17 نوفمبر، 2024 12:24 ص
Search
Close this search box.

رواية “الحالة الحرجة للمدعو كاف”.. الفشل في تقمص سوداوية “كافكا”

رواية “الحالة الحرجة للمدعو كاف”.. الفشل في تقمص سوداوية “كافكا”

خاص: قراءة – سماح عادل

رواية “الحالة الحرجة للمدعو كاف” للكاتب السعودي “عزيز محمد” تستلهم حياة الكاتب الألماني الشهير “كافكا”، لكنها مع ذلك لا تستطيع فعل ذلك تماما، وإنما تحشد الرواية بحالة من الكآبة واليأس والإحباط، وتتراجع عن التماهي فيها.
الشخصيات..
البطل: هو الشخصية الرئيسية في الرواية، يحكي كل شيء من منظوره ورؤيته، وهو شاب يائس ويشعر دوما حيال العالم بأحاسيس سيئة وسلبية، حتى تجاه أقرب الناس إليه.
هناك شخصيات أخرى يتناولها البطل من منظوره ورؤيته ولذا لا نجدها تتحرك بحرية أو تعبر عن نفسها بحرية بدون سلطة الراوي والبطل المطلقة، ولا نستطيع معرفتها على حقيقتها.
الراوي..
هو البطل والذي لا يذكر اسمه لكننا نخمن أن اسمه يبدأ بحرف الكاف، وهو يحكي عن الأشخاص المقربين له، ويحكي بضمير المتكلم عن نفسه.
السرد..
الرواية تقع في 272 صفحة من القطع المتوسط، تعتمد على رؤية سوداوية للعالم، لكنها تفتقد للمبرر المنطقي لذلك، لا يقدم البطل الراوي أية مبررات لتلك النظرة السوداوية تجاه حياته والعالم وأقرب الناس إليه وتنتهي الرواية نهاية مفتعلة، تشعرنا كقراء أنه خاف أن ينهيها بالموت أو ينهيها نهاية حزينة فيؤثر ذلك على تقبل الناس لكتابه، مع أنه كان من المنطقي أن تكون النهاية متسقة مع خط سير الحكي.
سوداوية كافكا..
يشعر القاريء من أول وهلة أن الكاتب متقمص شخصية “كافكا”، ذلك الكاتب الألماني السوداوي الذي تنضح رواياته بنظرته السوداوية تجاه العالم، حتى أنه كان ينظر هذه النظرة لحياته ككل، لكن نظرة كافكا السوداوية مفهومة لأنها ناتجة عن مرضه المزمن وفقره ومعاملة عائلته السيئة له، كما أنها اختياره الحر الذي لا يلومه عليه أحد. لكن الكاتب لهذه الرواية لم يقدم تبريرات كافية لهذه النظرة السوداوية لحياته سوى أنها مجرد تقليد أعمي لكاتب أحبه وتأثر به.
والدليل على ذلك أن حياته عادية لا تنضح بالمأساة، وحتى حين أصيب بسرطان استطاع التعايش معه في النهاية. لكن كل الشخصيات التي تدور حوله تتصرف بود وحميمية وهو من يرفض ذلك الود ويتعامل معه بجفاء غير مبرر وبنكران شديد وبعجرفة غير مفهومه، حتى له هو نفسه، فهو حتى لم يبرر لنا كراهيته لأمه وأبيه وأخيه وأخته، ولا لما يعاملهم بذلك الجفاء وتلك القسوة.
حتى في مرضه أظهرت عائلته معاملة متوقعة من الاهتمام والمراعاة لكنه هو من كان يتعامل بعجرفة ممعنة في قسوتها. ولا تفسير منطقي لذلك إلا أن الكاتب والبطل والراوي، والذين هم شخص واحد، قد أحب أن يتقمص نظرة “كافكا” السوداوية دون سبب مقنع له ولا لنا نحن القراء.
تفاصيل دقيقة..
يبدأ الكاتب الرواية بتفاصيل دقيقة عن إحساسه بعبث الحياة من حوله، فهو يكره الاستيقاظ من النوم، ويكره الذهاب إلى العمل، ويكره زملائه في الشركة التي يعمل بها والتي يظهر أنها شركة ذات مستو عال، ويكره حماس الزملاء للتفوق في مهنتهم أو تحقيق تراكم مهني ما واستعراضهم لقدراتهم اللغوية والنفسية. ربما نفهم ذلك لكونه شخص انطوائي، لكنه استمر في بث الإحساس بالكراهية لكل شيء من حوله، للرجل العجوز الذي لا يتكلم وإن إبدى تعاطفا بسيطا لفكرة موته بعد تقاعده بفترة قصيرة، وكراهيته لأي زميل يظهر تفوقا ما أو قدرات ما. ولزميلاته لأنه لا يستطيع لفت انتاباهن أو الشعور بأدنى اهتمام منهن.
ثم تنتقل الكراهية إلى الحديث عن ماضيه حين كان طفلا، يكره الطبيب الذي لم يهتم لشعوره بالإجهاد ولأبيه ولأمه التي تهتم به وترعاه وتحاول توجيهه نحو ما تراه صوابا من وجهة نظرها، ولأخيه الكبير الذي ابتعد عنه بحكم مرور الزمن والكبر، ولأخته لمجرد أنها أصبحت انثى يافعة، فأصبح يكرهها لأنها لم تعد تلك الأخت المشاغبة التي تتبادل معه العراك. فقد لكونه لا يجيد التعامل مع كونها أصبحت أنثى جميلة أصبح يكرهها، وأيضا أخيه فقط لكونه يحاول تمثل صورة الأب أو صورة الأخ الكبير المسؤول عن أشقاءه.
وأمه أيضا فقط لإظهارها اهتماما أموميا عاديا ومفهوما يكرهها البطل لذلك، ويكره تدخلها في حياته ومحاولتها الدائمة لجره للتواصل الإنساني معها. ولم يقدم البطل أسبابا مقنعة على كل ذلك الكم من الكراهية حتى وإن كان كونه انطوائيا أو معاناته من عزلة نفسية ما.
السرطان..
ثم بعد تفاصيل كثيرة سوداوية يكتشف البطل كونه مريضا بسرطان الدم، ويجدها فرصة مناسبة لبث نظرته السوداوية بشكل أكثر تكثيفا، فنعيش معه تفاصيل غارقة في السواد، بدء من الكشف عند الطبيب والانتظار في مستشفى مليئة بالمرضى، مرورا بتفاصيل الكشف عليه الدقيقة ومعرفته بأمر إصابته بالسرطان والشعور بالغثيان وكل أعراض المرض، وشعوره نحو برود الممرضات وعدم اكتراثهن بأمر المرضى، وشعوره بقرب النهاية وبوطأة المرض، ومخاوف أمه وحزنها وانهيارها وكراهيته لانهيارها، مع أن هذه الانهيار مبرر بشكل منطقي لأنها أم توشك على فقدان ابنها وتراه يذبل ببطء أمامها. ثم معاملته السيئة للمقر بين منه وإبعادهم عنه، حتى من يرغب في زيارته والتخفيف عنه.
ثم حشد كثير من التفاصيل الدقيقة والأقرب إلى الملل حتى يوشك القارئ أن يشعر بكل شيء مر بالبطل.
نهاية غير متوقعة..
ثم وبشكل مفاجئ وغير مبرر، بعد أن هيأنا البطل لتلك النهاية المأساوية ولكل ذلك السواد الذي عاشه منذ أن كان طفلا صغيرا، يشعر بالغربة والاغتراب داخل منزله، وينظر من بعيد جدا الى أبيه وأمه وأخويه، نجد البطل قد استطاع أن ينجو بشكل ما سريع للغاية. فقد استغرق الكاتب في الحكي في تفاصيل الوحدة والاغتراب والمرض معظم صفحات الرواية، ثم في العشرين صفحة الأخيرة أو أقل، يستطيع أن يجد وسيلة للتعايش مع مرضه، حيث يترك له جده إرثا كبيرا يستخدمه في السفر إلى اليابان وإيجاد معاملة طبية مناسبة تسمح له بالعيش وقت أطول.
ونندهش نحن كقراء من تلك النهاية السريعة وغير المتوقعة وغير الممهد لها أبدا، ولا نفرح كثيرا لأننا نشعر أن الكاتب نفسه لم يفرح بتلك المجاة المزعومة. ونرحل ونحن نحمل دفقة شعورية سلبية برع الكاتب في أن يعطيها لنا كمنحة.
الرواية..
الحالة الحرجة للمدعو «ك» رواية للكاتب السعودي “عزيز محمد”. صدرت الرواية لأوّل مرة عام 2017 عن دار التنوير للطباعة والنشر في بيروت. ودخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2018، المعروفة باسم «جائزة بوكر العربية».

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة