19 ديسمبر، 2024 6:58 ص

رواية “الزفير الحار”.. محنة السجن وظلماته

رواية “الزفير الحار”.. محنة السجن وظلماته

خاص: قراءة – سماح عادل

رواية “الزفير الحار” للكاتبة الكردية السورية “وجيهة عبد الرحمن” تحكي عن تجربة السجن في سوريه قبل الثورة التي حدثت فيها، وكيف كانت أجواء السجن ومشاعر ما تم سجنهم.

الشخصيات..

البطلة: امرأة أربعينية لم تتزوج، تعاني من الشعور بالوحدة وافتقاد لوجود شريك في حياتها، علي قدر كبير من الوعي.

أبو سمير: بطل الرواية الذي يحكي للبطلة عن قصته، وهو رجل إيجابي رغم أنه قضي عشر سنوات من حياته وشبابه في غياهب السجن إلا أنه استطاع أن يواصل حياته ولا ينكسر أو ينهزم أو يتوقف رغم أنه واجه صعوبات حياتية كثيرة.

السجينات: تناولت البطلة قصص لبعض السجينات في جرائم جنائية، وحكت مشاعرهن وأحاسيسهن ومآسيهن.

الراوي..

الراوي هو البطلة، التي تحكي بضمير المتكلم وتنقل حكي البطل في صورة علي لسانه، ونري الشخصيات التي تحكي عنها البطلة وقصصهن التي سمعتها منهن، ثم شخصيات يحكي عنها البطل سواء عاش معها وتفاعل معها في علاقات، أو عايشها في السجن.

السرد..

الرواية قصيرة تبلغ حوالي 126 صفحة من القطع المتوسط، وهي أول رواية للكاتبة التي كتبت الشعر والقصة القصيرة، والميزة في السرد أنه تناول تجربة السجن بشكل جيد يخرج عن إطار الكتابة الصادمة التي تجعل القارئ يعيش واقع السجن بشكل كابوسي . رغم أنها تناولت موضوع مأساوي صعب إلا أنها تناولته في إطار الحكي عن المشاعر الإنسانية التي تنوعت ما بين الانجذاب والحب والحنين لأناس كان يعرفهم البطل، ورغبة البطلة في أن تعيش حياتها كامرأة.

كما تناولت الإيجابيات داخل تجربة السجن لدي البطل أيضا، فنشعر كقراء أنها تحكي تجربة إنسانية متكاملة لا تثقل علي النفس أو تحملها مشاعر وأحاسيس قاسية.

تجربة السجن..

تمثلت تجربة البطل في أنه قد دخل السجن بسبب انتمائه لحزب سياسي معارض للسلطة التي تحكم قبضتها علي الشعب منذ سنوات طويلة، ولأنه عارض السلطة وانتمي لحزب يساري ضاعت من عمره عشر سنوات، أربعة سنوات في انتظار أن يحكم عليه بجرم لا يعرفه والسنوات الست الأخيرة قضاها بعد أن حكم عليه في ظل إجراءات لا تعترف بالقوانين العادية للدول.

لكنه مع أنه قضي سنوات شبابه في السن في غرف ضيقة ومظلمة وتحت رحمة سجانين مرضي إلا أنه حكي عن إيجابيات التعاون ما بين السجناء وعيش تفاصيل المشاركة في إدارة شئون حياتهم، حتى وهم تحت رحمة السجانين. فقد استطاع هؤلاء المساجين أن ينظموا حياتهم وأن يكون لهم دورا في إدارتها، حتى أنهم ضغطوا في ذات مرة علي إدارة السجن لكي تزيد نصيب المسجون من الحليب، وكان هذا التعامل الإنساني ما بين المسجونين علي مختلف انتماءاتهم مصدر فخر لأبي سمير.

كما حكي عن حرمانه من عيش حياة طبيعية وكيف أنه كان يجد خصوصيته في مساحة السرير التي يشغلها، ويضع صورا لنساء يشعلن خياله ويشعرنه بالحياة ليقابلهن في الأحلام.أو صور لأخبار من الجرائد.

كما حكت البطلة عن تجربة السجينات اللاتي قابلتهن في إطار بحث لها كانت تنتوي إجراءه، لكنها حكت من خلال عيون امرأة حرة تطلع علي سجينات وصورت كيف يعشن ويمارسن حياتهن اليومية داخل السجن.

الجرائم نتيجة..

وحكت البطلة عن جرائم لبعض النسوة وربطت تلك الجرائم بتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في سوريه، مما سبب تلك الجرائم ربما. وكانت البطلة تحكي من منظور التعاطف مع النساء اللاتي أجبرتهن الظروف علي ارتكاب الجرائم أو دخول السجن بتهم لم يفعلوها بإرادة حرة. نتيجة لتردي أوضاع النساء بشكل مضاعف في مجتمعات تظلم مواطنيها.

الحياة ما بعد السجن..

كما حكت الرواية عن صعوبات حياة أبو سمير ما بعد عشر سنوات قضاهم في السجن، وكيف فقد علاقته بأبنائه الذين شعروا أنه إنسان غريب عنهم، بعد أن استطاعوا تدبير حياتهم من دونه، وكيف خربت علاقته مع زوجته من سنوات البعد والجفاء، وفقد حب حياته سناء التي لم تكن حياتها هي أيضا جيدة وإنما عانت في الحياة. ويعود كل ذلك إلي سوء أحوال المجتمع السوري الذي يؤثر علي حياة الناس.

الحب وسط الخراب..

كانت مشاعر الحب وسط حكي البطل ووسط حكي البطل بمثابة الحكي العذب الذي يلطف من حدة وقسوة الموضوع المحكي عنه، فقصتها مع البطل الذي شعرت بالانجذاب نحوه وهي المرأة التي لم ترتبط برجل والتي قضت سنواتها الأربعين وحيدة وكيف تجاوبت مع لمساته الحانية الودودة، وبدأت تشعر أنها امرأة مرغوبة وبإمكانها أن تبدأ حياتها رغم عدم استمرار ذلك.

وأيضا قصة حبه ل”سناء” التي بحث عنها بعد خروجه من السجن وشعوره أنها النور الذي سيضيء روحه التي خربتها جدران السجون ورطوبتها. كل تلك العذوبة خففت من قسوة تجارب السجون في مجتمعات لم تخرج بعد من عالم الظلمات.

اعتمدت الرواية علي تصوير عميق للشخصيات ورصد دقيق للمشاعر والأحاسيس التي تدور داخل الشخصيات وعلاقاتهم بمن حولهم وبالحياة، كما سعت لعمل حكي بلغة أقرب إلي الشعرية، لغة منتقاة بعناية.

الكاتبة..

“وجيهة عبد الرحمن” شاعرة وقاصة وروائية سورية كردية، تكتب باللغة العربية وتبدع بها كلغتها الأم، اهتمت في كتاباتها بسيكولوجية المرأة، اهتمت بقضايا الطفل والأسرة، صدرت لها في سوريه، ثلاث مجموعات قصصية هي “نداء اللازورد” 2006، و”أيام فيما بعد” 2008، و”أم لوهم البياض” 2010. وفي القاهرة، 2011 أصدرت ديوانها الشعري “كن لأصابعي ندى” عن دار رؤية، ورواية “الزفير الحار” عن نفس الدار في مارس 2012 ، حصلت على عدة جوائز منها جائزة اتحاد الكتّاب العرب عام 2006، وجائزة عبد السلام العجيلي للقصة القصيرة 2008، وجائزة مجلة العربي الكويتية لخمسة أعداد عام 2010- 2011، كما حصلت على المركز الأول في جائزة نجيب محفوظ على مستوى الوطن العربي 2012 . عملت مراسلة ثقافية لمجلة الجسرة الثقافية بدولة قطر، و نائب مدير تحرير وكالة عرار لشئون سوريا الأدبية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة