خاص: قراءة- سماح عادل
رواية (الاحتقار) للروائي الإيطالي “ألبرتو مورافيا” تتناول قصة حب تنتهي بالفشل بسبب التفاوت الطبقي بين الزوجين، والذي خلف تفاوتات أخرى.
الشخصيات..
ريشار: البطل، كاتب مسرح، مثقف يعمل في جريدة درجة ثانية ناقد سينمائي، يتزوج من فتاة أقل منه في التعليم وتدوم علاقتهما في سعادة لمدة عامان ثم تظهر مشكلة حياتية بينهما، يفكر كثيرا ويحلل كل شيء وفق التحليل النفسي.
اميلي: زوجة “ريشار”، سيدة عادية تحب بيتها وزوجها لكنها تتحول وتتوقف عن حبها له ويظل يتخبط ثم تهجره.
باتيستا: منتج سينمائي قبيح المظهر، لا يهمه سوى المال، سيء الخلق يغوي “اميلي” بطريقة لزجة لا تخلو من إلحاح وهي تستجيب له في النهاية.
الراوي..
الراوي هو “ريشار” الذي لا يكف عن مسائلة ذاته وتحليل الأمور من خلال التحليل النفسي، ومراجعة الأفكار وتقليبها على كافة الأوجه، لكنه راوي متسلط لا يترك الحرية ل”اميلي” لتتحدث عن نفسها، كما لا يترك الحرية ل”باتيستا” للتعبير عن نفسه أيضا إلا في حدود ضيقه، فصوت “ريشار” ووجهة نظره هي الغالبة على الرواية وهي أقرب إلى السلطوية، والرواي في بعض المواضع في الرواية يخاطب القراء بشكل مباشر.
السرد..
السرد يتمتع بإيقاع بطيء حيث يكشف الراوي عن الحكاية تصاعديا وببطء شديد، مستهلكا جزءا كبيرا من الرواية في تحليلاته وأفكاره التي يفرضها فرضا على الأحداث، مما يغلب على السرد كثرة الأفكار أكثر من جريان الأحداث، كما تبدو شخصية “اميلي” باهتة رغم أنها تعد البطلة، والرواية لا تعتمد على التشويق وإنما على تقديم البطل ورؤاه وأفكاره وشخصيته، وفرض آراؤه وأحكامه على الشخصيات، والرواية تقع في حوالي 260 صفحة من القطع المتوسط.
الحب يخضع للطبقية..
يتسم الراوي بحس طبقي متعالي، فهو يصف زوجته، والتي صرح مرارا أنه يحبها حبا شديدا، بأنها أقل منه طبقيا، واصفا إياها بالبرجوازية الصغيرة، وموضحا أنها لم تكمل تعليمها ووصلت إلى التعليم الابتدائي ثم اضطرت إلى العمل ككاتبة على الآلة الكاتبة بسبب الفقر، رغم أنها متحدرة من عائلة عريقة لكنها فقدت أموالها وأصبحت فقيرة، ويروي ذلك في تعالي وكأن فقرها يحسب عليها وأنه دليل على عدم تكافؤ بينهما، كما يكرر كثيرا أنه اضطر للتخلي عن أحلامه في أن يصبح كاتب مسرح ناجح، ولجأ إلى أن يصبح كاتب سيناريو لدى منتج جشع لا يهمه سوى الربح، إرضاء لزوجته الفقيرة التي كان أقصى حلم لها أن تمتلك بيتا تعيش فيه، ورغم أنها عاشت معه لمدة عامين في غرفة مفروشة في شقة، إلا أنه شعر أنها ترغب في امتلاك شقة خاصة بها، وجازف واشترى شقة بالتقسيط رغم أنه ليس لديه مال، مما اضطره إلى الاستدانة ومن ثم العمل ككاتب سيناريو لأفلام تجارية، كما أنه اشترى لها أيضا سيارة وضحى بأحلامه لأجلها.
موضحا أن عمل كاتب السيناريو عمل سيء بالنسبة له ويتنافى مع أحلامه لأن مجهوده لن يحسب له، وإنما سيحسب لصالح المخرج والمنتج الذين يربحون المال والشهرة، وأنه في عمله هذا مأجور في عمل يضغط عليه نفسيا.
ويظهر أيضا تعالي الكاتب، الذي يبدو أنه يطابق نفس صوت البطل الرواي، حين يذكر أنه ونتيجة لسوء حالته المادية نتيجة لسعيه لإرضاء زوجته أصبح ناقما اجتماعيا على الأغنياء، لأنه أصبح من صفوف الفقراء وتحول نقمه إلى أفكار عامة امتدت لمجمل المجتمع، مما حدا به في لحظة عدم تفكير أن ينضم إلى الحزب الشيوعي، وكأن ذلك الفعل بمثابة فعل متهور كان لن يقدم على فعله أبدا لو لم يصبح فقيرا بالجبر. وفي هذه الأفكار احتقار خفي للفقراء ومن هم في الطبقات الكادحة، ومن منعتهم ظروفهم من إكمال تعليمهم وبالتالي الحصول على قدر من الثقافة، وكأن الكاتب يعلي من شأن المثقفين في مواجهة الفقراء الجهلاء، وقد ذكر في أكثر من موضع في الرواية أن زوجته جاهلة وأنها لا تضاهيه في فكره وفي عقله، وأنه ربما قصور تفكيرها وقله ثقافتها هي ما خلقت سوء التفاهم بينهما.
ويتلخص الخلاف الذي جعل “اميلي” تفقد حبها لزوجها بل ويتحول هذا الحب إلى الاحتقار في أن “باتيستا” كان يحاول إغواءها وكان يفرض وجوده فرضا، ورغم ذلك لم يتخذ “ريشار” أي موقف ضد ذلك، بل كان يتجاهل ما يحدث ويفرض على زوجته أن تصطحبه في لقاءاته مع “باتيستا”، موضحا أنه لم يكن يعلم أن “باتيستا” سيء النية وأنه حين أعاد التفكير في تحول زوجته وبعد إعادة تدوير أفكاره مرات ومرات، وصل إلى تلك الفكرة وهي أن “باتيستا” كان يغويها وأنه وقف متجاهلا، حتى أنه بدا أمام زوجته متواطئا وكأنه يدفعها دفعا لأن تكون عشيقه “باتيستا”، لكنه يفسر ذلك الأمر بأنه لم يكن ينتبه، وأن كل اهتمامه كان منصبا على الفوز بالعمل الذي لا يرضيه ليحصل على المال ليسدد أقساط الشقة والسيارة، حتى انه لم ينتبه لكل ذلك، وحتى إلى تغير زوجته إلا بعد فترة.
وفي محاولة منه لتفسير الأمر أكثر يتحدث عن سيناريو يطلب منه “باتيستا” عمله عن “الأوديسة” التي ألفها “هوميروس” بمساعدة مخرج ألماني اتفق معه “باتيستا”، و يركز ذلك المخرج الألماني، في معالجته ل”أوديسة” لكي تصبح فيلما، على علاقة الحب بين “يولسيوس” وزوجته، وكيف أنها كانت تحتقره لأنه لم يكن يقاوم المعجبين بها، بل كان يطلب منها أن تقبل هداياهم، وهو واثق من أنها لن تستجيب لهم، ووصف المخرج “يولسيوس” بالمتحضر لأنه لم يتصرف بهمجية تجاه هؤلاء المعجبين، في حين وصف زوجته التي طلبت منه في النهاية قتلهم بأنها همجية لا تعرف شيئا عن التحضر، وكأنه في معالجة المخرج الألماني ل”أوديسة” قدم البطل تفسيره للأمر برمته، فزوجته “اميلي” جاهلة وغير متحضرة لذا اعتبرته ليس رجلا لأنه لم يدافع عنها في مواجهة “باتيستا”، وإنما كان يتساهل أمام إلحاح “باتسيتا” في مصاحبة زوجته، في حين أنه هو الحكيم والذكي والمتحضر كما وصف البطل “يولسيوس”.
ويتعنت الراوي في حجب صوت “اميلي” فيجعلها تراوغ دوما في تفسير احتقارها له وتوقفها عن حبه، ولا تنطق أبدا بالسبب الحقيقي، وإنما هو من يقول السبب وتكتفي هي بالنظر بتأثر، ثم يجعلها في النهاية تتحول إلى عشيقة ل”باتسيتا” وتهجر زوجها، وإمعانا في التعالي عليها والتنكيل بها يجعلها الكاتب تموت وهي مسافرة في سيارة “باتيستا” بكسر في العمود الفقري.
الكاتب..
ألبيرتو مورافيا (اسمه الاصليّ: ألبيرتو بنكيرلي) كاتب إيطالي ولد في روما سنة 1907، وتوفى في 26 سبتمبر سنة 1990 في مدينة روما التي عاش فيها حياته. يعتبر من أشهر كتاب إيطاليا في القرن العشرين, وهو يكتب بالإيطالية ويتكلم اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ولد في عائلة ثريّة من الطّبقة الوسطى. أبوه اليهوديّ “كارلو” كان رساما ومهندسا، وأمه الكاثوليكيّة كانت تدعى “تيريزا ليجيانا”. لم ينه “ألبيرتو” دراسته لأنه أصيب بالسلّ الذي أقعده في الفراش لخمس سنوات ممّا جعله يحب المطالعة. في سنة 1929 كتب “مورافيا” أوّل مؤلفاته ثمّ بدأ حياته المهنيّة ككاتب في مجلّة 900 حيث كتب أوّل قصصه القصيرة.
سنة 1967 سافر “ألبيرتو مورافيا” إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وفي سنة 1972 زار إفريقيا حيث كتب “إلى ايّ قبيلة تنتمي؟” ونشرت في نفس السّنة ثم في سنة 1982 زار هيروشيما في اليابان.
سنة 1990 وجد “ألبيرتو مورافيا” ميتاً في حمام بيته في روما في نفس السنة نشرت سيرته الذاتية (حياة مورافيا).
من رواياته (زمن اللامبالاة) وهي روايته الأولى التي كتبها ونشرت سنة 1929 ويناول فيها الفلسفة الوجودية، حيث تحدث فيها عن أسرة من الطبقة المتوسطة دب فيها الفساد الأخلاقي وصورها وهي تمد يد المساعدة إلى الفاشية الإيطالية، و (السأم) وهي رواية حازت على أكبر جائزة أدبية في إيطاليا (جائزة فيارجيو) ، و(دولاب الحظ) نشرت سنة 1939.