خاص: قراءة- سماح عادل
رواية (الحياة لحظة) للكاتب العراقي “سلام إبراهيم” تحكي عن محاولة رجل عراقي الاستمتاع بالحياة في ظل شروط لا تسمح بذلك، وتكشف حقائق هامة عن الثوار الذين كانوا يعادون النظام العراقي السابق.
الشخصيات..
إبراهيم: البطل، تم اعتقاله من قبل السلطة أكثر من مرة، فقد أخ وأقارب ماتوا في معتقلات النظام السابق، سافر للنضال في كوردستان ثم إلى إيران وروسيا والدنمارك. يعاني من فقدان التوازن بسبب الكوارث التي حلت به.
زوجته: يتذكرها البطل دوما لكن ليس لها حضور داخل الرواية، إلا بتفاعلها مع البطل وتأثيرها عليه ثم هجره وطرده في النهاية.
وهناك شخصيات أخرى ثرية داخل الرواية لكنها جميعا تتفاعل مع البطل ويقدمها الراوي من خلال وجهة نظر البطل.
الراوي..
الراوي عليم، يحكي عن البطل إبراهيم بشكل أساسي، يكشف مشاعره وأفكاره وانفعالاته، ويحكي عن باقي الشخصيات من خلال رؤية إبراهيم وانطباعاته وحكاياته ومعايشته لهم، أو من خلال حكايات الآخرين عنهم والتي عرفها إبراهيم من شخصيات أخرى.
السرد..
الرواية طويلة، تقع في حوالي ٥١٠ صفحة من القطع المتوسط، محكمة البناء، رغم طولها تحتفظ بقدرتها على جذب القارئ حتى النهاية، السرد يتنقل ما بين الوقت الحاضر وما بين الماضي، والأحداث تسير بشكل تصاعدي يتخللها تذكر مشاهد أو مواقف في الماضي تكشف عن تاريخ شخصية ما، أو يستدعيها ذهن البطل. الحوار كشف عن تنوع وتميز باقي الشخصيات، وهو باللهجة العراقية البسيطة مع الفصحى. والنهاية مفجعة.
وجع..
تحمل الرواية كم كبير من الوجع، يحمله البطل إبراهيم معه أينما رحل، وجع فراق الأحبة والأصدقاء الذين قتلوا غدرا في سجون النظام السابق، ويحمل وجع ما عاناه من تعذيب في سجون النظام، ومن حياة صعبة وقاسية حين انتقل إلى الجبل ليناضل مع الكورد، ثم تنقله في بلدان أخرى، وقد وقف طويلا عند روسيا وشعوره بالاغتراب فيها.
فقد تركته زوجته وطفليه لأجل السفر إلى الدنمارك وبقى عدة أشهر في روسيا يعاني من الوحدة والشعور بالاغتراب، لا يجيد اللغة الروسية، يلجأ إلى الشراب حتى ينسى وحدته وأوجاعه، يتقابل مع رفاق كثيرين يلجئون إلى شقته الصغيرة كملجأ آمن لحين إنهاء معاملتهم في اللجوء أو التنقل بين البلدان، ويتذكر معهم ومن خلالهم حياته السابقة وقساوتها، ويتذكر وطنه الذي حرم منه.
تعذيب..
أهم ما يميز الرواية كشفها لما كان يفعله من يعرفون بالثوار والمناضلين الذين كانوا يعارضون النظام العراقي في ذلك الوقت، لكن بعض منهم كان يقوم بتعذيب وحشي للقادمين بغرض الانضمام إليهم ولم يكن يزكيهم أحد. كان الشك سائدا بشكل كبير في صفوف من يحاربون النظام ويواجهونه في كردستان، وكان النظام يرسل عملاء له ليندسوا وسط صفوف الثوار ويعرفوا عنهم كل شيء، ليس ذلك فقط وإنما يقتلونهم بالسم أو ما شابه. لذا كانوا يشكون في أي قادم ولا يوجد من يؤكد معرفته به، فكانوا يحبسون من يشكون بهم في أماكن عملوها للاحتجاز وكانوا يعذبونهم تعذيبا مثل تعذيب السلطة، بالضرب وبالتخويف والقسوة، ومنهم من قتل أناس كانوا يشكون بهم وتبين فيما بعد أنهم أبرياء. ربما تكون أجواء الشك والريبة في صفوف الثوار أمر طبيعي لأن السلطة كانت تنتهج نهجا منظما في تصفيتهم واختراقهم، لكن البطل يتساءل هل تعذيب وقتل الناس على أيدي الثوار ومن يقولون أنهم يتمسكون بمبادئ إنسانية تنتصر للكادحين والمظلومين يختلف عن التعذيب والقتل بيد السلطة الغاشمة. وما الفرق إذن ما بين الفعلين.
اغتراب وتغييب..
لا يستطيع البطل التكيف مع ظروفه المتغيرة بشراسة فيلجأ إلى الخمر والتغييب، وزوجته لا تتفهم ذلك ولا تحاول مساعدته أو ربما تشعر بثقل العبء أكثر فتقرر طرده. يعيش فترة في حالة دوار ثم يعالج من إدمانه للشراب ويفكر في العودة إلى وطنه، بعد إزاحة السلطة وغزو أمريكا له. لكنه يذبح على أيدي المتشددين دينيا والذين تكاثروا بعد انتشار الفوضى والخراب..
الرواية تصور محنة العراقي الذي وجد نفسه عرضة لأشكال التنكيل والتعذيب والقهر من السلطة، وحتى من الثوار أنفسهم والذين كانوا بحكم الظروف السياسية جماعات منغلقة ومتشددة، رغم أن إطار أفكارهم متحرر ويدعو للحرية. ثم تعنت البلدان التي كانت تعامل اللاجئين العراقيين ببطء وبطريقة لا تتناسب مع فداحة أوضاعهم، كما أن العراقي نفسه وإذا تهيأت له الظروف واستطاع أن يجد مكانا آمنا في إحدى البلدان الغربية يعاني من الوحدة والاغتراب، وربما عدم التكيف والتأقلم ويعاني من وطأة الوجع الذي لا ينمحي بمرور السنوات.
كما كشفت الرواية عن أحوال الروس في فترة حكم “جورباتشوف”، وبداية تحلل الكيان السوفييتي. ذلك الحلم الذي داعب خيال ملايين ممن أيدوا الشيوعية في العالم، وكانت روسيا أو الاتحاد السوفيتي بالنسبة لهم الجنة التي تحققت على الأرض، يكتشف البطل بمجرد وصوله وعيشه فيها أن الروس من أكثر الشعوب بؤسا ومعاناة، فلم يكن النظام الشيوعي عادلا ولا موفرا للمساواة، وإنما كان يفقر الأغلبية من الشعب ويوفر لهم حياة خالية من مقومات الحياة الكريمة ومن يتمتعون بالرفاهية والغنى هم القيادات العليا في الحزب والسلطة.
اعتمدت الرواية على لغة عذبة وحكي جذاب ورسم عميق للشخصيات وكشف صريح لمساوئ وسلبيات دون مواراة أو محاولة تجميل لها، ورصدت الوجع العراقي بعمق.
الكاتب..
“سلام إبراهيم” كاتب عراقي، بدأ بكتابة القصة القصيرة أوائل السبعينيات، نشر أول قصة قصيرة له في صحيفة “التآخي العراقية” 1975. كتب أكثر من خمسين قصة قصيرة منذ ذلك التاريخ وحتى 1994.
عاود النشر ثانية عام 1987 في الصحف والمجلات العراقية والعربية: الثقافة الجديدة، عيون، البديل، القدس العربي اللندنية، الحياة اللندنية، السفير، الاغتراب الأدبي، الزمان، صحف المعارضة العراقية، النهار البيروتية، إبداع المصرية، المسلة، ألواح، صباح الخير اللبنانية، أخبار الأدب المصرية، الصباح العراقية، الصباح الجديد العراقية وغيرها من الصحف والمجلات.
ـ صدر له:
1ـ “رؤيا اليقين” مجموعة قصص ـ بيروت 1994.
2ـ ” رؤيا الغائب” رواية ـ دمشق 1996.
3ـ “سرير الرمل” مجموعة قصص ـ دمشق ـ 2000.
4ـ “الإرسي” رواية – القاهرة 2008.
5- الحياة لحظة رواية عن الدار المصرية اللبنانية – القاهرة – 2010.
6- “في باطن الجحيم” رواية عن وزارة الثقافة – بغداد – 2013.
7- “في باطن الجحيم” مترجمة إلى الإنكليزية عن دار – صافي – الولايات المتحدة الأمريكية 2014.
8- “حياة ثقيلة” رواية – القاهرة 2015.
9- “إعدام رسام” رواية – القاهرة 2016.