16 نوفمبر، 2024 7:04 م
Search
Close this search box.

رواية الصورة الثالثة.. الحرب لا تخلف سوى المآسي

رواية الصورة الثالثة.. الحرب لا تخلف سوى المآسي

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (الصورة الثالثة) للكاتب العراقي “على لفتة سعيد” تتناول تأثيرات الحرب على المجتمع، وخاصة الحلقات الأضعف فيه، المرأة والكادحين.

الشخصيات..

البطل: محسن، كاتب وقاص يعمل في فندق سياحي، حيث يدير المولد الكهربائي عند انقطاع الكهرباء الدوري، ويعيش منعزلا فوق سطح الفندق، وهو من الكادحين يعمل ليعيش بالكاد، شارك في الحرب العراقية الإيرانية وتم تسريحه من الجيش، لكن ظلت ذكريات الحرب محفورة عميقا في داخله. يدخل في علاقة مع امرأة متزوجة.

الأب: أبو البطل، يعمل فراشا في مدرسة، يحرص على تنشئة ولده، ويتحمل مسئولية تربيته وحده بعد أن ماتت والدته وهو صغير جدا، ينصح ابنه دوما ويرعاه حتى بعد أن عاد من الجيش متألما ومكسورا، ثم يموت فجأة وكنتيجة للحرب أيضا، بعد أن أصيب بالسرطان الناتج عن استخدام القنابل المخصبة باليوارنيوم أثناء الحرب.

مهند: شاعر، كادح هو أيضا، يكتب قصيدة النثر ويدخل دوما في صراع مع صديق له ناقد أدبي، يعاني من التورط في حياة غير سوية كمعظم الذين غلبتهم الحروب، يخاف الاقتراب من النساء ويتخيل الحب فقط ليكتبه في قصائده.

ناهض: ناقد أدبي، هو أيضا يعيش حياة غير سوية، يخاف الاقتراب من النساء ولا يملك الشجاعة على ذلك، حتى أنه أراد أن يعاشر سلوي صديقة البطل، حتى لا يكلف نفسه جهد إزاحة الحواجز بينه وبين المرأة، وخوض تجربة عاطفية بمفرده.

الراوي..

الراوي هو البطل الذي يحكي طوال الوقت، عن نفسه ومشاعره وانفعالاته الداخلية، مخاطبا شخصا آخر سيتبين في النهاية أنه هو نفسه.

 السرد..

يعتمد السرد على اطلاع القارئ على تطورات كتابة الرواية، فالبطل طوال الوقت يتحدث عن كتابة قصة “سلوي” ورؤيته لها، وكأنه يشرك القارئ في تجربة الكتابة وصراعاتها وإشكالياتها، كما يعتمد السرد على رصد انفعالات البطل الداخلية، ورصد تأثير الحرب عليه وعلى المجتمع من حوله، تقع الرواية في حوالي 214 صفحة من القطع المتوسط وهي جزء أول من ثلاثية للمؤلف.

ضحايا الحروب..

يتحدث البطل طوال الوقت مع صديق آخر، ليتبين لنا في النهاية أنه يتحدث مع نفسه، كما أنه كان يلجأ للهذيان، هو وأصدقاءه من الجنود، أثناء الحرب حتى يتناسوا الوضع المأساوي الذي وجدوا أنفسهم متورطين فيه. ونجد الحرب دوما في خلفية عقل البطل، الذي بعد أن خرج من إحداها أصبح مسكونا بها، يتذكرها في كل وقت كما أنه يرى تأثيراتها في كل مفاصل الحياة في مجتمعه.

وحين يحب امرأة ويهديه القدر علاقة لا يتعب في الوصول إليها، حيث أنه كان يجد صعوبة في السابق في التعرف على النساء، وكان مصابا بخجل شديد يمنعه من التواصل مع أية امرأة. حين يتعرف بسلوى ويبدأ في الشعور بالأمان العاطفي والنفسي معها وبالإشباع الجسدي، يكتشف أن الحرب تلاحقه أيضا حتى في تلك العلاقة التي جاءت له من السماء.

فسلوى امرأة لجندي أصيب في حرب غزو العراق للكويت، وقد تشوه نصف وجهه، ليس هذا فقط وإنما فقد قدرته الجنسية أيضا، حيث نكلت به الحرب اشد تنكيل، وعاشت هي معه سنوات عشر إلى أن فاض بها، وسعت لإشباع حاجة جسدها الجائع، فتقربت من البطل، لكنه يشعر بالذنب الشديد حين يغلبه فضوله ويلح عليها في أن تحكي قصتها لكي يكتبها، وحين يعرف قصتها كاملة يشعر بالذنب الشديد تجاه زوجها.

الحرب تنكل بالكادحين، الذين يموتون  بالسرطان، أو يعيشون في عوز مادي وعاطفي شديد، ويبيعون أثاث منزلهم أو يعيشون في حاجة شديدة حتى أنهم يشترون السجائر بالكاد، ورغم ذلك فإن المثقفين منهم يتحايلون على العيش ويمارسون القراءة والكتابة بكافة والوسائل والحيل.

محنة المرأة..

محنة المرأة أثناء الحرب وبعدها أكبر، فرغم أنها لا تذهب لميدان المعارك إلا أنها تعاني بشكل مضاعف، تعاني الفقر والعوز، وتتحمل مسؤولية استمرار الحياة وتربية الأطفال، والبقاء على الحياة مستمرة،  وتعاني غياب الحبيب والزوج والأهل من الرجال، وتعاني الفقد عند موتهم، وعند الإصابة تعاني أيضا، فقد عانت سلوى من الفقر ومن ضياع أثاث منزلها لسد الحاجة، لكن المعاناة الأكبر والتي لم تستطع تحملها هي الجوع الجسدي والإهمال، بعد أن فقد زوجها قدرته الجنسية وأصبح عدائيا تجاهها، رغم أنه كان يحبها وكانت علاقتهما قوية، إلا أن إصابته جعلته يبتعد عنها تماما، تاركا الجوع الجسدي والحاجة العاطفية تنهشها، حتى أنها استسلمت بعد عشر سنوات من المعاناة.

استسلمت لنداء جسدها لتحب البطل وتقابله سرا، بعد أن يذهب زوجها إلى العمل، لكن البطل لم يقدر ذلك وتركها بعد أن عرف بإصابة زوجها، وقد ألقى اللوم عليها مطالبا إياها تختار الطلاق من زوجها، وحين سألته عن إمكانية الزواج بها لم يجب وهجرها، مما يعكس ازدواجية المثقف الذي يؤنبه ضميره والذي تكسره الحرب، لكنه لا يشفق على ضحية لها مثله، بل يدينها رغم أنه قبل في البداية أن يتمتع بها جسديا في خيانة لزوجها، لكن ما آلم ضميره هو كون الزوج مصابا في الحرب وفاقدا لرجولته.

تنهي سلوى حياتها البائسة حين لا تجد حلا لمأزقها الحياتي، ويسعى البطل إلى الالتحاق بالحرب مرة أخرى، ويظل الضحايا يدورون في مآسيهم دون حلول للخروج منها لأن الحرب لا تخلف سوى المآسي.

أشار البطل في أثناء حكيه إلى طبقة الأثرياء الطفيليين الذين استفادوا من الحروب، فصاحب الفندق يزداد ثراء باستقباله للأجانب وتوفير وسائل الراحة لهم، ورجال الآمن يدورون للتنكيل بالمواطنين دون وجه حق، ومن يثبت هروبه من الحرب يتعرض للقسوة.
تتميز الرواية بلغة عذبة أقرب إلى اللغة الشعرية منها إلى لغة السرد، كما أنها تناولت المشاعر الإنسانية بعذوبة، مشاعر سلوى التي في حاجة إلى رجل يشعرها بذاتها، ومشاعر البطل الذي وجد في المرأة ملاذا من انكساره وهزيمته.

الكاتب..

“علي لفته سعيد” كاتب وصحفي عراقي، مواليد محافظة ذي قار في سبتمبر 1961

نشر أول قصيدة من شعر التفعيلة في جريدة (الراصد) عام 1976 باسم (علي السقْشَخي) حتى إذا ما بدأ بنشر أول قصة في جريدة (الثورة) عام 1980 كان الاسم “علي لفته سعيد” فهو اسم الأب الذي أرادهُ تميمة اسمه وكحل العين حين يقرأه منشورًا. انطلقت رحلة نشر الأعمال الروائية عام 2000 بنشر رواية “وشم ناصع البياض”.

النتاج الروائي:

  • “وشم ناصع البياض”، 2000.
  • “اليوم الأخير لكتابة الفردوس”، 2002.
  • “مواسم الاسطرلاب”، 2004.
  • “الصورة الثالثة”، 2015.

النتاجات الأخرى:

  • “امرأة من النساء” (قصص قصيرة)، 1988.
  • “اليوبيل الذهبي” (قصص قصيرة)، 1989.
  • “بيت اللعنة” (قصص قصيرة)، 1998.
  • “مداعبة الخيال” (قصص قصيرة)، 2009.
  • “المئذنة” (مسرحية من فصل واحد)، 2011.
  • “أثر كفي” (مجموعة شعرية)، 2013.
  • “مدونات ذاكرة الطين” (مجموعة شعرية)، 2015.
  • “…. نا” (مجموعة شعرية)، 2016.

حاز على:

  • الجائزة التقديرية للقصة العراقية لعام 1989 عن مجموعة “اليوبيل الذهبي” .
  • جائزة الإبداع لعام 1998 عن مجموعة “بيت اللعنة” .

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة