27 نوفمبر، 2024 3:30 م
Search
Close this search box.

رواية الذئاب على الأبواب.. شجاعة المواجهة وسط فوضى الصراعات

رواية الذئاب على الأبواب.. شجاعة المواجهة وسط فوضى الصراعات

 

خاص- قراءة- سماح عادل

رواية “الذئاب على الأبواب” للكاتب العراقي الكبير “أحمد خلف” رواية مميزة، تحكي عن تحولات المجتمع العراقي في فترة زمنية طويلة، من خلال بطل إشكالي ضد، يبدو في البداية مهزوما، ومحاطا بظروف تقهره، لكنه في النهاية يفضل المواجهة على الهروب.

الشخصيات..

يوسف النجار: البطل، الذي تدور حوله الرواية، يتعرض لظروف قاهرة، لكنه لا تخصه وحده، وإنما هي ظروف تطال معظم الناس، نتيجة للتغييرات الهائلة في المجتمع.

عبير: صديقة البطل، والتي يكن لها مشاعر حب، وتؤنس وحدته بعد أن حدثت له مصيبة كبيرة.

فاضل نعيم: مقاول، تطور وضعه الاجتماعي والاقتصادي نتيجة لانهيار المجتمع بعد غزو أمريكا، والتغييرات السياسية الحادة، وهو يعد شخصية نموذج، تعبر عن شخصيات طفيلية كثيرة ظهرت في المجتمع العراقي بعد غزو أمريكا له في 2003.

وهناك شخصيات أخرى تخدم الأحداث التي تروى، وتتفاعل مع البطل الرئيسي.

الراوي..

الراوي عليم، يتميز بأنه واضح في الرواية، يتحدث بصوته، ويعلن أنه سيحكي ويروي عن البطل الذي ربما تخفى عليه بعض الأمور، ويتنقل الحكي بين الراوي العليم الذي أعلن عن نفسه بوضوح للقارئ، وأظهر نفسه وكأنه مرئي، ويحكي عن البطل بضمير الغائب، وبين البطل “يوسف النجار” الذي يحكي بصوته وضمير المتكلم.

السرد..

الرواية محكمة البناء، تقع في حوالي 322 صفحة من القطع المتوسط، يعتمد السرد على التداعي الحر، حيث يحكي الراوي والبطل أحداثا متفرقة، متنقلا ما بين الماضي القريب والماضي البعيد وحاضره، ومبينا مشاعره وانفعالاته الداخلية إزاء ما يحدث في كل الأزمنة، وتنتهي الرواية نهاية ايجابية تقلب مصير البطل الذي بدا مهزوما مستلبا وحائرا في البداية، ليقرر في نهاية الرواية مواجهة أعدائه بنفسه وليكن ما يكون حتى لو مات ليموت بطلا.

التحولات السياسية والاجتماعية..

الرواية تحكي عن “يوسف النجار” الذي وجد نفسه فجأة ضحية لانفجار منزله، وخسارة عائلته الصغيرة زوجته وابنته، ولم يفهم لما استهدف هو بهذا التفجير رغم أنه مسالم وليس له أعداء، وفي وسط حيرته مما حدث له من كارثة كبرى، والتي لم تتوقف عند حد خسارته أهله وبيته بل امتدت لتهديد حياته وأمنه هو الآخر، ليتلقى رسائل تهديد من أناس لا يعرف عنهم شيء، ولا لما يعادونه وينتون تصفيته والانتقام منه.

ويبدأ الراوي العليم في حكي الأحداث وتفاصيلها متتبعا حياة “يوسف النجار” في الحاضر، والذي اضطر إلى العيش في أحد الشقق السكنية الصغيرة، في عمارة لا تلفت الأنظار، في أحد الأحياء الشعبية، لكنه يظل يشعر بالخطر. والذي تصادفه زميلة قديمة من الجامعة تكون بمثابة المنقذ له من وحدته حيث يقترب منها.

ثم يسترجع الماضي، راصدا تحولات المجتمع العراقي، يحكي الراوي عن الحرب، وكيف نفي “يوسف النجار” في منطقة صحراوية هو ومجموعة من الجنود، وقد تخلت عنهم القيادة العسكرية لأنهم خالفوا أوامرها وكانت تلك المنطقة الصحراوية بمثابة منفى وأيضا منطقة يموتون فيها.

ولم يحاربوا أو يجدوا أعداء ليشعروا بشعور البطولة كأي جندي يلتحق في الجيش وإنما أصبحوا منسيين ومنفيين، ويعاني يوسف النجار الذي كان قائد تلك المجموعة ما بين التزامه نحو جيش وطنه، ومابين تمرد الجنود وشعورهم باليأس والإحباط الذي دفعهم لمحاولة إنقاذ حياتهم أو الاتجاه إلى الموت بإرادتهم.

ويحكي “يوسف النجار” عن أمه التي كانت ابنه لأحد الضباط، والذين كانوا يحوزون المجد الاجتماعي بسبب حركة الضباط في الخمسينات، وقد كانت أمه سيدة قوية مناصرة لحقوق المرأة وذات شخصية قوية ورأي في عائلتها، لكنها عانت من إهمال زوجها وعناده بعد أن مل الانصياع لها ولسلطتها، كما عانت فراق ابنها الثاني الذي فر بعد انتفاضة 1991 ولم تعرف عنه شيئا وماتت كمدا بسبب ذلك.كما مات والد البطل حزنا على زوجته التي قهرها بتجاهله وعناده.

عاش البطل “يوسف النجار” حياة مليئة بالمآسي والقهر، لكنه ليس وحده، فقد عاش كثير من العراقيين حياة ملؤها المآسي والأحداث القاسية. لذا لم يذكر الراوي تفاصيل كثيرة عن “يوسف النجار”، ليكون بطلا يعبر عن أبطال كثيرين داخل المجتمع العراقي، وشخصية نموذج تمثل شخصيات كثيرة في المجتمع. كما أنه صرح كراو بأنه لم يذكر تفاصيل أكثر عن “يوسف النجار” كي لا يتورط في فخ العنصرية، وكأنه يعبر عن فئة دون أخرى داخل المجتمع.

وكان “يوسف النجار” ذلك البطل الإشكالي الذي لا يرض بحال مجتمعه الذي ينتقل من سيء إلى أسوأ، ويشعر بالاغتراب والاستلاب داخله، لكنه مع ذلك يرفض الهروب مثل الكثيرين الذي هربوا من جحيم المجتمع، واختاروا أن يعيشوا حياة هانئة وآمنة بعيدا.

الحفاظ على المبادئ وسط خراب..

يتفرج “يوسف النجار” على تحولات مجتمعه دون أن يتورط فيها، ودون أن يتخلى عن مبادئه وأخلاقه، هو بالأحرى يترفع عنها، فيبقى محافظا على قيمه ومبادئه، متحسرا على مصير مجتمعه وعلى الناس الذين يتعذبون كل صنوف العذاب.

يكمل الراوي رصد تحولات مجتمعه، فبعد حرب الثمانينات البغيضة التي طالت جاءت الحرب الأخرى، ثم الحصار، ثم استعمار بلاده على يد أمريكا، والتي تخيل البعض إنها سوف تنقذ المجتمع، لكن الاحتلال الأمريكي بدلا من إصلاح أوضاع مجتمع عاني سنوات طوال من نظام ديكتاتوري وحشي مستغل، تعمد أن يزيد ذلك المجتمع انهيارا ودمارا، من خلال سياسة الفوضى الخلاقة، فغذى الصراعات الطائفية، ونهب الدولة، خيراتها ومؤسساتها وحتى نهب بيوت الناس، شجع على ظهور الميليشيات والعصابات وجماعات تتخفى وراء ستار الدين لكي تنشر الجرائم والاقتتال على أساس الهوية، وعلى أساس الطائفة والعرق.

كما نما الفاسدون كالحشرات الطفيلية، ينهبون أموال الدولة التي تفككت، فقد حل الجيش وخربت باقي المؤسسات، واستنفذت ثروات البلاد وتم تقسيمها بين الفاسدين والمجرمين ومشعلوا الفتن، ومن يقف أمامهم يتم اغتياله، بالإضافة إلى رعايتهم للتفجيرات والاختطافات والقتل الغادر والوحشي.

شجاعة بطل..

الرواية رغم رصدها لواقع محمل بالأسى إلا إنها احتوت على مشاهد عذبة، حيث يصف الراو كيف يتقرب “يوسف النجار” من “عبير” على مستوى الروح ومستوى الجسد، في مشاهد عذبة ورقيقة ومليئة بالمشاعر الإنسانية، كما يصف كيف كان يشتهى زوجته، ووصف اشتهاءه لإحدى الجارات التي فاجأته في أحد الأيام بصينية طعام. كما حين وصف أمه وجمالها، وشعورها كامرأة مهجورة من زوجها.

الرواية اعتمدت على لغة مميزة، وعلى بطل يتميز بالكرامة والعزة والأنفة، الذي رغم سوء أوضاعه إلا أنه لم يتخل عن إنسانيته وكرامته، وفي النهاية واجه أعداءه بشجاعة بطل.

الكاتب..

“أحمد خلف” قاص وروائي عراقي، يحتل مكانة هامة بين العراقيين  المعاصرين باعتباره أكثر عطاء منذ ستينيات القرن العشرين. يحاول في عالمه  الروائي والقصصي، أن يحلل التناقضات الاجتماعية والثقافية وكان ضد ثقافة الاستبداد من أجل بناء مجتمع عراقي ديمقراطي يعترف بالرأي والرأي الآخر.

عمل في مجلة الأقلام عام 1985، وأصبح محررا ثقافياً بدرجة سكرتير تحرير. في عام 2010 تولى رئاسة تحرير مجلة الأديب العراقي الناطقة باسم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.

أعماله..

عام 1969 ظهرت قصته الشهيرة “خوذة لرجل نصف ميت” في مجلة الآداب البيروتية. وقد حظيت باهتمام النقد الأدبي.

عام 1974 صدر كتابه الأول “نزهة في شوارع مهجورة” مجموعة قصصية.

عام 1978 صدر كتابه الثاني بعنوان “منزل العرائس” قصص.

عام 1980 صدرت روايته الأولى والتي حملت عنوان “الخراب الجميل”.

عام 1986 صدر له كتاب نقدي مشترك عن القصة والرواية العراقية.

عام 1990 صدر كتابه “صراخ في علبة – مع رواية – بعنوان (نداء قديم)”

عام 1995 أصدر مجموعة قصصية بعنوان “خريف البلدة” وعدت أفضل مجموعة قصصية، وفاز بجائزة الإبداع في العام نفسه.

عام 2000 اصدر مجموعة قصصية بعنوان “تيمور الحزين”.

عام 2001 صدرت له في دمشق مجموعة مختارة من قصصه بعنوان “مطر في آخر الليل”.

عام 2002 صدرت روايته المعروفة “موت الأب”.

عام 2005 صدرت له في دمشق عن دار المدى رواية “حامل الهوى”.

عام 2008 صدرت له رواية بعنوان “محنة فينوس”. وتتعرض الرواية إلى مسألة الاضطهاد السياسي والاجتماعي في العراق قبل سقوط النظام، من ويلات ومحن في السنوات التي تلت السقوط.

عام 2009 صدرت له رواية بعنوان”الحلم العظيم” نشرت بواسطة دار المدى.

وصدرت رواية “الذئاب على الأبواب”  2018 في القاهرة.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة