7 أبريل، 2024 2:05 ص
Search
Close this search box.

رواية الإرسي.. عذاب الإنسان العراقي الذي تعرض للويلات

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية الإرسي للكاتب العراقي “سلام إبراهيم” تحكي عن الإنسان حين يتعرض للحرب وويلاتها، وحين يفقد أمانه النفسي وأمان واقعه إزاء سلطة باطشة، كما رصدت بالتفاصيل القصف الكيماوي الذي استهدفت به السلطة العراقية مقرات أحزاب المقاومة في زيوة خلف مدينة العمادية بتاريخ 1987.

الشخصيات..

البطل: هو الكاتب والراوي، رجل مطارد، هرب من العسكرية ليختبئ في العلية في بيت عمته، وعانى العذاب من اضطراره الاختباء، ومشاهدته لرعب العمة التي أصبحت لا تتبادل معه الكلام، واضطراره في بعض الأيام إلى السكون التام حتى أنه كان يحرم من النوم. لكنه عاني أنواع أخرى من المعاناة في الجبل مع الثوار، وفي الجيش حين كان يتعرض للقصف، كما أنه أصيب في القصف الكيماوي وأوشك على الموت.

الزوجة: لم يذكر الراوي اسمها، لكنه دوما ما كان يشير إليها ب”حبيبتي” يبجلها ويحترمها ويحبها حد التقديس، وهي شجاعة تساعد الآخرين، التحقت بالعمل السري رغم اعتراض زوجها، ثم التحقت بالثوار في الجبل وكان أدائها قويا ومؤثرا، ولم تتخل عن زوجها أبدا رغم ما عاناه الاثنان من ظروف وصعاب.

هناك شخصيات أخرى داخل الرواية يحكي عنها الراوي ويتذكرها في ثنايا الرواية، لكنها شخصيات ثانوية في السرد.

الراوي..

الراوي هو البطل، الذي يحكي بضمير المتكلم، ثم أحيانا نجد راو عليم يحكي بضمير الغائب عن البطل نفسه، لكن الرواية في معظمها محكية بصوت الراوي البطل، والذي يتناول الشخصيات من خلال تعامله معهم ورؤيته لهم.

السرد..

الرواية قصيرة لكنها ثرية بالأحداث، تقع في حوالي 150 صفحة من القطع المتوسط، يتنقل السرد ما بين الفترة التي يختبئ فيها البطل في الإرسي “العلية” في منزل عمته،  والفترة التي قضىاها مع ثوار الجبل وحده، ثم الفترة التي ذهب فيها مع زوجته للانضمام إلى ثوار الجبل. وتنتهي بتأثير القصف الكيماوي عليه، نهاية مفتوحة.

كشف الضعف الإنساني..

الرواية تحكي عن بطل عراقي عاني وتعذب من سلطة غاشمة، بسبب التحاقه بصفوف المقاومين لها، لذا فقد اعتقل وتعذب داخل سجون السلطة، ثم تم تجنيده ليحارب في حرب اختارها الحاكم ليتعذب بها شعبه، وحين مل انتظار الموت كل ليلة في مواقع الجيش قرر الهروب ليكون قريبا من زوجته وابنه، لكنه اضطر إلى الاختباء، كما ذهب للالتحاق بصفوف الثوار، والحكي يكشف لحظات الضعف الإنساني التي يمر بها البطل، فهو لا يصور نفسه في صورة البطل القوي الذي لا يقهر، وإنما يكشف عن ضعفه قبل قوته، وهذا الكشف أحد ميزات الحكي في الرواية.

يندهش البطل من أنه كان لا يخاف الموت حين التحق بالجيش ليس قوة في مواجهة الموت وإنما يأسا، ثم يحاول تتبع كيف تسلل الرعب إلى قلبه وأصبح  يخاف الموت، حينما أصبح لديه ابن يخشى أن يفقد أبيه، وزوجة يخشى عليها من القادم، وربما يكون الرعب قد تمكن منه بعد تجربة التعذيب الوحشي في المعتقل.

يكشف البطل الضعف الإنساني أيضا الذي عاني منه رفاقه الثوريون، مبينا أن نموذج البطل الثوري الشجاع الذي لا يقهر ولا يخاف الموت هو صورة مبالغ فيها، فالحرب والصراعات والعنف تخلف داخل النفس الإنسانية ندوبا وجراحا وأزمات كثيرة يصعب تجاوزها أو التعالي عليها وإدعاء الشجاعة والقوة،  الإنسان لا يخلو من ضعف ومن أزمات نفسية ومن مخاوف ورغبات وأحلام واحباطات.

تواصل جسدي..

كما لا تخلو نفس الإنسان  من رغبات تجب إشباعها، رغبة التواصل مع الجنس الآخر والشعور بالاكتمال معه جسديا وروحيا، عاني البطل في جميع الفترات من الحرمان الجنسي والعاطفي، وعانى الثوار الذين يعيشون حياة جافة وقاسية منه أيضا، وكان بعضهم يقوم بتصرفات تدل على ضعف نفسي كبير، فيتحرشون برفيقاتهم من النساء اللاتي يشاركنهم النضال، بل يسعى البعض إلى خطف الرفيقات من أزواجهن وإغواءهن، مما يثبت أن واقع الثورة المسلحة ليس مثاليا كما يعتقد البعض.

محنة العراقيين..

كشفت الرواية أيضا عن محنة العراقيين في فترة حكم السلطة القاهرة، حيث يفقدون أبناءهم ما بين القتل تحت التعذيب في المعتقلات، أو الإعدام بسبب الهروب من العسكرية، أو الموت في مواقع القتال، أو هجر الأبناء الذين تسمح لهم الفرصة بالهروب خارج البلاد، أو الاختباء داخل المنازل في انتظار الموت بشكل يومي، ومعايشة تدمير نفسي.

القصف الكيماوي..

وكان أهم كشف للرواية هو تفاصيل القصف بالكيماوي الذي تعرض له البطل ورفاقه، حيث قصفهم الحاكم بغازات سامة ومحرمة دوليا، ورصد الراوي كيف كان تأثير ذلك القصف، من مات بعد أن عانى من آلام مبرحة وعاني من العمى، ومنهم من عاني أيام طويلة من آلام قاسية وتضررت أجزاء من جسده، بعضهم انهار نفسيا وأخذ ينادي على أهله الذين حرموا منه وحرم منهم، ومنهم من مات في صمت، والبطل الذي قاوم انهياره ليبدو قويا في عيني زوجته، لكنه عاش في كوابيسه المظلمة متخيلا موته الوشيك، وحالما بكل أحباءه الذين فقدهم.

اعتمدت الرواية على لغة عذبة أقرب إلى اللغة الشعرية، وعلى غزل جميل توزع في ثنايا السرد كان يبثه البطل لزوجته التي يفتقدها والذي يحاول تلمس الأمان في تذكرها.

الكاتب..

“سلام إبراهيم” كاتب عراقي، بدأ بكتابة القصة القصيرة أوائل السبعينيات، نشر أول قصة قصيرة له في صحيفة “التآخي العراقية” 1975. كتب أكثر من خمسين قصة قصيرة منذ ذلك التاريخ وحتى 1994.

عاود النشر ثانية عام 1987 في الصحف والمجلات العراقية والعربية: الثقافة الجديدة، عيون، البديل، القدس العربي اللندنية، الحياة اللندنية، السفير، الاغتراب الأدبي، الزمان، صحف المعارضة العراقية، النهار البيروتية، إبداع المصرية، المسلة، ألواح، صباح الخير اللبنانية، أخبار الأدب المصرية، الصباح العراقية، الصباح الجديد العراقية وغيرها من الصحف والمجلات.

ـ صدر له:

1ـ “رؤيا اليقين” مجموعة قصص ـ بيروت 1994.

2ـ ” رؤيا الغائب” رواية ـ دمشق 1996.

3ـ “سرير الرمل” مجموعة قصص ـ دمشق ـ 2000.

4ـ “الإرسي” رواية – القاهرة 2008.

5- الحياة لحظة رواية عن الدار المصرية اللبنانية – القاهرة – 2010.

6- “في باطن الجحيم” رواية عن وزارة الثقافة – بغداد – 2013.

7- “في باطن الجحيم” مترجمة إلى الإنكليزية عن دار – صافي – الولايات المتحدة الأمريكية 2014.

8- “حياة ثقيلة” رواية – القاهرة 2015.

9- “إعدام رسام” رواية – القاهرة 2016.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب