15 نوفمبر، 2024 6:24 ص
Search
Close this search box.

رواية الجميلات النائمات..  استعادة لذة أخيرة في شيخوخة بائسة

رواية الجميلات النائمات..  استعادة لذة أخيرة في شيخوخة بائسة

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “الجميلات النائمات” للكاتب الياباني “ياسوناري كاواباتا” ترجمة “ماري طوق” تتناول موضوع غاية في الطرافة، وهو حنين العجائز للشباب واستمتاعهم بأجساد الفتيات الصغيرات.

الشخصيات..

البطل: “إيغوشي”، رجل في السابعة والستين من عمره، نصحه أحد أصدقاءه من العجائز أن يذهب إلى أحد البيوت السرية ليتمتع جنسيا، ويندهش “إيغوشي” من طريقة عمل هذا البيت حيث أنه مخصص فقط للعجائز، حيث يوفر لهم فرصة النوم بجوار فتاة صغيرة في السن نائمة،  وتبدأ الحكاية بذهابه لذلك البيت.

المرأة: سيدة تعمل في هذا البيت السري، وهو في الأربعينات من عمرها، هادئة باردة الطباع، تتحدث بدون انفعال مهما استفزها “إيغوشي” بأسئلته وطلباته، وتوجد شخصيات أخرى هامشية.

الراوي..

راوي يحكي بضمير الغائب، يركز على البطل ويصف الأماكن والشخصيات من خلاله.

السرد..

السرد هادئ الإيقاع، يسير ببطء، يركز على توصيفات “إيغوشي” لما يمر به من تجربة فريدة، واستدعاءاته لماضيه، وهلوساته، وأحلامه، وكوابيسه وهو ينام بجوار الفتيات، الرواية قديمة وتقع في حوالي 142 صفحة من القطع المتوسط.

 الشيخوخة والشباب..

الرواية تطرح موضوع طريف، وهو استمتاع رجل عجوز بملامسة فتاة صغيرة في سن الطفولة، عذراء، والنوم بجوارها طوال الليل، فتاة نائمة بفعل مخدر قوي والأمل في استيقاظها منعدم، لا نعلم على وجه التحديد ماذا فعل الرجال العجائز الذين يترددون على هذا البيت السري مع الفتيات النائمات، لكن “إيغوشي” ينقل لنا تجربته التي لا تخلو من الدهشة والتراوح بين القبول والرفض،  يأخذنا الراوي من أيدينا كقراء ويبدأ في كشف التجربة ببطء، بدء من وصف المكان بتفاصيله وألوانه، وحتى وصف إحساسه كرجل تجاوز سن الستين بجسد صبية صغيرة، في البداية لم يكن مرتاحا لكونها نائمة، كان يريد أن تكون مستيقظة وتتبادل معه الكلمات، ربما وبحسب وصفه لأنه لم يصل بعد إلى فقدان أية قدرة جنسية، مثل باقي العجائز الذين يترددون على البيت، لكن فكرة نومها أزعجته كان يريد تواصلا إنسانيا، وعندما فشل في إيقاظ الفتاة، أيقظ وجود الفتاة لدية ذكريات قديمة، أخذ يتذكر فتاة غاية في الجمال كان قد عرفها وقت أن كان شابا، وهرب معها إلى مدينة أخرى، لكن أهلها أعادوها وزوجوها بآخر، ورآها مرة أخرى ومعها طفلة صغيرة، لكنه كان يعرف أن جمال تلك الفتاة التي قابلها في شبابه هو ما سحره، ثم أخذت ذاكرته تلاعبه مستدعية روائح غريبة، فقد اجتاحته رائحة طفل رضيع، واستدعى ذلك تذكره لبناته الثلاث المتزوجات وزوجته وذكريات أخرى.

رجل في السابعة والستين يُسحر بوجود فتاة عذراء بضة وفتية بجواره، جسدها يذكره بتجاربه وهو شاب وبفتيات عاش معهن لذات جنسية شهية، كما أن جسدها يذكره بشيخوخته وبأنه عما قريب سوف يكون عاجزا تماما عن التواصل الجسدي مع امرأة، يصر على التمسك بفكرة أنه لازال يملك قدرة جنسية على اختراقها، وهو أفضل من باقي العجائز الذين يترددون على البيت السري، والذي يحبون النوم بسلام بجوار الفتيات الصغيرات لأنهم ليس لديهم ما يفعلونه، يؤكد مرارا على تلك الفكرة التي تعطيه تقديرا أكبر لذاته كذكر، ويتقزز من هذا البيت السري الذي يسمح للعجائز بأن يمارسوا حزنهم وشفقتهم على أنفسهم، لكنه مع ذلك يعود ليس مرة أخرى، ولكن مرات عديدة ويواصل اكتشاف أجساد الفتيات البضات، ويصف أجسادهن ونهودهن ويذكره ذلك أيضا بذكريات السيدات اللاتي دخل معهن في علاقات حميمية، لكنه دوما محمل برغبة لانتهاك قوانين ذلك البيت السري، في المرة الثانية قرر أن يمارس جنسا مع فتاة، ومن هنا اكتشف كونها عذراء، وفي مرات تالية كانت يريد إيقاظهن أو تجرع نفس المخدر الذي احتسته الفتيات، لكنه كان يستسلم لنوم هانيء بعد أن يأخذ جرعته المتوفرة من المنوم ويستسلم لكوابيس أو لأحلام جنسية مخرفة.

ذلك التناقض البائس بين الشيخوخة وبداية الشباب هو ما صنع مفارقة الرواية،  بين الاستعداد للموت والارتعاب منه الذي عليه البطل “إيغوشي” وبين الفتيات الصغيرات اللاتي يعتبرن أطفالا، لم يهتم البطل بفكرة استغلال الفتيات أو نزعهن من أسرهن لاستغلالهن جنسيا على أيدي رجال عجائز، لا يهتمون سوى باستعادة ذكريات شباب مضى، اهتم فقط بكونه رجلا يعاني من انسحاب العمر من بين يده، ويحاول الشعور بلذة أخيرة قبل مواجهة شبح الموت المرعب، وراودته أيضا أفكار قاسية مثل أن يخنق الفتاة وهي نائمة أو يخترق جسدها ليفقدها عذريتها.

وحين تحدث حادثة موت أحد زبائن هذا البيت من العجائز ويتم نقل جثته لبيت آخر للاستشفاء، يعتبر البطل نهاية البطل نهاية سعيدة لأنه مات بجوار فتاة بضة وجميلة، ويأخذ في تقليب أجساد الفتيات والعبث بأجزائهن، وحين تموت فتاة أو يظن هو ذلك يرتعب وينادي على المرأة التي تتعامل ببرود كعادتها، وتنقل جسد الفتاة وتطلب منه النوم بجوار فتاة أخرى وتنتهي الرواية.

الكاتب..

ولد “ياسوناري كاواباتا” في  1899 في “اوزاكا” لاحقته المآسي حيث فجع بموت والديه وأخته الوحيدة وجدته، لم يعد هناك سوى جده الذي مات بدوره ووجد نفسه وحيدا، وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره.

نشر روايته الأولى “راقصة ايزو” 1926، وأسس مجلات أدبية وأطلق حركة “الأحاسيس الجديدة” وكان بارعا في الرواية والقصة والمقالة، وحتى في السينما، وابتدع نوعا أدبيا جديدا هو الرواية المصغرة، وتتابعت الكتب التي جعلت منه الروائي الأعظم في اليابان “بلد الثلج” 1948 و”سرب عصافير بيضاء” 1952 و”هدير الجبل” 1954 و”الجميلات النائمات”، وكسب ملايين القراء، ونال جائزة نوبل 1968 وفي شقة صغيرة ضيقة 1972في عام انتحر.

يقول “غابرييل غارسيا ماركيز” في مقدمة ملحقة بالرواية: ” في الحقيقة كل ما كنت أعرفه بطريقة أكيدة عن الكتاب اليابانيين أنهم انتهوا إلى الانتحار، وقد سمعت عن كاواباتا للمرة الأولى عندما نال جائزة نوبل ،1968 وحاولت عندها أن أقرأه قليلا ولكن سرعان ما أصابني النعاس،    على كل حال الكتاب الوحيد الذي وددت لو أكون كاتبه هو “منزل الجميلات النائمات” لكاواباتا، الذي يحكي قصة منزل غريب في ضواحي طوكيو، يتردد إليه برجوازيون يدفعون أموالا طائلة للتمتع بالشكل الأكثر نقاءً للحب الأخير، قضاء الليل وهم يتأملون الفتيات الشابات الأكثر جمالا في المدينة، واللاتي يرقدن عاريات تحت تأثير مخدر إلى جانبهم في السرير، لا يملكون حق إيقاظهن ولا لمسهن، ولا يحاولون على أي حال، لأن الاكتفاء الأكثر صفاءً لهذه المتعة الناجمة عن الشيخوخة هو إمكانية الحلم إلى جانبهن”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة