8 أبريل، 2024 9:34 م
Search
Close this search box.

رواية “العائدون من الغياب”.. الصراع ما بين الحكمة واستغلال البشر

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “العائدون من الغياب” للكاتب السوري “طلال مرتضى” والصادرة عن مؤسسة الرحاب لعام 2020، تتناول في قالب فانتازيا حكاية مليئة بالرموز والإيحاءات، عن قتل الحكمة والتعقل وتسيد الانتهازيين الذين يريدون تغليب مصالحهم الفردية على حساب مصلحة المجموع.

الشخصيات..

تعلن الرواية في بدايتها عن عدد من الشخصيات التي أخذها الكاتب من عالم الروايات الساحر سواء من الشرق أو الغرب.

(مس ماربيل): المحققة البوليسية التي ابتكرتها الكاتبة البريطانية “أجاثا كريستي”.

(سعيد مهران): بطل رواية “اللص والكلاب” ل”نجيب محفوظ” لص محترف لكنه يتمتع بالشهامة والدفاع عن الفقراء.

(بيرت): ابنة مدام (بوفاري) من رواية “مدام بوفاري” لـ “جوستاف فلوبير”.

(جان جرونوي): بطل رواية «العطر» لـ”باتريك زوسكيند” ذلك الرجل المهووس برائحة النساء والذي يقتلهن ليستخلص منهن رائحة عطر مميزة.

(كوازيمودو): بطل رواية “أحدب نوتردام” لـ”فيكتور هوجو” ذلك الرجل القبيح شكلا لكنه طيب وعاشق، يحاول إنقاذ حبيبته من القس الذي يفكر في استغلالها.

(طانيوس): بطل رواية «صخرة طانيوس» ل”أمين معلوف” والذي عاني في حياته من الظلم والاضطهاد وقتل والده ظلما.

وهناك شخصيات أخرى ابتكرها الكاتب..

الشيخ جليل: ولي المفترض أنه صالح يتسيد على تكية تساعد الفقراء والمحتاجين وتأويهم، وله مكانة في المدنية المتخيلة “مدينة الكتب” لكنه في الحقيقة يسعى إلى السلطة وإلى التسيد على الناس ويستخدم مساعدتهم كوسيلة للتسيد عليهم، ويتآمر لكي يكتسب مزيد من السلطة والتسيد.

فضيلة: سيدة القصر الذي تدار فيه التكية، استغلها الشيخ جليل كما استغل بقية النساء في التكية، ودفعها عشقها للشيخ إلى إطاعته وأن تصبح كاتمة أسراره لكنها تجد ذاتها الحقيقية عندما تحب “سعيد مهران” وتتزوجه ووقتها ينقلب عليها الشيخ ويظهر لها شره المستتر.

الفتاة: فتاة صغيرة تدفعها الظروف إلى الهرب من منزل أهلها لتصبح ضحية مثل باقي النساء في التكية، ويستغلها الشيخ جنسيا وترفض هي ذلك لكنها تستلم لقوانين التكية في النهاية وعندما تقع في الغرام تحاول أن تساعد حبيبها طانيوس.

الراوي..

يمكن القول أن الرواي هو راوي عليم يحكي عن كل الشخصيات ويراهم ويحركهم، يبدأ بالتعريف بعضهم، ثم ينتقل إلى الحكي عن عالمين عالم واقعي وعالم خيالي من صنعه ليعود ويربط بين العالمين مرة أخرى.

السرد..

الرواية تقع في حوالي 200 صفحة من القطع المتوسط، تدور في عالم خيالي من صنع الكاتب، هو عالم “مدينة الكتب”، وهي مدينة تشبه باقي المدن، بها الخير والشر، بها شخصيات انتهازية وشخصيات طيبة، مستغلون ومستغلين.

مدينة الكتب..

الكاتب يصنع من خياله تلك المدينة الخيالية التي تعيش فيها شخصيات روائية معروفة مأخوذة من سبع روايات شهيرة غربية وشرقية، وشخصيات أخرى من صنع خيال المؤلف في حكي محمل بالرموز، فالحكيم يقتل لأنه كان يفكر في صنع دواء يشفى به جميع الأمراض، فالخير والعقل والحكمة والثقافة تقتل في مدينة الكتب لصالح قوى الشر التي تريد استغلال البشر وتشغيلهم لصالحها، وقوى الشر متمثلة في “الشيخ جليل” الذي يستغل الدين لتنفيذ أغراضه الشريرة و”بيرت” القوادة التي تستغل النساء لجلب النقود.

شخصيتين كل ما يسعان إليه هو جمع الأموال والاستحواذ على السلطة حتى ولو على رقاب باقي البشر، وهناك صراع بينهما، وكأن “بيرت” و”الشيخ الجليل” يرمزان إلى القوى التي تحاول التسيد على العالم ونهب خيراته وتحويل باقي الناس إلى خدم لمصالحهم.

يقوم “الشيخ الجليل” بإخضاعهم بسلاح الدين ذلك المخدر الذي يخدر ذواتهم وعقولهم ويجعلهم يقتنعون أنه هو الخير المطلق بالنسبة لهم، وأنه حين يستغل النساء جنسيا إنما يطهرهن ويجعلهن حرات وخارج أية سلطة، ولهن الحق في التمتع جنسيا كما يشأن، وحين يستغل الرجال في تنفيذ أعماله يحققون من خلال خدمته الخلاص الذي يسعون إليه. و”بيرت” تنهب أموال الرجال مستخدمة النساء اللواتي تسميهن بناتها.

الاستغلال والنهب هو الأساس والبحث عن قوة الأموال والسلطة في مقابل الحكمة والخير الذي يسعى لخدمة الجميع دون تمييز.

يقتل “الحكيم” لأن “الشيخ الجليل” يريد فرض سلطته المطلقة على “مدينة الكتب”، مثلما تريد الرأسمالية الفاسدة فرض سيطرتها على العالم، متمثلة في البلدان التي يسمونها العظمى أو الغنية أو المتحضرة.

الكشف..

لكن وبمساعدة “مس ماربيل” يتم الكشف عن مؤامرات “الشيخ الجليل” وعن سبب قتل “الحكيم”، لينتهي الأمر بانتشار وباء يصيب الجميع. ويربط الكاتب مرة أخرى بين العالم الواقعي الذي بدأ به الرواية، حين حكي عن مستشفى في إحدى الدول التي يحكمها الديكتاتور وتأتي إليهم فتاة غريبة يسمونها فضائية، وبين العالم الخيالي عالم “مدينة الكتب” فيؤثر الوباء الذي ابتكره “الشيخ الجليل” بمساعدة “جان جونيه” واستخدام أبحاث “الحكيم” ودراساته ليكون هو الوباء الذي انتشر في العالم في السنوات الماضية وباء كورونا.

تعتمد الرواية على هذا القالب الفانتازي وتستخدم شخصيات روائية شهيرة يكاد يعرفها معظم القراء وتعطيهم أدوارا جديدة داخل الحكي، معتمدة على تاريخهم وصفاتهم التي رسمها روائيون سابقون، لتضفر حكاية رمزية تحكي عن الخير والشر والصراع الأزلي بينهما، وعن قوة الحب في مساعدة البشر على العودة إلى ذواتهم وإيجاد الأمان، ومعاني أخرى سامية.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب