13 أبريل، 2024 7:21 ص
Search
Close this search box.

رواية الانتباه.. الحكم الطبقي قد يختزن داخل اللاوعي

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

قراءة: سماح عادل

رواية “الانتباه” للكاتب الإيطالي “ألبرتو مورافيا”، تحكي عن ظاهرة هامة وهي الانتباه أو اللانتباه إلى الحياة الخاصة بالفرد، كيف أن الفرد حين يفقد معنى حياته يفقد انتباهه إليها ورغبته في الوعي بها.

الشخصيات..

فرانشيسكو: البطل، صحفي، يعيش في روما، ينتمي لأسرة بورجوازية لكنه كان ذا توجه يساري، يتزوج من سيدة من الطبقة الفقيرة لكنه يصبح كارها لذلك الزواج.

كورا: زوجة البطل، تعمل خياطة، وأيضا قوادة ترتب المواعيد الغرامية، وتموت في النهاية.

بابا: ابنة كورا، وابنة زوجة البطل، يقع في غرامها لكنه يظل يعيش صراعا نفسيا.

الراوي..

هو البطل، وهو يحكي عن نفسه ويؤلف روايته أمام عين القارئ، ويعترف للقارئ بأنه يختلق بعض الأحداث لكي يبني روايته، أو يحاول فهم نفسه وصراعاتها ودوافعها، فهو مهموم في المقام الأول بروايته التي ينتوي كتابتها، ليشعر أن لحياته معنى، وأيضا بكشف معنى حياته التي فقد الاهتمام بها عشر سنوات كاملة. ثم في النهاية يفاجئ القارئ أنه كتب روايته وهو يروي حكايته. وهو راو يحكي عن نفسه فقط وعن مشاعره ودواخله ويحكي عن باقي الشخصيات من خلال رؤيته لهم ووجهة نظره تجاههم، لكن يترك لهم حرية التعبير عن أنفسهم من خلال الحوار الذي يتبادله معهم بوصفه أحد شخصيات الرواية.

السرد..

السرد مميز، يعتمد ليس فقط على حكي حكاية وإنما على إشراك القارئ في عملية كتابة الرواية نفسها، وكأنه شريك للبطل الذي يسعى لكتابة روايته، وإخراجها بالشكل الذي يليق والذي يرضيه ككاتب صعب الإرضاء، وكبطل تشغله نزاعاته النفسية. تبدأ الرواية بتمهيد وتنتهي بخاتمه وتمتلئ بالشروحات التي يضمنها الكاتب ليفسر صراعاته النفسية وأفكاره الداخلية وكيفية كتابته للرواية.

الحكم الطبقي قد يختزن داخل اللاوعي..

الرواية تصور صحفي ينتمي للاتجاه اليساري رغم أصوله البرجوازية في فترة الخمسينات والستينات في إيطاليا، ورغم أنه لا ينتمي للحزب الشيوعي، أي أنه لم يكن منظما ولم يكن منخرطا في العمل السياسي، وإنما فقط كان يعمل في صحيفة يسارية، إلا أن كثير من الناس لاموه على تركه لتلك الصحيفة والعمل بصحيفة محافظة يمينية، وهو يبرر تصرفه ذلك في بداية الرواية بأنه فعل ذلك لأنه لم يبدل أفكاره أو يسعى لمصلحة مادية، وإنما فقط لكي يسافر في بلدان العالم المختلفة، فالصحيفة اليمينية التي انتقل للعمل فيها وفرت له فرص السفر إلى مختلف بلدان العالم لمدة عشر سنوات هي مدة الحكي في الرواية.

وعقدة البطل الرئيسية أنه حين كان ينتمي إلى الفكر اليساري، أو على الأدق مبهورا به، كان يعتبر الفقراء أناس أصلاء على حد تعبيره، وأن كل فقير هو بالضرورة رمز للأصالة وللشيء المقدس، لذا حين تعرف على “كورا” الفتاة الفقيرة الخياطة، التي أنجبت طفلة من جندي ألماني أيام الحرب العالمية الثانية، والتي تعيش مع والدها البستاني الفقير ووالدتها في روما في حي فقير، انبهر بها وكان يتشرب كل تفاصيلها إلى درجة الهوس، ولم ينتبه إلى إنها كانت تعمل في بيع جسدها، ورغم إنها أكدت له إنها فعلت ذلك مرات قليلة حينما دفعتها الحاجة إلى فعل ذلك، لكنه لم يكن يعبأ بذلك وإنما بالأحرى كان بيعها لجسدها وفقرها المدقع هو أحد الأمور التي جذبته إليها، انطلاقا من كونه كان منبهرا بالأفكار اليسارية التي يلمح أكثر من مرة في الرواية أنه كان ميالا إليها.

بطل ضد..

لكن وبعد زواجه منه بعد شعوره أنها حب حياته وأنها المرأة التي يتمناها اكتشف، وفجأة، أنه لم يكن يحبها، وأنه ورط نفسه في زيجة سترسم حياة بائسة له لسنوات عدة، البطل سلبي ضد، يكره أسرته البروجوازية وينعتها بعدم الأصالة، ويتجه إلى الفقراء باعتبارهم موطن الأصالة، لكن بعد أن يفقد هوسه بهم بهاءه يعود خائبا، مكتشفا أن هذا الهوس أوقعه في الوهم وحدد حياته، لكنه رغم ذلك لا يقوم بأي فعل، لا يسعى إلى إنهاء زواجه، وبدء حياة جديدة تتماشى مع توجهاته وأفكاره ورؤيته للحياة، وإنما يظل سلبيا إلى أقصى الحدود ويقرر أن يتجاهل زوجته وابنتها، اللتان تعيشان معه في شقته التي أثثها على الطراز البرجوازي الذي يقول أنه يكرهه.

يتجاهلها عمدا عشر سنوات، ويقبل بقرارها أن تظل تعيش معه في المنزل هي وابنتها، لكن دون معاملة إنسانية حقيقية أو روابط عائلية. ورغم أنه اكتشف، مبكرا أيضا، بعد أن تيقن أنه لم يحبها وأنه تزوجها في غفلة من وعيه، اكتشف إنها تدير عملا لبيع أجساد الفتيات، وأنها وفرت له فتيات كثيرات ليشبعنه جسديا، ورغم ذلك ظل سلبيا على حاله ولم يتخذ موقفا رافضا لما يحدث، وفضل أن يبقى في خانه اللانتباه كما يسميها في الرواية، حتى بعد أن عرضت عليه ابنتها التي تبلغ أربعة عشر عاما، وعرف وتيقن إنها تستخدم ابنتها في مهنتها لكنه ظل سلبيا على حاله، ولم يتدخل لإنقاذ الفتاة ، أو لردع زوجته، واختار أن يبقى لامنتبها لعشر سنوات، كان يسافر خلالها إلى بلدان كثيرة ويعود إلى روما أشهر قليلة يكتب فيها تقاريره الصحفية عن البلدان التي زارها، ثم يعاود السفر، وأثناء مكوثه في روما يتعمد تجاهل زوجته وابنتها وكأنه لا يراهما.

لكن وبعد عشر سنوات يقرر الانتباه، ولا نعرف كقراء لما قرر الانتباه فجأة ودون مقدمات، ورغم أنه يدعي أن رسالة جاءت له من أحد الغرباء تعلمه بان امرأته قواده وأنها استغلت ابنتها، وهذا هو السبب في تقريره أن ينتبه أخيرا، إلا أن القارئ يكتشف أن البطل كان يعرف بالأمر قبل مرور تلك السنوات العشر، وأن الرسالة قديمة وأنه يعرف بالأمر جيدا لكنه كذب على ابنه زوجته قائلا أن الرسالة حديثة.

حب سفاح..

الأدهى من ذلك أن البطل لم يكتف بتجاهل زوجته وابنتها وعدم حسم أمر حياته، إلا أنه أيضا وقع في حب ابنة زوجته فيما يعرف بالحب السفاح على حد تسميته هو أيضا له في الرواية، وحبه أو اشتعال رغبته تجاه ابنة زوجته “بابا” هو الذي جعله ينتبه أخيرا، ويقرر أن يتعايش معها ومع زوجته من خلالها، طمعا في لحظات متعة مسروقة يدعى دوما أنه يخاف منها ويخشاها لكنه يتمناها أيضا.

كما يصور البطل- الكاتب أية شخصية نسائية يصادفها في روما، بعد أن قرر أن ينتبه لحياته، يصورها تتحرش به جنسيا وتسعى لمضاجعته، عشيقه أخيه التي يتلقيه بعد سنوات طويلة من الجفاء، يتخيل أنها تتحرش به ثم يعترف أنه تخيل ذلك لكي يضفى على روايته مشاهد متخيلة، ولكي ينتقم ذهنيا من أخيه الذي تحرش بابنة زوجته.

ثم يصور زوجة رئيس تحرير الجريدة التي يعمل بها، والذي يلتقي به أيضا بعد سنوات من الجفاء، يصورها تسعى لمضاجعته، لأنها رغم أنها أم جيدة وزوجة صالحة، إلا أنها تسعى إلى مضاجعة من تهوى من الرجال دون كلام أو تفسير.

وزوجته التي يكرر مرارا أنه يبغضها ويصورها في صورة القوادة البغيضة، التي تبيع ابنتها وتهدد الفتيات الأخريات وتعاملهن بقسوة مغلفة بالحنان، لكنه رغم ذلك يظهر جوانب إنسانية منها، حين تحكي له إحدى الفتيات اللاتي تستغلهن في عملها إنها طيبة وتساعدها وتعاملها بود، وحين  يصور في حوارها معه كيف أنها أحبته بصدق، وأنها تجاوبت معه في انبهاره وهوسه بها، حتى إنها ادعت إنها سارقة لكي تغذي هوسه ذاك، كما إنها أرسلت له الفتيات بعد مقاطعته  لها وتوقفه عن مضاجعتها، لأنها أرادت أن تشعر به كرجل من خلال تلك الفتيات، حتى أنها تلصصت عليه ذات مرة لتشعر أنها موجودة وتشاركه متعته.

ورغم ذلك لا يتعاطف معها البطل أبدا ويصر على معاملتها بقسوة وجفاء، رغم اعترافه أنه هو من أخطأ بهوسه وانبهاره وأفكاره حول الفقراء، وهو من كان سلبيا طوال عشر سنوات وهجرها،  وأن ذلك ربما كان له الأثر في عملها كقوادة، وفي استغلالها لابنتها، حتى أنها ضحت بابنتها لأجله. لكن رغم حبها الشديد له ورغم أن لا ذنب لها في تخيله أنه يحبها وفي قراره الزواج منها، وفي سلبيته تجاه حياته إلا أنه يعاملها بقسوة للنهاية، ويتمنى موتها بعد أن أصيبت بمرض صدري، وبالفعل تنتهي الرواية بموتها وبشعوره بالراحة لذلك.

وبالنسبة لحبه ورغبته في ابنة زوجته، يظل الكاتب يصارع ذلك الشعور لكن دون فعل حقيقي أيضا وبسلبيته المعهودة، يظل يتخيل مشاهد جنسية بينه وبينها لكن لا يجرؤ على الإقدام على الفعل، كما لا يجرؤعلى الرفض القاطع ووضع حدود، وحين تقبله الفتاة يتجاوب معها ويصف القبلة بسلبية، حتى أنه يحملها معاني مقززة.

البطل رغم سلبيته وأخطاءه يسعى دوما لوصف الآخرين بأوصاف سلبية، ووضع نفسه في خانة الضحية، ويصف نفسه على لسان بعض الشخصيات بصفات إيجابية يطلقها على نفسه، لأنه كاتب الرواية وبطلها، وهو الوحيد الذي يقرر من من الشخصيات يظهره نبيلا وذا خلق، ومن من الشخصيات يظهره قذر وأفعاله سيئة.

يمكن القول أيضا أنه ككاتب رجل كان متحيزا ضد النساء، فقد صور كل الشخصيات النسائية في الرواية بشكل سيء، خالعا على نفسه كل الصفات الإيجابية المعاكسة، رغم إقراره أنه أخطأ، لكن خطأه هذا لم يتطور في نظره ليجعله يتحمل مسئولية كل ذلك، ورغم تلويحه بأسطورة أوديب الذي فقأ عينيه حين انتبه أنه قد وقع في الفساد، إلا أنه في المجمل لم يتحمل نتيجة أخطائه، وإنما “كورا” هي التي ماتت بمرض صدري، وكأنه عقاب الكاتب لها على أفعالها واعتبر موتها مخرجا جيدا للبطل ولابنه زوجته.

كما أنه على مستوى أنه كان ميالا للأفكار اليسارية ولم ينف أو يؤكد تنصله منها، إلا أنه وبشكل لا وعي كان يحكم طبقيا على “كورا” وابنتها، فحين استفاق من هوس حبه لها كان ينظر إليها باحتقار وتقزز، ويكره شكلها وملامحها ويصفهم بشكل سيء ومقزز، كما اسمى بابا “ابنة الحرام” لسنوات طويلة، وكان يترفع عليهما باعتباره الصحفي الكاتب الذي يعلوهما درجات، وإن لم يعترف بينه وبين نفسه بذلك. وتجلى ذلك في وصفه لوالد ووالدة “كورا”، وكيف تطورت ملامحهما بعد أن ساعدتهما “كورا” وحسنت من حالتهما المادية البائسة، النظرة الطبقية التي تقلل من شأن من هم أقل طبقيا تتجلى بوضوح في وصفه لكورا ولابنتها ولوالديها.

أما بالنسبة لابنة الزوجة التي باعتها أمها وهي في سن صغيرة، فقد صور ببراعة على لسان “بابا”، ومن خلال حوارها معه، كيف أن الفتاة التي تتعرض لانتهاك جسدي في طفولتها تتعامل بحيل نفسية في مواجه هذا الاعتداء، فقد أحست “بابا” أنها ماتت في ذلك اليوم الذي اصطحبتها فيه أمها لتبيعها لرجل، وتعاملت بعد ذلك على إنها “بابا” جديدة، وأن تلك التي تعرضت لانتهاك لم تعد موجودة لذلك استطاعت أن تتعامل مع أمها طوال السنوات اللاحقة واستطاعت أن تظل تحبها وتعاملها بحنو.

أما على مستوى إشراك الكاتب في كتابة الرواية، فقد أبدع الكاتب في ذلك، حيث كان يحكي عن تفاصيل كتابته ليومياته وكتابته للرواية بدقة شديدة.

الكاتب..

ألبيرتو مورافيا، اسمه الاصليّ:ألبيرتو بنكيرلي، كاتب إيطالي ولد في روما سنة 1907 وتوفى في 26 سبتمبر سنة 1990 في مدينة روما التي عاش فيها كل حياته. يعتبر من أشهر كتاب إيطاليا في القرن العشرين، وهو يكتب بالإيطالية، ويتحدث اللغتين الإنجليزية والفرنسية. ترجمت أغلب أعماله إلى عدة لغات عالمية. وتحولت عدد من رواياته إلى أفلام سينمائية. نشر له بعد وفاته ديوان شعري، جمع قصائد كتبها في السبعينات، ساعدت في نشرها الأديبة “ألساندرا أغراندليس”.

ولد في عائلة ثريّة من الطّبقة الوسطى. أبوه اليهوديّ “كارلو” كان رساما ومهندسا وأمه الكاثوليكيّة كانت تدعى “تيريزا ليجيانا”. لم ينه ألبيرتو دراسته لأنه أصيب بالسل الذي أقعده في الفراش لخمس سنوات، ممّا جعله يحب المطالعة. في سنة 1929 كتب مورافيا أوّل مؤلفاته ثمّ بدأ حياته المهنيّة ككاتب في مجلّة  حيث كتب أوّل قصصه القصيرة.

سنة 1967 سافر ألبيرتو مورافيا إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية وفي سنة 1972 زار أفريقيا حيث كتب “إلى أي قبيلة تنتمي؟” ونشرت في نفس السّنة ثم في سنة 1982 زار هيروشيما في اليابان.

سنة1990 وجد “ألبيرتو مورافيا” ميتاً في حمام بيته في روما في نفس السنة نشرت سيرته الذاتية  (حياة مورافيا).

تميزت أعمال “مورافيا” الأدبية بالبراعة والواقعية لنفاذه إلى أعماق النفس البشرية، فقد هاجم “مورافيا” الفساد الأخلاقي في إيطاليا. من رواياته “زمن اللامبالاة” وهي روايته الأولى التي كتبها ونشرت سنة 1929 ويناول فيها الفلسفة الوجودية حيث تحدث فيها عن أسرة من الطبقة المتوسطة دب فيها الفساد الأخلاقي وصورها وهي تمد يد المساعدة إلى الفاشية الإيطالية.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب