يستعين الكاتب بشعر للمتنبي وأشعار أخرى في حديث أشبه بهذيان رجل فاقد الذاكرة، ويظل البطل يخرج من مشهد غرائبي إلى آخر، ويلتقي ب”لمياء” و”بهيفاء” و”بعليوي” و”راسم عزت”، ويرى أناس كثيرون محتجزون يتعذبون، يتكومون ويحاول الكثير منهم الخروج، لكنهم لا يجدون إلى سلم طويل لا يؤدي إلى شيء، وإنما يؤدي إلى باب مسدود، وينتظر كل منهم على درجة من درجات السلم عله يستطيع أن يخرج، إن شئنا التأويل ممكن أن يكون هذا البيت المتاهة هو الحياة التي يدخلها الإنسان ويتوه بين جنباتها ويتعذب دون أمل في الخروج، هو مجبر على متابعة تسلسلها دون أية إرادة منه، وقد تكون الذات التي حين يتعمق فيها لا يجد إلا مزيدا من التيه والضياع والألغاز الغامضة.
الإسراف في الغموض..
كقارئة لبعض روايات الكاتب الكبير “جبرا إبراهيم جبرا” كنت أتوقع في هذه الرواية متعة خاصة، كما في روايات أخرى له، وظللت حتى النهاية على أمل كشف الغموض وفهم من هم الشخصيات التي تدور أمامي، ولماذا يدور البطل في متاهة؟، لكني لم أفهم شيئا وانتهت النهاية وأنا لا أعرف هل هو فعلا “فارس الصقار” الكاتب المعروف، وهل كل ما دار بالرواية من صنع خياله أو حلم مزعج، فقد أسرف الكاتب في الغموض، وكأنه وصل إلى درجة من الاكتفاء الذاتي لدرجة جعلته لا يهتم بالقراء، وبماذا سيتوقعون من النص، ولم يعبأ بإراحة أذهانهم التي أجهدت في تلك اللعبة الغامضة. أو كأنه ارتضى أن يحمل نصه أفكاره الفلسفية دون الاهتمام بإتمام الحكاية وكشفها للقراء.
الكاتب..
“جبرا إبراهيم جبرا” هو مؤلف ورسام، وناقد تشكيلي، فلسطيني من السريان الأرثوذكس ثم اعتنق الإسلام للزواج من “لميعة العسكري”، ولد في بيت لحم في عهد الانتداب البريطاني، استقر في العراق بعد حرب 1948. أنتج نحو 70 من الروايات والكتب المؤلفة والمترجمة، وقد ترجم عمله إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة. وكلمة جبرا آرامية الأصل تعني القوة والشدة..
ولد في بيت لحم، ودرس في القدس وانكلترا وأمريكا ثم تنقل للعمل في جامعات العراق لتدريس الأدب الإنجليزي، وهناك تعرف عن قرب على النخبة المثقفة وعقد علاقات متينة مع أهم الوجوه الأدبية مثل السياب والبياتي. يعتبر من أكثر الأدباء العرب إنتاجا وتنوعا إذ عالج الرواية والشعر والنقد وخاصة الترجمة كما خدم الأدب كإداري في مؤسسات النشر. عرف في بعض الأوساط الفلسطينية بكنية “أبي سدير” التي استغلها في الكثير من مقالاته سواء بالانجليزية أو بالعربية.
توفي “جبرا إبراهيم جبرا” سنة 1994 ودفن في بغداد. قدم جبرا إبراهيم جبرا للقارئ العربي أبرز الكتاب الغربيين وعرف بالمدارس والمذاهب الأدبية الحديثة، ولعل ترجماته لشكسبير من أهم الترجمات العربية للكاتب البريطاني ، وكذلك ترجماته لعيون الأدب الغربي، مثل نقله لرواية «الصخب والعنف» التي نال عنها الكاتب الأميركي وليم فوكنر جائزة نوبل للآداب.
أعمال جبرا إبراهيم جبرا الروائية يمكن أن تقدم صورة قوية الإيحاء للتعبير عن عمق ولوجه مأساة شعبه، وإن على طريقته التي لا ترى مثلباً ولا نقيصة في تقديم رؤية تنطلق من حدقتي مثقف، مرهف وواع وقادر على فهم روح شعبه بحق. لكنه في الوقت ذاته قادر على فهم العالم المحيط به، وفهم كيفيات نظره إلى الحياة والتطورات. في الشعر لم يكتب الكثير ولكن مع ظهور حركة الشعر النثري في العالم العربي خاض تجربته بنفس حماس الشعراء الشبان.
في الرواية تميز مشروعه الروائي بالبحث عن أسلوب كتابة حداثي يتجاوز أجيال الكتابة الروائية السابقة مع نكهة عربية. عالج بالخصوص الشخصية الفلسطينية في الشتات من أهم أعماله الروائية “السفينة” و”البحث عن وليد مسعود” و”عالم بلا خرائط” بالاشتراك مع عبد الرحمن منيف.