15 نوفمبر، 2024 9:24 ص
Search
Close this search box.

رواية الحياة الجديدة.. الغزو الرأسمالي لتفاصيل الحياة اليومية التركية

رواية الحياة الجديدة.. الغزو الرأسمالي لتفاصيل الحياة اليومية التركية

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “الحياة الجديدة” للكاتب التركي “أورهان باموق” إصدار “الانتشار العربي”، ترجمة “سها سامح حسن”، تتناول في حكاية مليئة بالتشويق الغزو الغربي لكل تفاصيل حياة الأتراك، من خلال سلع استهلاكية تمحي بضراوة الذاكرة الجمعية للشعب وتفاصيله المحملة بخصوصيته.

الشخصيات..

البطل: “عثمان عاكف” شاب في العشرينات من عمره، تبدأ حكايته بأنه يقرأ كتابا يحول حياته، يجعله راغبا في تغيير حياته في الهرب منها بحثا عن عالم جديد، وعده الكتاب به، وبالفعل يبدأ في البحث عنه ليعود ويكتشف مفاجآت خاصة بالكتاب.

جنان: فتاة عشرينية صادفها “عثمان” في الجامعة وكانت تقرأ الكتاب وتعرف عليه من خلالها، وقع في غرامها لكنها أبدا لم تحبه لأنها كانت تحب شخصا آخر، ثم رحلت في النهاية وتزوجت من طبيب وعاشت في ألمانيا، فتاة رقيقة جميلة شاركها “عثمان” لفترة من الزمن في البحث عن العالم الجديد، وفي رحلات متواصلة قضاها سويا “جنان” و”عثمان” في الحافلات.

محمد- ناهيت: هو الفتي الذي تحبه “جنان” اسمه “ناهيت” وهو من أسرة ثرية، لكنه حين قرأ الكتاب أصابه الهوس وبحث عن ذلك العالم الجديد الموعود، لكنه اكتشف أنه وهم وعاد ساخطا رغم أن “جنان” انبهرت مثله وحاولت مشاركته هوسه بالكتاب، إلا أنه تنكر لأهله وأوهمهم أنه مات في حادثة حافلة، ثم هجر “جنان” وارتضى بالعيش في هدوء في إحدى الأماكن النائية، ووجد الرضا عن حياته واستسلم لأن يقوم بعمل بسيط وهو إعادة نسخ الكتاب الذي أبهره، لكن “عثمان” قتله حتى يستطيع الفوز ب”جنان”.

دكتور فاين: هو أبو “ناهيت”، لديه أربعة أبناء، ثلاث إناث وذكر، وكان يعتبر ابنه هو وريثه، وريث ثروته ووريث حلمه في أن يقاوم غزو السلع الاستهلاكية الغربية، التي قضت على تجارته والتي لم تجعله يخسر فقط، وإنما أفقدته هو وباقي التجار التمتع بالسلع الأصيلة التي كان يبيعها، والتي تعبر عن خصوصية الناس وذاكرتهم الجمعية، لذا قرر أن يقوم بتنظيم حركة مناهضة لحركة الغزو الغربي لتركيا، عن طريق الاحتفاظ بالسلع القديمة، وحاول الاحتفاظ بابنه عن طريق مراقبته، لكنه لم يعرف أبدا أن ابنه أوهمه أنه مات في حادثة ليهرب منه.

العم رفقي: هو جار ل”عثمان” وهو أيضا صديق والده، يعمل في السكة الحديد مثلما كان يعمل “عاكف” والد “عثمان”، وكان “العم رفقي” متزوج لكنه لم ينجب وكان يحب “عثمان” مثل ابنه، وكان يؤلف قصصا للأطفال يجمع فيها بين الأبطال الأمريكيين الذين يقومون بالمغامرات وبين أبطال أتراك، حتى يعزز لدى الأطفال أن الأتراك أيضا ممكن أن يكونوا أبطالا مثل الأمريكيين، ولقد ألف الكتاب، ذلك الذي انهبر به “ناهيت” و”عثمان” و”جنان” وعدد كبير من الشباب، رغم أنه كان لغزا إلا أن “عثمان” سيكتشف أن “العم رفقي” هو من ألف الكتاب.

الراوي..

الراوي هو البطل “عثمان”، يحكي عن نفسه طوال الرواية ويحكي عن مغامراته وأحاسيسه وصراعه الذاتي، ويتناول كل الشخصيات من خلال تأثيرهم عليه، ويقوم الراوي في مواقع كثيرة بكسر الإيهام ومخاطبة القارئ بشكل مباشر، مفسرا أحيانا لما اتجه بالسرد إلى ناحية معينة، أو معلقا على بعض الأحداث، أو مجادلا القارئ ومتوقعا رد فعله على البطل، وكيفية تصوره له.

السرد..

يسعى السرد ليكون تشويقيا لكنه يغرق في توصيفات طويلة قد تؤدي ببعض القراء إلى الملل، رغم ذلك يتمتع السرد بثراء وغنا فهو يتمتع بتصوير سينمائي للأماكن والشخصيات والروائح والألوان وللماضي الجميل الممتع والحاضر الذي له صبغة غربية، الرواية تقع في حوالي 386 صفحة من القطع المتوسط، وتعتبر رواية طويلة نسبيا، تعتمد على المغامرة، مغامرة البطل التي تكاد لا تنتهي في البحث عن معنى حياته،  وفي استمرار البحث عن لغز الكتاب ومؤلفه وعن ارتباطه به.

تركيا والغزو الغربي..

أهم فكرة تتناولها الرواية والتي تعد بمثابة محورها هي الغزو الوحشي والقاسي لكل مظاهر الحياة في تركيا، حيث لم تكتفي أمريكا والرأسمالية العالمية بغزو عسكري أو اقتصادي وإنما تسربت إلى المجتمع التركي- وفي الواقع باقي المجتمعات- عن طريق الغزو الاستهلاكي عن طريق غزو السلع المادية البحتة التي تخلو من الحياة، التي تطبع المجتمعات بطابع واحد (الكوكاكولا والهامبرجر واللبان والصابون المعطر والشيكولاته ذات الماركات العالمية وسجائر المارلبورو والجينز، والأفلام السينمائية التي أصبحت معروفة السيناريو والأحداث) وغيرها من تلك السلع الرأسمالية الكبيرة التي قضت على الإنتاج المحلي لتركيا، والذي كان يحمل خصوصية الناس وذكرياتهم وحياتهم اليومية الحميمية.

ذلك الغزو الرأسمالي لتفاصيل الحياة اليومية قوبل بمقاومة في البداية، متمثلا في الرواية ب”دكتور فاين” الذي كان تاجرا وحزن، ليس فقط لفقدان تجارته لصالح الغزو السلعي الكبير، وإنما حزن أيضا على فقدانه لروائح وذكريات ماضيه الجميل وفقدان أهله لذلك، وقرر أن يقاوم بأن يؤسس لتنظيم سري من التجار المحبطين، لكنه فشل بسبب مقاومة السلطة والشرطة له كما خسر ابنه الذي أخذه هوسه بأحد الكتب.

مغامرة الكتاب..

سعى الكاتب لتوضيح ذلك التحول القاسي الذي يحدث لبلاده نحو ما يعرف ب”التحضر”، في حين أنه في حقيقة الأمر استجابة للغزو الغربي، للعولمة، للانمساخ بأصابع الرأسمالية العالمية، لتتحول تركيا لنموذج مشابه لباقي الدول التي تحولت طرقها وشوارعها ومبانيها، وكل شيء فيها إلى نموذج مصغر من أمريكا، لكنه سعى لأن يكشف عن فكرته الرئيسية من خلال مغامرة تشويقية، تعتمد على بحث البطل “عثمان عاكف” عن حياة جديدة بعد أن قرأ كتاب بعنوان “حياة جديدة”، كان أشبه باكتشاف له ليتعرف بعد ذلك على “جنان” وعلى “ناهيت” الذي أصبح فيما بعد “محمد”، ثم بعد تجوال لعدة شهور في الحافلات مع “جنان” يتعرف على “الدكتور فاين”، ويقرأ تقارير المخبرين الذين بعثهم وراء ابنه للتعرف على لغز الكتاب، ويكتشف “عثمان” أن “العم رفقي” هو من كتبه وأنه قتل لأجل ذلك، ويكتشف أيضا أن “العم رفقي” قد كتب “عثمان” نفسه، وأنه هو بطل الكتاب الذي انبهر به، وأن ما جعله منبهرا به كونه وجد نفسه فيه، ولا تتوقف المغامرة حتى بعد أن يتزوج “عثمان” من فتاة أخرى وينجب طفلة صغيرة، وتمر سبع سنوات على فقدانه ل”جنان” وعلى قتله ل”محمد” وهجره ل”دكتور فاين” الذي طلب منه أن يكون ابنه، وبعد سبع سنوات سيواصل البحث مجمعا بعض أجزاء من اللغز ليكتشف أن “العم رفقي” قد تأثر في كتابة بمصادر كثيرة من كتاب عرب وغربيين.

الحب محرك..

في الرواية الحب كان محركا للبطل، كانت بداية تعرفه على الكتاب حين أمسكت “جنان” بالكتاب ووضعته أمامه على المنضدة، ولذا بحث عنه وقرأه وبدأت رحلته معه، وفي الواقع هو استمر في تلك الرحلة لأن “جنان” هي من شجعته على ذلك، فقد اعترف أنه لم يكن مهموما بالبحث عن الكتاب وإنما كان مهموما بالبحث عن “جنان”، وبالتواجد بقربها وحين تيقن من أنها تحب ناهيت- محمد قتله، رغم أنه كان معجبا به وبوصوله أخيرا إلى السلام النفسي والرضا، وكان يتمنى أن ترضى عنه “جنان” وتبادله نفس الحب، لكنها رحلت وابتعدت عنه تماما، وظل يفكر فيها بعد ذلك بسنوات وحزن عندما علم أنها تزوجت بطبيب وسافرت إلى ألمانيا.

الرواية..

رواية “الحياة الجديدة” هي الرواية الرابعة للكاتب التركي “أورهان باموق”، أثارت ضجة في تركيا بمجرد نشرها في عام 1995، وتعتبر من أكثر الكتب مبيعاً في التاريخ التركي، ففي روايته هذه، غاص الكاتب في اسطنبول الحاضر والتاريخ، واستطاع الاستفادة من موقعه الجغرافي والتاريخي، فقد ولد في مدينة تقع في آسيا وأوروبا، مدينة كانت عاصمة بيزنطية وصارت عاصمة للعثمانيين باسم الخلافة الإسلامية، ولد في تركيا العلمانية بعد سنوات من سقوط تركيا العثمانية، ليكتشف رموزاً جديدة لهذا التضافر الخلاق وتلك الصدامات الدموية بين الحضارات، واستحق جائزة نوبل عن جدارة.

الكاتب..

“أورهان باموق” كاتب وروائي تركي فاز بجائزة نوبل للآداب، سنة 2006، ولد في إسطنبول في 7 يونيو سنة 1952 وهو ينتمي لأسرة تركية مثقفة. درس العمارة والصحافة قبل أن يتجه إلى الأدب والكتابة كما يعد أحد أهم الكتاب المعاصرين في تركيا وترجمت أعماله إلى 34 لغة حتى الآن، ويقرأه الناس في أكثر من 100 دولة.

في فبراير 2003 صرح “باموق” لمجلة سويسرية بأن “مليون أرمني و30 ألف كردي قتلوا على هذه الأرض، لكن لا أحد غيري يجرؤ على قول ذلك”.تمت ملاحقته قضائيا أمام القضاء التركي بسبب “إهانة الهوية التركية”، ولشخصية شبه مقدسة عند الأتراك وهي شخصية (مصطفى كمال أتاتورك) وهما جريمتين يعاقب عليهما القانون بحسب الفقرة 301, وقد عفي من الملاحقة القضائية أخيرا في نهاية سنة 2006. بجانب تصريحاته حول “مذابح” الأرمن والأكراد، كان” باموق” أول كاتب في العالم الإسلامي يدين الفتوى الإيرانية التي تبيح دم الكاتب “سلمان رشدي” بسبب كتاباته المسيئة للإسلام. حصل على جائزة الإندبندنت لأدب الخيال الأجنبي للعام 1990 كما حصل على جائزة نوبل للآداب سنة 2006م.

 

في فبراير 2007 وبعد مقتل أحد الصحفيين الأتراك من أصل أرمني لكتاباته التي تندد بمذابح الأرمن تلقى “أورهان باموق” تهديدات بالقتل وأخبرته السلطات الأمنية أن هذه التهديدات جدية فقام بسحب ما يقارب المليون دولار وسافر هاربًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. اختير كعضو في لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي لسنة 2007.

أعماله..

  • جودت بك وأبناؤه (رواية) صدرت سنة 1982
  • المنزل الهادئ (رواية) صدرت سنة 1991
  • القلعة البيضاء (رواية) صدرت سنة 1995
  • الكتاب الأسود (رواية) صدرت سنة 1997
  • ورد في دمشق (رواية) صدرت سنة 2000
  • الحياة الجديدة (رواية) صدرت سنة 2001
  • اسمي أحمر (رواية) صدرت سنة 2003
  • ثلج (رواية) صدرت سنة 2004
  • وله كتاب واحد عن حياته “إسطنبول (رواية)” صدر سنة 2003
  • متحف البراءة (رواية) صدرت بالتركية سنة 2008 وباللغة الإنجليزية سنة 2009.
  • غرابة في عقلي (رواية)

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة