خاص: قراءة – سماح عادل
رواية “البكاءة” للكاتب الجزائري “جيلالي عمراني” تحكي عن الفزع والرعب الذي كان يشعر به الناس وقت العشرية السوداء، وكيف كانت حياتهم اليومية مهددة من قبل المتشددين.
الشخصيات..
“سفيان عبد الجليل”: بطل، كاتب روائي وقاص، تعرض لمحنة سرقة روايته وتحريفها من قبل أحد رجال الشرطة، ولقد استخدم رجل الشرطة هذه الرواية بعد تحريفها وقد نشرها باسم الكاتب بعد تحريفها مما سبب له أزمة نفسية.
“هشام عبدي”: البطل الثاني في الرواية، طبيب نفساني، كان يعالج الناس في مدينة البويرة الجزائرية، ورصد في كتاب له تجارب هؤلاء المرضي، ومات غدرا.
البايا: زوجة “سفيان عبد الجليل”، عانت من اضطرابه النفسي، عانت من اهتمامه بأشياء أخرى غيرها، وكان الصمت والبكاء طريقتها في التعبير عن معاناتها مع زوج يتعبها مرضه النفسي.
مريم: زوجة “الرينقو”، عانت من مرض زوجها النفسي، ومن تسلط عائلته عليها، سعت لأن تجد الخلاص في عمل خارج إطار أسرة زوجها، وحاولت البحث عن إشباع لأنوثتها المهجورة مع الطبيب النفسي الذي كان يعالج زوجها، مما تسبب له في كارثة.
الرينقو: سجان، أتعبته حالة الظلم داخل السجون، وحالات المساجين وكوارثهم فأدي به هذا العمل إلي حدوث اضطراب نفسي له.
رأس الكيلو: رجل الأمن، الذي كان السبب في محنة الكاتب “سفيان عبد الجليل”، ورغم أفعاله الشريرة المؤذية كرجل أمن، إلا أنه كان أيضا صديقا داعما للطبيب “هشام”، وساعده علي الهروب ممن يريد قتله، وحماه في داخل منزله.
وهناك شخصيات أخري داخل الرواية.
الراوي..
اعتمدت الرواية علي تعدد الأصوات، بدأت بصوت “سفيان عبد الجليل”، ثم استلم الحكي “هشام” الذي كتب عن نفسه وعن مرضاه في كتاب أشبه بالمذكرات، أعطته ابنه “هشام” ل”سفيان”، وكان صوت “البايا” واضحا من حكيها للطبيب النفسي حينما ذهبت بزوجها إليه. وحكي “هشام” عن الشخصيات الأخرى. تعدد الأصوات أعطي ثراء للحكي، وجعلنا تتعرف علي انفعالات الشخصيات ومشاعرهم تجاه حيواتهم المختلفة .
السرد..
تقع الرواية في حوالي 213 صفحة من القطع المتوسط، تحكي حكايتين حكاية “سفيان عبد الجليل” وحكاية “هشام عبدي”، وما بينهما حكايات أناس آخرين، وتنتهي نهاية إيجابية حيث تخلص “سفيان” من محنته الحياتية واستطاع أن يكتب مرة أخرى ويتخلص من مخاوفه.
العشرية السوداء..
رصدت الرواية أثار الفزع والرعب في الحياة اليومية للجزائريين، حين أصابتهم مصيبة ومحنة الإرهاب من قبل المتشددين دينيا، فأصبحوا يأتون ليقتلوا الناس، ويسمع صوت الرصاص والقتل بشكل شبه يومي، حتي أن الناس كانت تخفي الكتب والمطبوعات خوفا من بطش المتشددين دينيا بهم، وتملكهم الفزع والخوف، حتي أن ذلك الرعب اليومي أثر علي صحتهم النفسية. فنعرف من حكايات “هشام” أن الناس أصيبت بالخلل النفسي جراء تلك الأحداث القاسية.
لا يخفي أيضا الظلم والقهر الذي تعرض له الناس من قبل السلطة، وقوة رجال الأمن الذين يفتشون الناس في أوقات الثورات والانتفاضات الاجتماعية، ويحاولون قمع حركات الناس العفوية وقتلها في مهدها.
محنة الكاتب..
كما رصدت الرواية ببراعة كيف أن الكاتب يعيش محنة قاسية عندما تسرق كلماته وشخوصه ونصوصه، وتتحول إلي وسيلة لتزييف وعي الناس ويسبب له هذا التزييف اضطرابا نفسيا، كما حدث مع “سفيان عبد الجليل” الذي سرقت مخطوطة روايته “حرائر” والتي سرقها منه رجل الأمن “راس الكيلو” والذي حرف فيها وشوه الشخصيات داخل الرواية بما فيهم زوجة الكاتب نفسه، وحبيبته، ثم حولها رواية لتمجد السلطة وتحاول تزييف وعي الناس كل هذا.
وقد نشرها باسم الكاتب تحت عنوان “جزائر”، ولا يخفي هنا نزوع الكاتب إلي استخدام الرموز، فتحولت “حرائر” إلي “جزائر”، وكأن بلده قمعت الأحرار أو قمع الأحرار فيها. وقد شعر “سفيان عبد الجليل” بالخيانة الشديدة حتي أنه كان يري أشباح الشخصيات التي شوهت في روايته يأتون في الليل ليهددوه وينتقموا منه.
ليشعرنا الكاتب كقراء بأهمية النصوص الأدبية بالنسبة لكاتبها، والتي يشعر أنها جزء من ذاته أعطاه علي الورق وأن أي تشويه يحدث لهذا الجزء من ذاته يؤثر عليه وعلي سلامه النفسي. وهذا ما حدث ل”سفيان” الذي ظل يعاني من مخاوف كبيرة أثرت علي حياته مع زوجته ومع أهله. خاصة مع تكذيب الجميع له، وظنهم أنه هو من كتب هذا النص المشوه، الذي يشوه شخصيات قريبة منه ويرتبط معهم في علاقات، لكنه استطاع بعد ذلك أن يتغلب علي تلك المخاوف ويعود للكتابة مرة أخري، تلك المهنة المقدسة.
الحب الشائك..
كما رصدت الروية علاقات حب شائكة ما بين الشخصيات، أولا علاقة “هشام” بحبيبته الأولى التي لم تتم، ووجد نفسه مشتاق إليها بعد أن هجرته، ظل سنوات طويلة يعاني من الحنين لها حتي بعد أن تزوج زواج هادئا، لذا حين رأي امرأة تشبه حبيبته الأولي ضعف أمامها واستعاد كل حبه لتلك المرأة، وتورط في علاقة خيانة مع “مريم” زوجة “الرينقو” أودت بحياته في النهاية، وجعلت زوجته تمقت سيرته حتي بعد مماته.
كما صورت علاقة “البايا” ب”سفيان” الذي أحبته وأحبها لكن بعد الزواج لم يحدث بينهما توافقا، وإنما تعرضت علاقتهما لأزمات كثيرة وفترات جفاء هائلة، و”سفيان” أيضا كانت له علاقة حب لم تتحقق قبل زواجه.
استطاع الكاتب رسم شخصيات حية تعاني وتمر بأزمات نفسية طاحنة، وتتأثر بالأجواء المحيطة وبظروف مجتمعها الصعبة، وكانت اللغة سلسلة والحكي جذاب.
الكاتب..
“جيلالي عمراني” كاتب من الجزائر، مواليد69 ، نشر عدد من القصص القصيرة في الصحف الجزائرية وبعض المجلات العربية .
نشر عدة روايات وهي:
– “المشاهد العارية”، الجاحظية.
-“عيون الليل”، دار الاختلاف.
– “أحلام الخريف”، الجاحظية.
– “البكاءة”، شهرزاد مصر 2018.
– “المنافي”. حكايات شامية، دار تويتة مصر 2018.
– “الغسال”، دار ميم الجزائر2019.
– “اليرابيع السود”، دار فهرنهايت الجزائر 2023.
فاز بالجوائز التالية:
– الجائزة الأولى في مسابقة نجيب الثقافي 2018.
– جائزة أول نوفمبر في القصة القصيرة 2023.