خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “الأغلف” للكاتب السوداني “محمد خير عبد الله” تحكي عن العنصرية، وعن الاضطهاد الذي يعانيه الإنسان بسبب لونه، أو بسبب كونه ليس فردا من الجماعة.
الشخصيات..
الأم: سيدة سمراء اللون، كانت تعيش مع زوجها الذي يمتلك مزرعة بن وشجر والذي دخل الإسلام، لكن تعرض زوجها للهجوم والقتل وهربت هي إلى قرية بعيدة وعاشت فيها مع ولدها الذي أنجبته، وعانت طوال فترة بقاءها في تلك القرية من العنصرية والمعاملة السيئة.
البطل: عاني منذ طفولته من العنصرية والاضطهاد، مما خلف لديه هوس بالاتصال الجنسي مع المرأة، ذلك الهدف الذي سعى وراءه طويلا ولم يحصل عليه.
عبد الكريم: رجل منافق داخل القرية، من أشد المتعصبين الذي كان يعامل الأم وابنها بطريقة سيئة، وهو رجل منافق، يعاشر الأطفال الذكور، ويشرب الخمر ويدعي الفضيلة وينعت الأم بالعبدة.
سعيد الجزار: جار الأم، وهو الوحيد في القرية الذي يتعامل معها بود ولطف، لكنه أيضا يعتبرها هي وابنها من العبيد، بسبب لونهما الأغمق.
وهناك شخصيات أخرى داخل الرواية.
الراوي..
الراوي هو البطل، يحكي بضمير المتكلم عن نفسه وعن أمه وعن معاملة أهل القرية له، وعن سعيه إلى الرحيل من القرية إلى قرية أخرى ثم إلى العاصمة، وهو يخاطب القراء بشكل مباشر، كأنه في حديث طويل معهم.
السرد..
الرواية قصيرة تقع في حوالي 144 صفحة من القطع المتوسط، تدور حول موضوع واحد هو هوس البطل بالاتصال الجنسي مع النساء، والذي تولد لديه نتيجة الاضطهاد الكبير الذي تعرض له لأنه غير مختون، وتسير الرواية في تصاعد مع تذكر الراوي مواقف من الماضي، وانتهت الرواية نهاية إيجابية، حيث اقتنع البطل بتفاهة حلمه وهدف حياته وأن الحياة فيها أشياء أعمق من هدفه الأوحد ذاك.
هوس الاتصال الجنسي..
الرواية رغم تركيزها على هوس البطل بالجنس مع النساء، وحلمه البعيد المنال الذي يحاول تحقيقه باستماتة، إلا إنها تكشف عن العنصرية التي يتعامل بها أصحاب البشرة السمراء، في مجتمع متخيل هو القرية، والتي لم يذكر الكاتب اسمها، ربما رغبة منه في أن يعمم وأن يقول أن مشكلة العنصرية مشكلة عامة فهي تطول جميع الأنحاء في السودان، حيث يعامل أصحاب البشرة السمراء معاملة دونية ويراهم أصحاب البشرة الفاتحة ولا نقول البيضاء معاملة العبيد، حتى أن المتطرفين منهم والمنافقين والانتهازيين أمثال “عبد الكريم” يغالون في عنصريتهم ويرفضون أن يصلوا أو يتعبدوا إلى الله، على اعتبار أن الدين يخصهم وحدهم و أن أصحاب البشرة السمراء عبيد لا يحق لهم مشاركتهم نفس الدين.
غير مختون..
حتى أن أهل القرية منعوا الأم من أن تختن ابنها لأنها عبدة ولا يحق لها الختان، وظلت تلك المشكلة كوصمة عار تلاحقه طوال حياته، حيث ترفضه جميع النساء بسبب أنه غير مختون، حتى الشبقات منهن واللاتي يسعين إلى إقامة اتصال جنسي بسهولة، وحتى بائعات الجنس اللاتي لا يردن سوى الأموال رفضن إقامة اتصال جنسي معه لأنه غير مختون. وغير المختون بالنسبة لهذا المجتمع يعتبر كافر بالنسبة لهم ومصدر للنجاسة.
تموت الأم ويعاني البطل من الحزن الشديد واجترار الذكريات القاسية والسيئة التي عاني منها منذ طفولته المبكرة، ويفكر في الرحيل من القرية ليتخلص من المعاملة السيئة وليسعى نحو حلمه الأوحد لكنه لا يجده في القرية المجاورة فيذهب إلى العاصمة التي يتوقع فيها حل أزمته، لأنه وجد كثير من أصحاب البشرة السمراء هناك، ويعمل في أعمال دونية كأي فقير في العاصمة ويسعى وراء حلمه لكنه أبدا لا يستطع تحقيقه ويقتنع في النهاية أن في الحياة أشياء أهم وأثمن من حلمه هذا.
يرصد الراوي أيضا العنصرية في العاصمة، فليست قرى الريف وحدها التي تتفشى فيها العنصرية، وإنما العاصمة أيضا على رغم تنوع الألوان والأديان فيها فهي تفرق بين الغني والفقير وبين المختون وغير المختون.
تقسيم الناس..
العنصرية تقسم الناس على أساس قواعد كثيرة واعتبارات أكثر، والطريف أن البطل حين قابل مجموعة من أبناء الشوارع يكتشف رجلا كان رئيس لدولة مجاورة، وأن هذه الدولة على اختلاف دينها الرسمي تعاني أيضا من عنصرية، فالمختون في البلد المجاورة يعاني نفس معاناة البطل غير المختون.
ويتطرق الراوي لفكرة الختان في حد ذاتها، ويريد أن يعرف أصلها وكيف جاءت لتكون أحد أسباب التنمر الذي يعاني منه الناس في جماعة ما.
كما يشير الراوي إلى ظاهرة المثلية ووجود اغتصاب للأطفال الذكور من قبل بعض الرجال، واضطهاد أمه لأنها رفضت صناعة الخمر.
الرواية في مجملها تكشف نفاق المجتمع وانتهازيته، فالنساء تبعن أجسادهن لكنهن يرفضن معاشرة رجل مختون بدعوى التمسك بدينهم والخوف من النجاسة، وبيوت البغاء تقام لكن يضطهد الناس بسبب فقرهم أو لونهم أو دينهم.
الكاتب..
“محمد خير عبد الله” هو كاتب وقاص وروائي سوداني ذائع الصيت، عرف بتمرده وأسلوبه في الكتابة المتفرد، وهو رئيس نادي القصة السوداني، أخر رواية صدرت للكاتب حديثا عن دار رفيقي للطباعة والنشر رواية “عرس عبد”، 2020.
ولد “محمد خير عبد الله” في ولاية النيل الأبيض بمدينة الفشاشوية في عام 1946، أما مراحلة التعليمية درس الابتدائي في الفشاشوية ثم الثانوي بمدينة كوستي، ونال الدبلوم تعليم بمنظة سولو ودبلوم تصوير فوتوغرافي بوزارة الثقافة.
في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي عمل “محمد خير” موظفا بالإعلام الزراعي في وزارة الزراعة والثروة الحيوانية، وعند انقلاب عمر البشير على السلطة في عام 1989م، قام بفصل الآلاف من العاملين الذين لا ينتمون لتنظيم الجبهة الإسلامية القومية، فيما يعرف بسياسة التمكين، صار كاتبا صحفيا بكل من صحيفة (الخبر والصحافة ودنيا وصحيفة الرأي العام وصحيفة القرار).
أعماله:
مجموعتين قصصيتين:
– “حنيميات” ( مجموعة قصصية) صدرت في عام 1999.
– “هذا هذا” (مجموعة قصصية) أيضاً صدرت في عام 1999.
الروايات:
– لعنة الحنيماب (2005).
– هذيان كهل (2001).
– ليلة قتلني الرئيس (2011).
– سيرة قذرة (2014) وكانت قد منعت من النشر في فترة حكم الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، عبر المصنفات الأدبية التي تتبع لوزارة الثقافة والإعلام التي كانت تعمل على التضييق على الكتاب والروائيين.
– “شجن الروح شغف الجسد” صدرت في عام 2016م.
-رواية “المانوس” صدرت في عام (2016).
– رواية حيثيات وصل الأمانة، ورواية انتفاخ رئاسي، ورواية عرس عبد.
وفي المجال العام أنشأ نادي القصة السوداني وأندية اليونيسكو/ وصار نائباً لرئيس الاتحاد ورئيس نادي القصة السوداني ومدير عام مجلة سرديات ومدير عام لصحيفة القصة السودانية ولديه الآن أكثر من سبعة مخطوطات في الرواية.
– في عام 2019 صدرت للكاتب كتاب تحت عنوان “أيام مع أبي ذر (أو حينما كانت الخرطوم في قبضة الأصدقاء”، الكتاب يتناول حياة الكتاب والمثقفين في السودان إبان حقبة الثمانينات، وأن الكاتب والصادق الرضي أصدقاء، يرتكز الكتاب بشكل أدق حول حياة الشاعر الفذ أبي ذر الغفاري السوداني وهو الصديق الحميم للكتاب الذي اختفي في ظروف غامضة.
جوائز:
• الجائزة مركز عبد الكريم ميرغني (جائزة الطيب صالح).
• الجائزة الأولى للرواية العربية التي أطلقتها دار الفكر العربي بالدمام.