خاص: قراءة – سماح عادل
رواية ” استدعاء ذاتي” للكاتب والسيناريست الأميركي “بليك كراوتش” ترجمها “عبد الرحيم يوسف” وصدرت عن دار المحروسة، تحكي عن موضوع آسر، وهو السفر في الزمن، وكيف يمكن ذلك، لكنها أيضا تعرض خطورته علي العالم إذا استخدم هذا السلاح، السفر في الزمن، لتحقيق منافع شخصية أو دولية خاصة تخدم مصالح فئة قليلة.
الشخصيات..
باري ساتون: محقق في الشرطة الأمريكية، تابع لولاية نيويورك، يذهب إلي إنقاذ إحدي السيدات ليكتشف ما سمي ب”متلازمة الذاكرة الزائفة”، ثم يمارس حياته. وتحكي الرواية عنه ليتورط في لعبة السفر في الزمن دون إرادته، ويصبح لاعبا هاما فيها.
هيلين سميث: عالمة اهتمت بالتخصص في مجال الذكريات، أولا لشغفها الشديد بها، ثم لأن أمها أصيبت بمرض الزهايمر، وكانت تريد أن تسجل لها بعض الذكريات قبل هروبها من خلايا مخها لتحتفظ بها أمها قليلا، لكنها تتورط أيضا في لعبة السفر في الزمن بعد أن تخترع كرسيا تكتشف أنه يقوم بنقل الناس إلي لحظات في حياتهم الماضية.
سليد: مدمن مخدرات، كان يعمل لدي “هيلين” كمساعد، لكنه حين اكتشف ما يستطيع الكرسي عمله قرر الاستيلاء عليه، وبدأ خطوط زمنية متعددة نابعة من الخط الزمني الأصلي، إلى أن تكتشف “هيلين” ذلك وتمسك في يدها باللعبة.
هناك شخصيات أخرى داخل الرواية لكنها شخصيات ثانوية.
الراوي..
الرواية تعتمد علي راو عليم، لكنه يقسم الحكي ما بين “هيلين” و”باري”، حيث يبدأ بالحكي عن “باري” ثم “هيلين” وهكذا، إلى أن تنتهي الرواية بالحكي عن “باري” الذي ينهي كارثة تلك اللعبة الخطيرة.
ويعنون الراوي كل قسم باسم “باري” أو “هيلين” وتاريخ الزمن الذي يحكي عنه باليوم والسنة. ويعطي الراوي مساحة كبيرة للبطلين ويرصد مشاعرهم الداخلية وانفعالاتهم وأحاسيسهم تجاه الشخصيات الأخرى والأحداث المتسارعة والغريبة.
السرد..
الرواية تقع في حوالي 478 من القطع المتوسط، تحكي بسلاسة وسهولة ويسر، وتمتلئ بمعلومات علمية لكنها مبسطة وممكنة الفهم للقارئ العادي، تعتمد علي نسبة متوسطة من التشويق، لأنها تركز لا علي فكرة التشويق وإنما تركز علي لعبة الانتقال في الزمن وتأثيراتها، وتخيل كيف يمكن أن تصل بالعالم.
السفر في الزمن لعبة خطيرة..
تبدأ الرواية بانتحار سيدة تدعي “آن” والمحقق “باري” معها يحاول إقناعها بأن تتراجع، لتخبره عن متلازمة الذاكرة الزائفة. ثم نتعرف علي “هيلين” العالمة التي تحاول جاهدة المضي في أبحاثها في مجال الذاكرة، لكي تستطيع أن تفيد أمها التي تتسرب ذاكرتها منها، وكيف أنها فاشلة في عملها، ليعرض عليها عرض كبير من رجل غني ويقنعها ذلك الرجل بتمويل أبحاثها، التي تتسارع سرعة كبيرة لتصل إلي فكرة كرسي يسجل الذكريات ليحتفظ بها للمريض الذي يعاني من فقدان ذاكرته بالتدريج.
ويصل الأمر إلى أن يطلب “سليد” رجل الأعمال من “هيلين” قتل الناس في حوض عزل، لكي يصلوا إلي أقصى حد للتنشيط الذكريات، ليرحل معظم فريق العمل وتجد نفسها مجبرة علي البقاء. لتكتشف أمر أخطر وهو أن كرسيها يسافر في الزمن، وتكتشف أنها في خط زمني وأنها هي من اخترع الكرسي منذ البداية، وأن “سليد” سرق الفكرة واغتني ليصبح رجل أعمال شهير، وأنه لن يسمح لأحد بسرقة الكرسي منه.
اكتشاف “هيلين” أن كرسيها يسافر في الزمن لم يفرحها، فقد انزعجت منه لأن لعبة السفر في الزمن بالنسبة لها لعبة خطرة، تؤدي بالناس إلي الانتحار حين يعانون من ذكريات زائفة، كما أنها كانت تنظر علي المستقبل، حين تتنازع الدول علي امتلاك هذا السلاح الفتاك الذي بإمكانه صنع الكثير في مصير البشرية.
في حين أن “سليد” كان فرح لأن سلاح السفر في الزمن أكسبه قيمة، ليتحول من مدمن مخدرات إلي رجل أعمال كبير وشهير، يتحكم في مصائر الناس. بل أنه وصل إلي درجة أن يقدم خدمات السفر في الزمن ليبهج الناس ويسعدهم، ويجعلهم يتجاوزون أزمات فقد عزيز أو حبيب أو حل مشاكلهم الحياتية. وربما كان هذا الهدف نبيلا لو لم يظهر “سليد” تحكم شديد وتسلط في التعامل مع الكرسي، ومع سلاح السفر في الزمن لدرجة إقدامه علي قتل “هيلين” في خط الزمن الأصلي.
خطوط الزمن المتفرعة..
ونشاهد خطوط زمنية كثيرة تتفرع من الزمن الأصلي، يصنعها “سليد” في محاولاته لمساعدة نفسه واكتساب الشهرة والمال، ثم في محاولته تقديم خدمة السفر في الزمن للناس بشكل سري، قائلا أنها خدمات إنسانية شرط السرية في التعامل معها.
لكن الأمر يصبح خطيرا أكثر بكثير من أعراض التذكر للخطوط الزمنية التي تنتهي وتسبب للناس أزمات نفسية، قد تودي بهم إلي قتل أنفسهم. لأن الكرسي حين يتم القبض على “سليد” مع محاولة “هيلين” تحطيمه ينتقل إلي يد السلطة في أمريكا، ثم في يد مؤسسة عسكرية كبيرة، وهنا تظهر الخطورة الحقيقية. حيث يتم استخدام الجهاز في أغراض الحرب وتصليح الأخطاء التي تحدث بها لصالح أمريكا، وربما إعادة أناس إلي الحياة أو الانتصار في معارك. لكن الأخطر من ذلك هو تسريب معلومات الكرسي للدول الأخرى المعادية لينتهي الأمر بحرب نووية طاحنة.
تحاول “هيلين” دوما عمل خطوط زمنية متوالية، لكي تكتشف كيف تمنع تذكر الخطوط الزمنية التي تنتهي بالنسبة للناس، حتى لا يتذكر الناس أمر الكرسي ويتم تدمير العالم بحرب نووية. لدرجة أنها تعيش سنوات طوال في محاولة اكتشاف ذلك مستعينة، برفيقها “باري” الذي أحبته في أحد الخطوط الزمنية.
لكن بعد عدة محاولات فاشلة تنتهي حياة “هيلين” التي أنهكها السفر في الزمن، وأنهك خلايا عقلها، ليجد “باري” نفسه وحيدا لكنه مع ذلك ينجح في الحصول علي السر من “سليد” ويحل مشكلة التذكر، عائدا إلي الخط الأصلي للزمن وعائدا ل”هيلين” حب حياته.
لم تتناول الرواية موضوع السفر في الزمن كأمر ساحر وممتع، وإنما تناولته كسلاح وخطر، ولم يكن ذلك ممتعا لي كقارئة، حيث دوما ما يرتبط في ذهني مووع السفر في الزمن بالانبهار والسحر والاندهاش.
عن الرواية..
اختلفت رؤى الكتاب حول رواية “استدعاء ذاتي”، حيث رأى كاتب مجلة نيوزويك أنها رواية خيال علمي مثيرة، يخلط فيها “كراوتش” ببراعة بين العلم واللغز ليخرج لنا بخبرة ما يعنيه أن تكون الإنسانية بعمق، فيما رأى كاتب مجلة “التايم” أنها “رحلة تثير الهلاوس عبر درب الذاكرة. إن عبقرية كراوتش قادرة على مجابهة التحدي الذي وضعه أمامه للتغلب على بنية الزمن نفسه”، أما كاتب إنترتينمنت ويكلي فقال عنها “بالقطع رواية لا يمكنك أن تنساها وأنت تحزم حقيبتك لقضاء أجازة. ينفخ كراوتش الحياة في المادة بمزيج من العاطفة والذكاء والتأملات الفلسفية”.
الكاتب..
كراوتش ولد عام 1978، كاتب أمريكي من الأسماء المعروفة في قائمة أفضل الكتاب مبيعا؛ اشتهر خاصة بثلاثيته The Wayward Pines التي صدرت ما بين 2012 و2014، وتحولت إلى مسلسل تليفزيوني عام 2015. صدرت روايته “المادة السوداء” عام 2016، وصدرت ترجمتها إلى العربية عن دار المحروسة عام 2019. يعيش في كولورادو مع زوجته “جاك بن زكري” وأطفالهما الثلاثة.