24 ديسمبر، 2024 4:04 م

رواية “الحب يدوم ثلاث سنوات”.. الزواج يقتل الشغف ببطء

رواية “الحب يدوم ثلاث سنوات”.. الزواج يقتل الشغف ببطء

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “الحب يدوم ثلاث سنوات” للكاتب الفرنسي “فريديريك بيجبيديه” رواية طريفة وساخرة، تحكي حكاية شخصية للكاتب يستنتج منها أحكام عامة عن الحب والعلاقة بين الرجل والمرأة، لكنها أحكاما طريفة تعتمد على نقد للمجتمع الفرنسي وقت كتابة الرواية في منتصف التسعينات.

الشخصيات..

مارك: البطل، كاتب صحفي، وكاتب رواية، ويستنتج من طريقة مخاطبته للقراء أنه هو نفسه كاتب الرواية، وقد اعترف في النهاية أنه هو، تزوج ثم بعد ثلاث سنوات تعرض لتجربة طلاق وعانى كثيرا من تلك التجربة مما جعله يفكر في كتابة هذه الرواية.

آن: زوجة البطل، عاش معها لثلاث سنوات، ثم أحب امرأة أخرى فقررت الانفصال عنه، لم يهتم كثيرا باسترجاعها، وحين فكر في ذلك بعد فترة من المعاناة كانت قد دخلت مع رجل آخر في علاقة حب، لم يهتم الكاتب بشرح تفاصيل كثيرة عن “آن” سوى في تفاعلها معه وتقاطعه معها كزوجة.

أليس: سيدة تعرف عليها “مارك” في جنازة جدته، وانجذب إلى جمالها، وحين اكتشف أنها متزوجة حاول التغاضي عن ذلك الانجذاب، ثم قابلها مرة أخرى مصادفة في عيد ميلاد إحدى الصديقات، ووقتها قرر أن يحدثها واندهش حين قالت له أنها خائفة، وبدأ الانجذاب الشديد بينهما، ووجد نفسه يقيم معها علاقة خارج الزواج، واكتشفت “آن” الأمر، “أليس” ترفض هجر زوجها وتعذبه حوالي ستة أشهر ثم تعيش معه.

الراوي..

الراوي هو البطل “مارك”، الذي يحكي عن نفسه بالأساس، يحكي عن مشاعره الداخلية وأحاسيسه تجاه “آن” و”أليس” وتجاه الحب والزواج، ولا يهتم بالحكي عن تلك الشخصيتان بمعزل عن علاقته بهما، فقط يحكي عنهما بوصفهما حبيبة وزوجة له، وباقي الحكي يتركز عليه وحده.

السرد..

الرواية تقع في حوالي 200 صفحة من القطع المتوسط، تعاني من بعض التكرار والتأكيد على موقف البطل من الحب، مقسمة لأجزاء صغيرة تبدأ بعناوين مختلفة، الحكي يبدأ بفكرة طريفة ثم تنتهي الرواية بمخالفتها وتأكيد عكسها. ونهاية الرواية سعيدة.

ثلاث سنوات فقط..

لاقت هذه الرواية قبولا وسط الجمهور الفرنسي لأنها طرحت فكرة طريفة وهي أن علاقة الحب لا تدوم أكثر من ثلاث سنوات، حيث يطرح الكاتب فكرته تلك من البداية بشكل خطابي، فهو كراو يخاطب القراء بشكل مباشر ومسرحي، يؤكد على أن زواجه من “آن” استمر لمدة ثلاث سنوات، العام الأول كان يمتلئ بالشغف واللهفة، والعام الثاني الحنان والعام الثالث الملل، وأنه وجد نفسه يفقد شغفه تدريجيا بزوجته، بعد أن أبهرته بجمالها الشديد، ويتحول إحساسه بها إلى الملل، وشعوره أنه يقوم بواجب زوجي حين يقترب منها.

ثم ينتقل الكاتب إلى التنظير مستعينا ببعض المعلومات من هنا وهناك، ومفادة هذا التنظير أن علاقة الانجذاب والحب بين الرجل والمرأة تستمر ثلاث سنوات لا أكثر، معتمدا على تجربته الفعلية حيث انهار زواجه بعد ثلاث سنوات بسبب اكتشاف “آن” أنه يخونها مع امرأة أخرى ولم تتحمل ذلك.

الزواج سجن..

ويسرف الكاتب في شرح تلك الفكرة، مدافعا عن نفسه لأنه انجذب لامرأة أخرى ومنتقدا الزواج الذي يحصر الحب ويخنقه ويقتله، والذي يسجن الإنسان في علاقة طويلة مع شخص واحد وينتقد كل ذلك بضراوة شديدة. مؤكدا أنه كرجل لا يستطيع أن يرهن حياته كاملة على امرأة واحدة وأنه بالتأكيد سينجذب إلى امرأة أخرى، وأن شعور الامتلاك والتعود الذي يوفره الزواج يقتل شغف الحب، مؤكدا أيضا أنه لا يشتهي امرأة متاحة ومتوفرة له طوال الوقت وإنما السحر يكمن في كون علاقة الحب غير مسموح بها، وصعبة المنال.

ثم يصور الكاتب حالته النفسية السيئة التي نتجت عن الطلاق من “آن” وشعوره بالوحدة والعزلة، ثم يكشف للقراء حبه وشغفه الشديد ب”أليس” والتي ترفض هجر زوجها “انطون”، تقيم معه علاقة حب وجنس لكنها ترفض التضحية بأمان الزواج من “انطون”، فتهجره كثيرا شعورا منها بالذنب تجاه “انطون” ثم ما تلبث أن تعود له.

جنون شديد..

ورصد الكاتب جنونه الشديد ب”أليس” والذي يتناقض تماما مع حالة البرود تجاه “آن”، فقد أصبح يذهب إلى بيتها وينظر إلى النوافذ وأضواء الغرف ويخمن ماذا تفعل، ومع ذلك تعذبه “أليس” وترفض أن تكون له تماما بهجر “أنطون”. ويضمن الكاتب رسائله ل”أليس” وهي رسائل تفيض بلغة عذبة وبمشاعر جميلة، ثم تهجر “أليس” “أنطون” وتعيش مع “مارك”، ويشعر أخيرا بتحقق الحب، ويعيش حالة حب شديدة الروعة. لكنه مع ذلك يظل يتخوف من قاعدة الثلاث سنوات، ويظل يفكر فيها كثيرا اقتناعا منه أنها ستضر علاقته ب”أليس” كما ضرت علاقته ب”آن” لكن هو نفسه سيتفاجيء حينما يجد نفسه مازال يحب “أليس” بنفس الشغف والاهتمام، ويتواصل معها بشكل جيد ولم تؤثر الثلاث سنوات على مشاعره أو شغفه أو رؤيته لها.

الرواية مميزة تعتمد على لغة تفيض بالسخرية، حيث يسخر الكاتب من كل شيء من نفسه ومن أصدقاءه ومن المجتمع الذي يصرح أنه يدعى الحرية لكنه في جوهر العلاقات الإنسانية ليس متحررا وإنما محافظ، فالرجال ذكوريين بلهاء والنساء يخفن من أن يتمتعن جسديا حتى لا يتهمن من قبل الرجال.

امتازت الرواية بلغة شاعرية عذبة في رسائل “مارك” ل”أليس” وفي تصويره لمشاعره نحوها، وامتازت أيضا بأنانية شديدة من قبل الكاتب الذي اهتم بذاته أكثر من اهتمامه بالشخصيات الأخرى وتصوير مشاعرها وانفعالاتها ومواقفها ورؤاها، وهو نفسه يعترف بكونه يتمحور حول ذاته.

الكاتب..

“فريديريك بيجبيديه” كاتب فرنسي وناقد أدبي ومخرج ومذيع بالتليفزيون الفرنسي، ولد في 21 سبتمبر 1965 في نويي- سور- سين بفرنسا. حصل على جائزة رينودو الأدبية عام 2009.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة